كريتر نت – العين الإخبارية
لفظت هدنة اليمن أنفاسها الأخيرة تحت رحمة تصعيد ميداني حوثي على عدة محاور قتالية، بعد أن رضخت على مضض لأطول سلام أحادي الجانب في أرجاء البلاد طيلة 8 أعوام مضت.
وخلفت الهدنة الهشة وراءها محطات حية في تاريخ تعنت مليشيات الحوثي، وشواهد عززت من قناعة اليمنيين والعالم، بافتقاد الحكومة المعترف بها لشريك يدير قراره لصناعة السلام، وأنه من الصعب التهدئة دون ردع فعال.
كما عرت الهدنة أخلاقيا مليشيات الحوثي داخليا باستثمار التهدئة للتحضير لجولة أدمى من الحرب، وترتيب صفوفها عبر حملات التجنيد والعروض العسكرية، والتلويح بتهديد الملاحة البحرية، واستهداف الشركات الأجنبية النفطية.
أما داخليا فاتجه الحوثيون خلال الهدنة لإخماد انتفاضات ترفض ممارسات المليشيات؛ كان أبرزها معارك بلدة “خبزة” في مديرية القريشية في محافظة البيضاء (وسط) ومديرية همدان في ضواحي صنعاء، فضلا عن تفجير معارك بينية عنيفة لإنهاك القبائل في محافظتي عمران وذمار.
مفاوضات عقيمة وقصف للأطفال
خلال الهدنة رعت الأمم المتحدة محادثات معقدة بين مليشيات الحوثي والحكومة اليمنية حول فتح الطرق والتنسيق العسكري، ولم تتقارب وجهات نظر الطرفين، ما أدى إلى فشلها في نهاية المطاف.
ويعود ذلك إلى أسباب عدة، منها مثلا على مستوى فتح الطرقات، رفض الحوثيين لمقترح أممي بفتح 5 طرق إلى مدينة تعز، بينها شريان حيوي رئيسي، وذهابها بدلا بعيدا عن التفاوض، لإعلان أحادي الجانب بفتح طريق كانت قبل عقود للدواب.
وهكذا انتهت المفاوضات الثنائية حول فتح الطرقات بعد نحو جولتين، فيما استمرت محادثات لجنة التنسيق العسكري إلى أواخر أغسطس/ آب الماضي، دون التوصل إلى غرفة عمليات لإدارة الخروقات، وقد توقفت عند الهجوم الحوثي للسيطرة على بلدة “الضباب”؛ منفذ تعز الوحيد.
ودأبت مليشيات الحوثي بشكل متكرر على محاولة الهروب من استحقاقات الهدنة، عبر سلسلة من المجازر الاستفزازية المنهجية ضد تجمعات الأطفال بتعز، كان أبرزها هجوم زيد الموشكي الذي وقع في يوليو/ تموز وخلف 11 قتيلا وجريحا من الأطفال، في جريمة لاقت تنديدا دوليا كبيرا.
وبحسب الأمم المتحدة فإن حوالي 40 %، من إجمالي أعداد الضحايا المدنيين كانوا من الأطفال، وقدرت الحكومة اليمنية أعداد المدنيين الذين سقطوا خلال الهدنة بأكثر من 1100 ضحية.
كما بلغ متوسط أعداد الخروقات بنحو 50 خرقا حوثيا في مختلف محاور القتال، وقد استغل الحوثيون توقف الغارات الجوية للتحالف بقيادة السعودية، في زراعة أكبر عدد من الألغام برا وبحرا، فضلا عن تهريب السلاح.
ووثق المرصد اليمني للألغام سقوط 273 ضحية بألغام مليشيات الحوثي، منذ دخولها حيز التنفيذ في 2 أبريل/ نيسان الماضي، وحتى 2 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في محافظة يمنية واحدة فقط، وهي محافظة الحديدة، حيث أكبر حقل للألغام.
تربح عسكري
وسهلت الحكومة اليمنية والتحالف العربي تدفق الوقود عبر ميناء الحديدة ورحلات تجارية لطيران اليمنية إلى الأردن، إلا أن مليشيات الحوثي، ذهبت في استغلالها عسكريا في التربح، وتمويل جبهاتها الحربية.
وسعت مليشيات الحوثي لاختلاق أزمات انعدام الوقود، رغم تدفق السفن إلى ميناء الحديدة، التي وصلت أعدادها لنحو 53 سفينة، من أصل 54 كان مقررا وصولها إلى الميناء بموجب اتفاق الهدنة.
وبحسب وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني فإن السفن التي سهلت حكومة بلاده إدخالها لميناء الحديدة، كانت تقل 1.660.703 طن متري من المشتقات النفطية، وتصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار أمريكي.
ورغم أن اتفاق الهدنة نص على تسليم المرتبات لموظفي الدولة والمتقاعدين في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي من العائدات الضريبية والجمركية، من سفن الوقود الداخلة للميناء، إلا الحوثيين عمدوا لنهبها وتسخيرها عسكريا لتمويل جبهات القتال.
ووفقا للقيادي في “المقاومة الوطنية” محمد أنعم، فإن مليشيات الحوثي نهبت مرتبات موظفي الدولة وحولتها كمرتبات لمقاتليها في الجبهات، وخرجت تطالب الحكومة اليمنية بدفعها، ومطلبها هنا يعني دفع أجور عناصرها.
وأوضح أنعم في تصريح سابق لـ”العين الإخبارية”، أن مليشيات الحوثي تحقق أرباحا بمليارات الريالات من عائدات بيع الوقود والرسوم المفروضة على الشحنات النفطية الواصلة إلى الحديدة، وعليها أن تدفع مرتبات الموظفين في مناطق سيطرتها.
أما في مطار صنعاء، فلم يختلف الأمر كثيرا، فمنذ مايو/ أيار الماضي، سمحت الحكومة اليمنية والتحالف بوصول 51 رحلة تجارية، لطيران اليمنية، بين مطار صنعاء الدولي، والعاصمة الأردنية عمان، بينها رحلة من و إلى القاهرة.
وأقلت هذه الرحلات أكثر من 21 ألف مسافر من وإلى صنعاء، حتى منتصف شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، إلا أن مصادر يمنية قالت لـ”العين الإخبارية”، إن غالبية الرحلات خصصت لجرحى مليشيات الحوثي على حساب المدنيين المرضى.
كما وصلت خروقات الحوثي واستغلال المليشيات لمأساة الإنسان اليمني إلى المتاجرة بتذاكر الطيران في السوق السوداء، ونشر قوائم بالمحظورين من السفر، ممن تشكك بولائهم لها في مناطق سيطرتها، بما في ذلك برلمانيون وصحفيون وزعماء قبائل، وشخصيات اجتماعية.
وانقضت فترة سريان الهدنة الإنسانية في اليمن بعد إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، رسميا مساء أمس الأحد فشل تمديدها، وذلك إثر رفض الحوثيين مقترحا أمميا جديدا يقضي بتوسيعها لـ6 شهور إضافية، ومعالجة قضايا المرتبات والطرق والبناء عليها.