وحيد عبدالمجيد
يثير التطور السريع والمستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي أسئلةً كثيرةً عن أثره على البشر، وإلى أي مدى يمكن أن يغير شكلَ الحياة على وجه الأرض؟ بعض هذه الأسئلة افتراضية لأنها ترتبط باختراقات علمية لا تبدو ممكنةً في المدى القصير والمتوسط على الأقل، وبعضها واقعية تتعلق بمحاولات جارية لاستخدام بغض تقنيات الذكاء الاصطناعي في دعم قدرات الإنسان العقلية. ولعل أكثر هذه المحاولات إثارةً للاهتمام الآن هو تلك التي تقوم بها إحدى الشركات الأميركية، التي شارك الملياردير المثير للجدل إيلون ماسك في تأسيسها، لتطوير تقنية تسمح بزرع شريحة إلكترونية متصلة بحاسب آلي في الدماغ البشري لأداء وظائف معينة تساعد في تحفيز نشاطه.
وتثير هذه المحاولات بدورها سؤالاً عما إذا كان إيجاد مثل هذا الاندماج بين الذكاء الاصطناعي والعقل البشري ينسجم أم يتعارض مع الأخلاقيات البيولوجية التي لا تقبل تغييراً جذرياً في التكوين الطبيعي للإنسان؟ وهل يمكن أن يؤدي إلى تجاوز هذه الأخلاقيات واعتماد سياسات بيولوجية مختلفة يُتاح في ظلها السعي إلى تحول نوعي في طبيعة البشر وتكوينهم، بمقدار ما يزداد الولع بتحسين قدراتهم؟
السؤال مشروع، لأن التطور في تقنيات الذكاء الاصطناعي يَحدُث بمعدلات سريعة تجعل ما قد يبدو اليوم بعيداً أقرب مما يُتصور. ولهذا فهو مطروح الآن في نطاقٍ أوسع من أي وقت مضى منذ أن بدأ الجدل حول العلاقة بين الإنسان المعاصر والآلات الذكية. كما أن مَن باتوا يؤيدون، أو يقبلون، تجاوزَ الأخلاقيات البيولوجية التقليدية يزدادون نسبياً في بعض الأوساط العلمية والفكرية.
ويذهب بعضهم إلى حد التبشير بزمن جديد يتطور فيه الإنسان باتجاه كائن بشري جديد يُطلق عليه الكائن الحي السيبراني (Cyborg). وقد صار هذا التبشير أكثر جديةً لارتباطه بتطور علمي متسارع مقارنةً بما كان عليه الحال عندما بدأ الحديث في هذا الموضوع للمرة الأولى في ستينيات القرن الماضي.
ولهذا يتعين التمييز بين استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين حالة العقل البشري ومعالجة أمراض مثل الزهايمر وباركنسون والتوحد وغيرها، وبين إجراء تغيير في طبيعة هذا العقل، ومن ثم في التكوين البيولوجي للإنسان. وفيما يُتوقع أن يلقى استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين قدرة العقل على أداء وظائفه ترحيباً، يُرجح أن يواجه السعي إلى رفده بقدراتٍ خارقة تؤدي إلى تغييرٍ جذري في تكوين البشر مقاومةً بدأت بالفعل.
وتنطلق هذه المقاومة من أن مثل هذا التغيير يُحوِّل الإنسانَ إلى آلةٍ كنتيجةٍ للّعب في أعصاب الدماغ عن طريق إدخال شرائح إلكترونية تقوم هذه الأعصاب بإدارتها لإمداد العقل بقدرات لا يُعرف بعد أي مدى يمكن أن تبلغه؟ وفيم ستُستخدم؟ وكيف يمكن إخضاعها لضوابط تحول دون إساءة استخدامها في جرائم منظمة أو إرهابية تزيد الأخطار التي تواجه الأمن والاستقرار في العالم؟
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
نقلاً عن “الاتحاد”