كريتر نت – متابعات
اهتمت وسائل الإعلام المحلية في الاحتفال بالذكرى التاسعة والأربعين لنصر السادس من أكتوبر بسيرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات ومسيرته، والذي قاد البلاد إلى تحقيق انتصار عسكري على إسرائيل ثم وقّع اتفاقية سلام معها استرد بها كامل الأراضي المصرية.
وبدت المبالغة كبيرة هذا العام في الطريقة التي اتبعتها أجهزة الدولة المصرية التي أرادت التأكيد على أن الجيش المصري لا ينسى مهمته الرئيسية على الجبهة، ومهما زاد انخراطه في الأمور المدنية حاليا سوف يظل وفيا لدوره العسكري.
وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، الخميس، أن حرب أكتوبر ستظل نقطة تحول في تاريخ مصر المعاصر، استردت فيها القوات المسلحة شرف الوطن وكبرياءه ومحت وصمة الاحتلال عن أراضيه.
وتوجه السيسى عبر حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في ذكري أكتوبر 1973 بخطاب مكتوب حوى تحية إلى الشعب والقوات المسلحة والشهداء.
وقرأت وسائل الإعلام الرسالة السياسية الرسمية عندما كرم الرئيس السيسي عددا من كبار قادة القوات المسلحة المصرية من الأحياء والأموات، وتجاهل آخرين من بينهم الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي كان وقت الحرب قائدا لسلاح الطيران المصري.
التجاهل هدف إلى نزع غطاء عسكري يصب في صالح جمال ابن الرئيس الأسبق حسني مبارك الطموح سياسيا
وحمل تجاهل اسم مبارك من التكريم والاهتمام إشارات مباشرة بالانحياز إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 التي أدت تبعاتها إلى سقوط نظام مبارك وتغيير وجه الحياة السياسية في مصر إلى الصورة التي عليها الآن.
وأوقف تجاهل مبارك الحرب الكلامية بين مؤيدي السيسي الذين رأوا أنه لا ثورة سوى ثورة الثلاثين من يونيو 2013 التي قادته إلى السلطة، حيث ينظر هؤلاء إلى ثورة يناير على أنها مؤامرة كاملة على الدولة حصدت مكاسبها جماعة الإخوان.
ويعبر الاهتمام المبالغ فيه بالسادات عن حالة سياسية يعيشها النظام المصري الذي يريد الإيحاء بأنه لا يتجاهل القوة وقت الحرب مع إسرائيل ويقف مؤيدا للسلام معها والحرص على التمسك به إلى أبعد مدى، كما يسعى لتجميع صف الشعب المصري في مناسبة وطنية محل إجماع وتبديد معاناته مع أزمة اقتصادية يحملها للنظام الحاكم.
وبينما يشي التجاهل المبالغ فيه لمبارك بطبيعة النظرة السياسية للنظام الحالي له، وهي نظرة لا علاقة لها بالتاريخ أو تقاليد الجيش المصري العريقة، فالمطلوب أن يبدو الرئيس السيسي محتفظا بمسافة بعيدة عنه كي يتجنب غضب من ثاروا على نظام مبارك ولا يتحمل أوزار حكمه من خلال أيّ إشارة تمجد مسيرته العسكرية.
وهدف التجاهل إلى نزع غطاء عسكري مقدس يصب في صالح جمال ابن الرئيس الأسبق حسني مبارك الطموح سياسيا، والذي يظهر ويختفي على المسرحين الافتراضي والاجتماعي في مصر، لجس النبض حول شعبيته وما إذا كانت أمامه فرصة للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة مستفيدا من النتائج السلبية للأزمات الاقتصادية وما أدت إليه من غضب شريحة كبيرة من المواطنين على نظام السيسي.
ولم تكن الأعوام الماضية التي احتفل فيها نظام السيسي بحرب أكتوبر تحتفي بمبارك، فقد بدأ التجاهل له مبكرا، لكن لم يكن محكما بمثل ما هو عليه هذا العام، حيث كانت هناك إشارات مختلفة لدوره في قيادة سلاح الطيران من قبل، وحتى هذه حُرم منها الآن.
خيار الحرب كان ضرورة
والحاصل أن التجاهل في التعامل مع مبارك لم يتغير، والتغير الظاهر يتعلق بزيادة حدة الحصار الإعلامي عليه، وليس بالضرورة أن تكون هناك تعليمات رسمية صدرت لوسائل الإعلام، فقد يكون القائمون عليها قرأوا المشهد وبالغوا في التجاهل.
ولاحظ المتابعون المبالغة في الاحتفاء بالسادات والتعمد فيها، لأن الرئيس السيسي الذي اعتبرته بعض التقديرات “خليفة” للرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتوجهاته القومية عندما تولى الحكم قبل ثمانية أعوام، وجد أن العزف على هذه النغمة يتسبب لنظامه في متاعب داخل مصر وخارجها، ومن الضروري اللجوء إلى بديل آخر على العكس من عبدالناصر ويبدو مريحا لقوى إقليمية ودولية ولا يخشى من التعامل معه.
وجاء تعظيم دور السادات، والذي لا يزال الانقسام عليه وحوله مصريا وعربيا مستمرا، كمحاولة لإحداث توازن في توجهات السيسي نفسه ليظهر أنه صاحب تفكير عملي ولا يميل إلى الطموحات الكبيرة في التأثيرات الإقليمية التي طغت على حكم عبدالناصر، بينما حصر السادات اهتمامه في الإنزواء على بلده مصر.
ويقول مراقبون إن هذا التفسير هو جوهر ما أراد نظام السيسي الترويج له ليؤكد للشعب المصري أن كل ما يعنيه مصلحة بلده ولا يقوم بمغامرات، ويعزز قناعات إقليمية ودولية به كرجل سلام يبتعد عن الصدامات العسكرية أو التمدد خارج بلاده.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن الميل نحو السلام لا يعني تخليه عن خيار الحرب عندما تكون هناك ضرورة لذلك لخدمة السياسة والحفاظ على الأمن القومي المصري بصورة رئيسية، وهي رسالة تطمين للغرب اتخذت من نموذج السادات رأس حربة أو وسيلة لتوصيلها إلى كل من يهمهم الأمر.