الأدميرال مارسيتيو
القائد السابق للقوات البحرية الإندونيسية والأستاذ بجامعة الدفاع
لا يمكن التقليل من شأن تحرك الصين العدواني، بداعي الدفاع عن مطالبات بكين في بحر ناتونا الإندونيسي؛ من خلال بناء القوة العسكرية ودعمها بالقوة الاقتصادية عبر برنامج تمويل مبادرة الحزام والطريق.
في الأسابيع القليلة الماضية، أفيد بأنّ سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني دخلت مرة أخرى المنطقة الاقتصادية الخالصة الإندونيسية، في شمال بحر ناتونا الإندونيسي، وأدّت إلى إزعاج صيادي ناتونا التقليديين العاملين هناك.
قامت السفن الصينية بأعمال عدائية، بقطع أقواس قوارب الصيد ومن ثمّ طردها، وهو عمل خطير وعدائي (كومباس، 14/9/2022).
الإجراءات التي تقوم بها سفن خفر السواحل الصينية مستمرة منذ فترة طويلة، حتى أنّها رافقت قوارب الصيد الخاصة بأعداد كبيرة؛ نتيجة لذلك، فإنّ هناك احتكاكاً واستفزازاً يجريان في المجال الإقليمي.
قامت فرقاطة بحرية إندونيسية في العام 2016 بالقبض على قارب صيد، ممّا أدّى إلى تصاعد التوتر، ولم ترسل الصين سفن الصيد وسفن خفر السواحل فحسب، بل أرسلت أيضاً سفناً بحثية وسفناً حربية. من المعروف أنّ المدمرة Kunning-172 كانت في بحر ناتونا الشمالي في 13 أيلول (سبتمبر) 2021، وأبحرت سفينة الأبحاث Haiyang Dizhi-10 ذهاباً وإياباً، خلال الفترة من آب (أغسطس) إلى تشرين الأول (أكتوبر) 2021.
إنّ تحرك الصين لإرسال سفن صيد، أو سفن خفر السواحل، أو سفن أبحاث، أو سفن حربية إلى المنطقة الاقتصادية الخاصة الإندونيسية، هو تأكيد على موقف الصين في الدفاع عن مطالبتها ذات الخطوط الـ 9.
تطالب الصين من جانب واحد بما يقرب من 80% من مياه بحر ناتونا الإندونيسي، بناءً على مناطق الصيد التقليدية، وتتقاطع الخطوط الـ9 المنقطة مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لإندونيسيا في بحر ناتونا الشمالي، وهو حق سيادي لإندونيسيا، على أساس اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) للعام 198، التي صادقت عليها إندونيسيا والصين.
عدم الاعتراف
لم تعترف إندونيسيا أبداً بخط الفواصل الـ9، ولم تكن أبداً على استعداد للتفاوض مع الصين، ومع ذلك، ما تزال الصين تصر على الدفاع عن أطماعها، من خلال الاستمرار في جلب سفن الصيد في بحر ناتونا الشمالي، مع مرافقة سفن خفر السواحل لها.
يُعرف نشر سفن الصيد مع سفن خفر السواحل بمفهوم عملية المنطقة الرمادية، وهي عملية في وقت السلم، بنهج قسري أدنى من عتبة العمليات العسكرية المحدودة.
في عملية المنطقة الرمادية، لم يتم تضمين السفن الحربية، ولكنّها موجودة في القاعدة البحرية؛ ليتم نقلها إذا لزم الأمر. إنّ عملية المنطقة الرمادية هي في الواقع عملية طمس للخط الفاصل بين الأعمال العسكرية وغير العسكرية؛ للدفاع عن القرار السياسي للدولة.
لتأكيد مطالباتها في بحر الصين الجنوبي، أصدرت الصين أيضاً قانوناً لخفر السواحل في شباط (فبراير) 2021؛ للسماح لخفر السواحل الصيني باتخاذ إجراءات قسريّة عند الضرورة.
ويشمل ذلك تدمير مباني دول أخرى على جزر تطالب بها الصين، قد يعلن خفر السواحل الصيني أيضاً مناطق تنبيه بحرية غير عادية، ويقيد أو يمنع السفن الأجنبية من دخول المنطقة.
إظهار القوة
تدّعي الصين أنّ بحر الصين الجنوبي يقع في نطاق سيادتها التي لا جدال فيها، على الجزر والمياه ذات الصلة، وقاع البحر وباطن أرضه.
تم تحديد المطالبة من خلال (9) خطوط منقطة، مع عدم وجود إحداثيات تحيط بمعظم بحر الصين الجنوبي، وعلى الرغم من احتجاجات فيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي دار السلام وتايوان، تواصل الصين الحفاظ على ادعاءاتها ووجودها هناك، بما في ذلك تجاهل قرار المحكمة الدولية بعدم الاعتراف بادعاءات الصين.
استعادت الصين أيضاً مجموعة من الجزر المرجانية في الصليب الناري؛ لتصبح قاعدة عسكرية مزودة بمدارج ومرافق إرساء وحاميات عسكرية. كما تمّت استعادة شعاب غافن المرجانية، التي تُعدّ أحد الموضوعات المتنازع عليها مع الفلبين وفيتنام وتايوان، وأصبح الوجود المادي لقوة الصين هناك من الناحية التكتيكية ثابتاً على نحو متزايد.
لا يمكن التقليل من شأن تحرك الصين العدواني، للدفاع عن مطامعها من خلال بناء قوتها العسكرية، ودعمها بقوتها الاقتصادية، من خلال برنامج تمويل مبادرة الحزام والطريق.
يمكن تفسير إظهار القوة من خلال سفن الصيد، وسفن خفر السواحل، وكذلك تعزيز المرافق العسكرية في بحر الصين الجنوبي، على أنّه موقف إجماعي للدفاع عن ادعاء مناطق الصيد التقليدية، من خلال تجاهل أحكام القانون الدولي.
في مواجهة مناورات الصين، من الضروري اتخاذ خطوات متسقة بالقدر نفسه، وهي الاستمرار في دفع سفنها من هناك. إندونيسيا ليست دولة مطالبات في نزاع بحر الصين الجنوبي، لكنّ خط الصين المكون من (9) شرطات يتقاطع مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لإندونيسيا في بحر ناتونا الشمالي، ويمكن أن “تنجرف” إندونيسيا حتماً إلى الصراع، بسبب تدفق المشاكل في بحر الصين الجنوبي.
يجب أن تكون سفن الدولة الإندونيسية موجودة باستمرار في شمال بحر ناتونا طوال العام؛ لضمان سيادة جمهورية إندونيسيا.
ومن المتوقع أن تتمكن إندونيسيا، بصفتها طرفاً لا يعترف بمطالبة الصين بخط الفواصل الـ9، من التعامل مع المشكلة بأناقة؛ مواصلة بذل الجهود الدبلوماسية، أثناء قيام السفن الحكومية بدوريات هناك.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أيضاً أن تكون حكومة جمهورية إندونيسيا قادرة على تقديم ونشر سفن صيد في شمال بحر ناتونا؛ كشكل من أشكال البيان بأنّ الحقوق السيادية لإندونيسيا في المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة لا ينبغي أن تنازعها فيها أيّ دولة أخرى.
نقلاً عن حفريات