كريتر نت – متابعات
الفرصة هي كل ما أرادته نادية نديم طوال حياتها؛ فرصة للتعلّم، فرصة لدراسة الطب، ثم فرصة للعب كرة القدم.
ولو بقيت نديم في بلدها أفغانستان لما حظيت بأي فرصة من هذه الفرص، لأن حركة طالبان كانت تحكم وطنها عندما هربت منه مع أمها وشقيقاتها الأربع.
وذكرت صحيفة لوس أنجلس تايمز أن أفراد الأسرة استخدموا جوازات سفر مزورة للهروب إلى باكستان، ومنها سافروا جوا إلى إيطاليا، ثم استقلوا عربة شحن قيل لهم إنها ستنقلهم إلى إنجلترا، ولكنها أخذتهم إلى الدنمارك لينتهي بهم الحال في مخيم للاجئين.
وتحولت رحلة السفر الطويلة والمتعرجة إلى أحد أفضل التطورات التي صادفتها نديم، لأنها -وقد بلغت من العمر 12 عاما حينذاك- اكتشفت لعبة كرة القدم في الدنمارك، وبدأت أيضا حياة جديدة هناك.
وتقول نديم “عندما كنت صغيرة في أفغانستان، لم أكن حقيقة جزءا من أي شيء”، وأصبحت الآن تتقدم فريقها “راسينج لويزفيل” لكرة القدم النسائية في معدلات التهديف، حيث سجلت ستة أهداف في إحدى عشرة مباراة.
مجلة فوربس الأميركية تختار الأفغانية نادية كواحدة من أكثر 20 امرأة نفوذا في الألعاب الرياضية على مستوى العالم
وتتذكر نديم حياتها في أفغانستان، فتقول “لم يكن يسمح لي بلعب كرة القدم، أو أن أكون جزءا من النظام التعليمي، غير أنني أعتقد أنه عندما خرجت من هذه الدولة، بغض النظر عن المكان الذي كنت سأذهب إليه سواء كان الدنمارك أو إنجلترا أو الولايات المتحدة، أصبحت قادرة على الوصول إلى المكانة التي أصبو إليها، حيث كانت الفرص متاحة”.
وإتاحة الفرص سمحت لنديم بأن تصبح سادسة الهدافات في تاريخ المنتخب الوطني النسائي الدنماركي لكرة القدم، كما مكنتها من الحصول على شهادة في الطب، وتعلم ثماني لغات. وفي عام 2018 أسفر اقتراع أجرته مجلة فوربس الأميركية المتخصصة في مجال الأعمال عن اختيارها كواحدة من أكثر 20 امرأة نفوذا في الألعاب الرياضية على مستوى العالم.
ولو بقيت نديم في أفغانستان لما حققت أيا من هذه النجاحات، وهذا هو سبب الحزن والرعب اللذين اتسم بهما رد فعلها على عودة طالبان إلى الحكم في العام الماضي.
ووصفت نديم هذه العودة إلى السلطة بأنها “مدمرة”، وقالت “كنت أعتقد أننا نسير في أفغانستان على الطريق الصحيح للتقدم، وتحقيق مستقبل أفضل للبنات، ونحن أعدنا تسليم المفتاح لمجموعة من الأغبياء، لديهم عقلية لا تنتمي إلى هذا القرن”.
وأشار تقرير أعدته الأمم المتحدة إلى تنامي انتهاكات حقوق المرأة في أفغانستان، منذ رحيل القوات الأميركية عن هذا البلد واستعادة المتشددين السيطرة عليه. وأوضح التقرير أنه منذ 13 شهرا، أي قبل تولي طالبان الحكم، التحقت 3.5 مليون امرأة وفتاة بالمدارس، وكانت نسبة النساء من قوة العمل 21 في المئة، كما كان أكثر من ربع نواب البرلمان الأفغاني من النساء.
ولكن تم إقصاء المرأة بشكل منتظم من الحياة العامة تحت حكم طالبان، ولا توجد ولو امرأة واحدة حاليا في مجلس الوزراء الأفغاني الجديد، كما تم حظر ذهاب الفتيات إلى المدارس بعد انتهاء الصف الدراسي السادس الابتدائي، وأيضا منع النساء من العمل خارج المنزل، باستثناء بعض الوظائف الضرورية.
وتقول نديم إن هذا الوضع “مؤلم للغاية، ويصعب فهم كم هو غير عادل”. وعاشت نديم، التي تبلغ من العمر حاليا 34 عاما، خارج أفغانستان ضعف المدة التي عاشتها في بلدها. ولئن فرضت طالبان شكلا صارما من كراهية النساء، فإن أسرة نديم تقدم دليلا على أن أي امرأة يمكن أن تحقق نجاحات رائعة إذا أتيحت لها الفرصة.
وقد وظفت حميدة، والدة نديم، شجاعتها وذكاءها في عملية تهريب بناتها من أفغانستان، بعد أن قتلت طالبان زوجها الجنرال في الجيش الأفغاني. أما ديانا، الأخت الصغرى لنديم، فقد فازت ببطولة الملاكمة النسائية على مستوى الدنمارك سبع مرات، بينما أصبحت خالتها أريانا سيد من بين أشهر المطربين الأفغان في العالم، وهو ما لم تكن الخالة تستطيع تحقيقه في حالة عدم هروبها من أفغانستان في الصيف الماضي، حيث قامت حركة طالبان في وقت لاحق بحظر معظم أشكال الموسيقى.
ومنحت كرة القدم -وهي أكثر الرياضات شعبية على مستوى العالم- نديم منصة تطل منها لتصبح معروفة، كما أن تحدثها بعدة لغات مكّنها من التعبير عما يواجهه بلدها من مظالم وانتهاكات، مما جعل منظمة اليونسكو عام 2019 تطلق عليها لقب “البطلة العالمية لتوعية النساء والفتيات”.
وعندما يحين وقت اعتزال كرة القدم، وهو وقت لا يزال في عداد المستقبل البعيد حسب قولها، سوف تمنحها مهارتها كطبيبة القدرة على تحقيق تغيير أكثر استدامة في حياة الناس، وهو أمر تقول إنها ستقوم به في إطار منظمة أطباء بلا حدود الخيرية.