كتبه : محمد محسن عسكر
يحتفي شعبنا هذا العام بذكرى التاسعة والخمسون لثورة الرابع عشر من اكتوبر المجيدة، هذه الثورة التي أسست للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجنوب اليمني منذ 67 وحتى 1990 وامتدت آثارها لليمن الموحد حتى اليوم.
بالرغم من استمرار الاستعمار البريطاني بشكل مباشر لعدن وبشكل غير مباشر للمناطق الجنوبية الأخرى لقرابة ال 13 عقداً من الزمان، الا أن مآله كمآل كافة أشكال الاستعمار الأخرى هو الزوال، فالشعوب وان تم التحكم بارادتها من من طرف خارجي ردحاً من الزمان،، مهما طالت، ومهما استكانت الجماهير، فسرعان ما تعود مرة أخرى لإستعادة حقها الأصيل في تحرير اراداتها وقرارها وتقرير مصيرها.
وقد جاءت ثورة أكتوبر ضمن سياق حضاري و إنساني عالمي لتصفية الاستعمار منذ بعد الحرب العالمية الثانية وخروج الاستعمار البريطاني من الهند 1948 ونهاية بريطانيا العظمى كدولة الاستعمارية بعد العدوان الثلاثى على مصر 1956وظهور حركات التحرر في العالم العربي والإسلامي وأفريقيا والعالم الثالث بشكل عام، بلغ أوجها في عقدي الخمسينات والستينات، ولا ننسى انه حوالي عشر سنوات على صورة اكتوبر قامت ثورة يوليو 1952 في مصر وأسقطت النظام الملكي، وقبل عامين فقط منها انطلقت شرارة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة في شمال اليمن آنذاك، وأسقطت نظام الإمامة، وهكذا في مناطق كثيرة وجاء تحرك الأمم المتحدة في قرارها الشهير لتصفية الاستعمار رقم 1514(الدورة 15) 1960م، والذي أسهم في بلورة راي عام دولي ضد الاستعمار واعلان استقلال عدد كبير من البلدان، في هذا السياق الاقليمي والدولي اندلعت ثورة ال١٤ من اكتوبر وحققت انتصار تاريخي على المستعمر في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م.
هنا ردفان
نعود الى خصوصية ثورة ١٤ اكتوبر التي انطلقت من جبال ردفان المنيعة، واستشهاد الثائر البطل الشيخ راجح غالب لبوزة، في ١٣ اكتوبر ١٩٦٣ في مواجهة مع قوة بريطانية، مما دعى الجبهة القومية لإعلان اليوم التالي ثورة في كل مناطق الجنوب المحتل، ضد القوى المستعمرة ومن يواليها، وقدم الثوار رغم شحة امكانياتهم ، صفحات من البطولة والفداء، في مواجهة آلة المستعمر البريطاني، باتت مفخرة للأجيال.
حركات التحرر (قومية وتحرير واحزاب اخرى)
قبل ذلك التاريخ ظهرت انتفاضات مختلفة منذ بداية الخمسينات، في الضالع والعوالق وحضرموت ودثينة وغيرها، يرأسها زعامات محلية، لهذا لم يكتب لها الانتشار الكبير،ثم منذ اندلاع ثورة ٢٦ سبتمبر في صنعاء، وما تلاها من دعم ناصري مصري عسكري وسياسي لها، تم محاولة تنظيم ودعم العمل الثوري في جنوب اليمن، وتم تشكيل جبهة التحرير التي كان لها دور تحرري كبير في مناطق كثيرة، وسبق ذلك حزب الرابط وعدد من الفعاليات الطلابية والعمالية في عدن، وظهر تنافس ثوري ضمن واحدية الهدف واختلاف الوسائل والداعمين، وبقيت الجبهة القومية بالرغم من ولائها التنظيمي للفكر والتنظيم لحركة القوميين العرب التي ظهرت في الشام، ظلت الجبهة القومية تمارس الثورة بأدوات وامكانات محلية، بعد ان توقف الدعم الناصري لها، واستطاعت ان تصمد وتقف على قدميها الحافيتين، على طين وتراب الوطن، وتتطلع لتغيير واقعها الاجتماعي والسياسي بأي ثمن.
هل حققت ثورة ١٤ أكتوبر أهدافها؟
على الرغم ان أهداف اكتوبر الستة ، كانت أهداف كبرى في ضوء الاماكانات المادية والبشرية حينذاك، وبالرغم من الجهود الجبارة على الصعيد السياسي والعسكري والاجتماعي، الا ان ثورة اكتوبر -في تقديري- نجحت بصورة مثلى في تحقيق هدفين أساسيين :
-وحدة الجغرافيا الجنوبية بشكل واضح من خلال إعادة توحيد الكيانات والسلطنات والمشيخات في دولة واحدة على طريق الوحدة اليمنية والعربية، كما نصت تلك الاهداف.
– بناء الإنسان من خلال توفير فرص التعليم والعمل لكل المواطنين دون استثناء، وهذا مالاينكره عاقل، حيث توسع التعليم بشكلٍ رأسي وافقي لكل الطبقات ولكل الناس، حتى تم الاعلان من اليونيسف عام ١٩٨٥ ان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحتل المرتبة الاولى في دول شبه الجزيرة العربية من حيث التعليم وان نسبة الامية تساوي 2% من عدد السكان.
فوحدة الجغرافيا وبناء الانسان، اهم هدفين تحقا لثورة اكتوبر في تقديري.
ماذا بقي من الثورة ومن أكتوبر
اذا كانت الصراعات الداخلية التي تلت مرحلة الاستقلال، قد أنهكت مشروع الدولة جنوبا، فان حرب ٩٤ واجتياح الجنوب قضى على مشروع الوحدة السلمية، وجاءت حرب ٢٠١٥ الحوثية بعد انقلاب ٢١ سبتمبر واحتلاله مؤسسات الدولة في صنعاء، وتمدده جنوبا، لتقضي على مابقي من نسيج اجتماعي ومؤسسات دولة اليمن الواحد، وبتنا نعيش في اطار سلطتين سياسيتين، انقلابيه في صنعاء، وفي عدن حيث عاصمة الحكومة الشرعية،
في المحصلة تعرضت سواء اهداف اكتوبر اوسبتمبر لانتكاسة كبرى طوال سنوات الحرب الثمان الحالية ، لكن بقيت روح سبتمبر الجمهورية وروح اكتوبر التحررية، تبحث لها عن مؤسسات وقيادات ورموز وطنية تجسدها، وتحقق مقاصدها.
ثقب الأزمات الأسود
تعاني يمن اليوم من أزمات مركبة، فهناك أزمة الدولة وأزمة الوحدة، وما تفرع عنها من ازمات الشرعية والسيادة وأزمات انسانية تحاصر حياة الموطن من كافة الاتجاهات، سواء في امنه واستقراره ومشكلات الغذاء وتضخم الاسعار لقضايا المرتبات وخدمات الكهرباء والمياة، الى قضايا المرضى والجرحى، وحتى ظاهرة التجهيل وضعف التعليم بصورة غير مسبوقة، أزمات وظلمات بعضها فوق بعض تجعل المواطن يعيش في ثقب أسود، لايرى فيهاة بصيص أمل ولا أمتا.
الدولة الاتحادية والخروج من ثقب الأزمات
في تقديري انه لا يمكن الخروج من ثقب الأزمات المتراكمة على كاهل المواطن الا بالانحياز والانتصار لمشروع الدولة بشكلها الاتحادي باعتبارها مظلة لكل اليمنيين شمالا وجنوبا، يمكن من خلالها بناء مشروع وطني لمواجهة الانقلاب وتبعاته وتفكيك باقي الأزمات التي يتعرض لها المواطن،حيث يسمح لليمنيين بان يحققوا تطلعاتهم السياسية المشروعة، بصورة سياسية وديموقراطية حضارية، استناداً الى مؤسسات دولة، تحمي وتحترم ةحقوق الانسان.
ثلاثية الانتصار على الانقلاب وتحقيق السلام
ويبقى كل ذلك مرهونا بانهاء الانقلاب الحوثي المدعوم ايرانيا، والحفاظ على النظام الجمهوري في صنعاء، واستعادة المناطق التي حولها، لحضن الدولة، فمن الصعب الحديث عن وحدة في عدن الجمهورية مع ظهور الامامة في صنعاء، فاسقاط الانقلاب شرط موضوعي لبقاء دولة الوحدة قائمة، وفي تقديري ان تحقيق ذلك ممكن بثلاثة امور:
– قيادة المجلس الرئاسي لاصلاحات حكومية واسعة وجوهرية، لضبط الاداء العسكري والاداري والاقتصادي والسياسي للدولة.
– شراكة نوعية ودعم ذكي من دول التحالف بقيادة الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات لمواجهة المشروع الإيراني وإنهائه في اليمن .
– التفاف سياسي وشعبي من كل القوى و التيارات والاحزاب اليمنية وفق رؤية وطنية جامعة لتجاوز الحاضر وبناء المستقبل .
خاتمة
وهكذا تبقى ثورة ال ١٤من اكتوبر ملهمة للأجيال في مضامينها وقيمها وأهدافها، تبقى تلك الصورة رسالة إنسانية يستلهمها الأبناء من الأباء، فحواها فضيلة الانتصار للإنسان في مواجهة الطغيان، ومن دروسها الخالدة أن الشعوب ببذلها إذا أرادت يوماً الحياة، فلابد أن يستجيب القدر لمرادها وتطلعاتها المشروعة.
وكل عام وانتم بخير