ماهر فرغلي
كاتب مصري
خرج عشرات الآلاف في جنازة شيخ السلفية التعبدية أسامة عبد العظيم، حيث شيعوه إلى مسقط رأسه بضواحي القاهرة الأسبوع الماضي، وكان ذلك كاشفاً عن تلك القلاع السلفية الموجودة في مصر، التي تستغل حالة عدم الصدامية مع الدولة، لتتوغل وتنتشر خاصة في الضواحي والقرى والمراكز البعيدة على أنقاض جماعة الإخوان.
قلعة أسامة عبد العظيم التعبدية
يعتبر أسامة عبد العظيم أحد أكبر وأهم شيوخ السلفية في مصر، وهو صاحب مدرسة سلفية خاصة، تبتعد عن العمل السياسي، وكانت ترى في 25 يناير مؤامرة كبرى، وهي أقرب إلى السلفية المدخلية في أصولها الفكرية والحركية، رغم أنه لم يمنع تلاميذه من التصويت في الانتخابات التي جاءت بالإخوان للحكم في مصر.
أسامة عبد العظيم كان حتى وفاته يؤم المصلين في قلعته الموجودة بـ(مسجد عباد الرحمن) الموجود إلى جوار ضريح الإمام الشافعي بحي الخليفة، وهو مسجد يحاكي في حلته المعمارية باقي المساجد، وهو 7 أدوار، إلا أنه من الداخل يفترش رواده جلود الأغنام كنوع من التقشف والزهد والتقرب لحالة البساطة التي كانت عليها مساجد المسلمين الأوائل.
وكان عبد العظيم في هذه القلعة يحرّم اقتناء التلفزيون والأجهزة الحديثة كالكمبيوتر، وينصح تلامذته ومريديه بذلك، إلا أنه لا يلزمهم بتركها، كما كان له طقوس خاصة في الفتوى، فإن أردت أن تأخذ منه فتوى فعليك أولاً أن تمكث معه في المسجد يوماً كاملاً، وإن أردت ذلك في شهر رمضان، فعليك أن تصلي خلفه القيام والتهجّد من المغرب حتى مطلع الفجر، فهو وتلامذته كانوا يمكثون في المسجد طوال الشهر، وإن أردت أن توصف بتلميذه فالزم الجلباب وطول اللحية، وإن أردت أن تزداد قرباً منه فخذ معك إلى المسجد التلفاز والحاسب لتضمن ألا يشاهد أهلك “ما يغضب الله” في غيابك.
في شهر رمضان كان الشيخ يصلي المغرب ويطيل السجود والركوع لتنتهي قبل صلاة العشاء، وهي التي يبدأها الشيخ في الحادية عشر مساء بعد أن يكون تناول الإفطار هو وتلامذته، ثم صلّى صلوات نوافل وسنناً، لتستمر هي والتراويح حتى وقت السحور، ثم الفجر حتى الضحى.
وقد كان لبعض السلفيات الأخرى معارك مع أسامة عبد العظيم حول منهجه وطريقته وتخليه عن الحركية والسياسة وبعض الأمور العقدية الأخرى، وهي تضج بها مواقع التواصل الاجتماعي.
قلعة رسلان الإذعانية الأكبر والأضخم
ينافس قلعة أسامة عبد العظيم التواجد الضخم الذي يحيط بالشيخ سعيد رسلان بقرية سبك الأحد مركز أشمون، بمحافظة المنوفية مصر، فوحدها تجاوزت العشرات من الآلاف حيث يأتيه زوار من كل الدول، ولديه معاهد سلفية تابعة تعطي الإجازات في مصطلح الحديث، وبيوت استقبال للطلاب، ومؤتمرات حاشدة، ومدارس للأطفال، ومستوصفات طبية.
من هذه القلعة شن الشيخ السلفي المدخلي رسلان حرباً خطابية على الجميع، وهنا خشيت وزارة الأوقاف المصرية من هذا المد السلفي المدخلي وفي فجر الخميس 20 أيلول (سبتمبر) 2018 أوقفت محمد سعيد رسلان شيخ السلفية المدخلية بمصر عن الخطابة، وتم إلغاء تصريحه، وذكرت الوزارة في بيانها على الموقع الرسمي أنّ القرار اتخذ لمخالفته التعليمات المتصلة بشأن خطبة الجمعة، مكلفة الشيخ أحمد عبد المؤمن بأداء خطبة الجمعة بالمسجد مع تعيين إمامين متميزين، مؤكدة أنه لا أحد فوق القانون وفوق المحاسبة.
انصاع الشيخ رسلان لقرار الدولة المصرية، وأصدر بياناً طالب فيه أتباعه بالصبر والتوقف عن الحملة المضادة للدولة قائلاً: إن ولاة الأمر مسؤولون عن مصالح البلاد والعباد أمام الله ثم أمام الناس والتاريخ، وهم أدرى بمصلحة البلاد مِنَّا، وأبصرُ بها عيناً، فلا نَفْتَاتُ عليهم، ونسمع ونطيع لهم ما لم يأمروا بمعصية، ولا يجوز أن يتناول أحدٌ وزيرَ الأوقاف بكلمة خشنة، فضلاً عن الكلمة النابية.
بعد عدة أسابيع عاد رسلان للخطابة، واستمر حتى اليوم، واستمرت قلعته السلفية في أداء دورها في نشر التيار المدخلي داخل مصر.
في المقابل لا يقل مركز جماعة التبليغ والدعوة عن مركز الشيخ رسلان، وهو موجود في قرية «طموة»، التي تعتبر المركز الرئيسي للجماعة ويبعد عن القاهرة ما يقارب من 30 كيلومتراً.
ورغم أن وزارة الأوقاف المصرية سيطرت على هذا المسجد إلا أنّ أتباع الجماعة لا يزالون يرتادون هذه القلعة ليتم توزيعهم في مجموعات على باقي المحافظات ليقوموا بما يعتبرونه واجب الخروج والدعوة.
وفي المقابل أيضاً توجد في منطقة عين شمس بالقاهرة أهم القلاع السلفية على الإطلاق، التي يرتادها الآلاف، وكان إمامها إلى فترة قريبة الشيخ السلفي، أسامة القوصي، قبل أن يتركها ويعود إلى اللُحمة الوطنية.
في تلك المنطقة الشعبوية المتكدسة بالسكان، كانت تسمح وزارة الأوقاف المصرية للقوصي باعتلاء منبر مسجد الهَدي المحمدي بمساكن عين شمس، رغم أنه حاصل على كلية الطب، وله تاريخ طويل، بدءاً من صحبته لمقبل بن هادي الوادعي، شيخ السلفيين باليمن، وحتى فراره إلى لندن، قبل أن يترك تلك القلعة.
تحولت هذه المنطقة سوقاً للسلفيين، وأصبحت مكتبة المسجد، التي اختيرت كتبها بعناية فائقة، وتقع في دور علوي، به مجموعة من الموظفين ينظمون شئونها، والتبرعات المالية العينية، التي تأتي إليها، مراداً لكل دارسي السلفية.
عشرات القلاع للدعوة السلفية
أما الدعوة السلفية فلديها قلاع كبيرة يرتادها أتباعها وأهمها في مسجد الفتح بمنطقة مصطفى كامل بمحافظة الإسكندرية، والبخاري بمنطقة جليم، ومسجد عمار بن ياسر بالساعة، وكذا مسجد الحي القيوم بالعامرية، النور بالعامرية، مسجد الرحيق المختوم بالعصافرة، مسجد عباد الرحمن بعزبة البحر بالعوايد، ومسجد الخلفاء الراشدين بمنطقة أبو سليمان، الذي يخطب فيه ياسر برهامي.
ولدى الدعوة السلفية معهد الفرقان، الذي يوجد له أكثر من فرع بطنطا والإسكندرية وغيرها، وهو يؤهل للحصول على ليسانس – دبلوما – ماجيستير – دكتوراة من الجامعة الإسلامية العالمية بصادق أباد – باكستان بدون سفر، وبث مباشر للمحاضرات على موقعه الإلكتروني، ويسمح للسيدات بالدراسة لمدة يومين أسبوعياً.
وكذا هناك أكاديميات سلفية تابعة لبعض المدارس السلفية مثل أكاديمية بيان، و”أكاديمية تبصرة للعلوم الإسلامية”، و”معهد الجهني للعلوم الشرعية”، و”معهد بناء للدراسات الشرعية”، و”المعهد الفقهي”، و”أكاديمية بداية للعلوم الشرعية”، يضاف إلى ذلك “الأكاديمية الإسلامية العلمية” ويشرف عليها أسامة زيدان، وشوقي عبد الصادق، ومحمد جودة، ومحمد فرحات، وكذلك “أكاديمية برنامج التأسيس العلمي”، ويشرف عليها محمد صلاح الأتربي، وماجد شاهين، ومحمد رياض، ومحمد شاكر، وأحمد زايد الأزهري، وأحمد يحيى شريف، و”أكاديمية الأرقم التخصصية” التي يشرف عليها مصطفى سعد مصطفى.
استمرت التنوعات السلفية والتشكيلات المتوافقة في أحيان والمتنافرة في أحيان أخرى على التواجد بنفس الإستراتيجية الممثلة في الاستفادة من الحضور السياسي المسموح به بأقصى درجة ممكنة، بما يعني بذل الجهد من أجل تحجيم الأطماع العلمانية والقبطية وتحجيم دورهما، ومحاولة تعويض غياب باقي التيار الإسلامي، وصناعة قلاع سلفية يظهر وجودها الكبير في مناسبات متقطعة مثل جنازة الشيخ السلفي أسامة عبد العظيم.
المصدر حفريات