حنان جابلي
صحفية تونسية
أصرت حركة النهضة الإخوانية بتونس على ارتكاب الأخطاء منذ عودتها إلى البلد عقب ثورة 2011، أي بعد عودة نشاطها من السرّية إلى العلن، ولم تستطع بناء علاقة صحية مع شعبها، خصوصاً بعد أن فشلت في أخونة المجتمع، وفي كسب ثقته، وخاصّةً في حكم البلاد؛ فقد أخفقت مراراً في الحفاظ على حكوماتها، التي سقطت واحدة تلو الأخرى، إمّا بمطالب شعبية، وإمّا لاختلافات سياسية.
الحركة التي تعاملت مع الحكم بالمفهوم الغنائمي ورسكلة المنظومة السابقة، خدمةً لمشروع حلفائها الإقليميين في المنطقة، دخلت في تحالفات وكوّنت جبهات غير متناغمة مع توجهاتها، فقط من أجل الاستمرار في الحكم، وتحقيق أهداف داعميها السياسيين، قبل أن تخرج منه مثقلة بالخطايا.
وكان إصرار راشد الغنوشي على رئاسة الحركة، منذ تأسيسها عام 1972 تحت اسم الجماعة الإسلامية حتى الآن، من أكبر الأخطاء التي عجّلت بسقوطها من الداخل.
عنف وإرهاب وفقر وبطالة
وعلى امتداد عقد من الزمن لم تنجح الحركة سوى في إشعال الحرائق السياسية وافتعال الأزمات الداخلية، ونشر الإرهاب، ورفع معدلات البطالة والفقر، من أجل صرف أنظار الشعب التونسي عن الفشل الحكومي الذي رافق حكمها، وانتهى بإفلاس البلاد اقتصادياً، وتدهور الأوضاع الاجتماعية، فضلاً عن دخولها أزمة سياسية غير مسبوقة في تاريخها، باحتدام التأزم بينها وبين الرئيس قيس سعيّد منذ 25 تموز (يوليو).
حركة النهضة منذ وصولها إلى السلطة تبنّت خطاباً عنيفاً وغير متزن، يقوم على التكفير وتقسيم التونسيين ووسم خصومها بأبشع النعوت، وقد استعملت في ذلك آلاف الصفحات على فيسبوك، وسعت قياداتها إلى تعيين المقرّبين منهم في كلّ المناصب وتوزيع الهبات والعطايا والرخص على حساب مئات الآلاف من المفقرين والمعطلين والفئات الهشة التي شاركت أغلبها في الثورة.
وكان القيادي السابق والمستقيل من حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي قد اعترف في وسائل إعلام محلية بمسؤوليته عن “عملية باب سويقة” التي ذهب ضحيتها مواطنان تونسيان توفّيا حرقاً، وجُرح آخرون.
وقال الجلاصي في تصريحاته: “كنت قياديّاً مؤثراً في حركة النهضة، وعندي مسؤولية سياسية وأخلاقية (عن العملية)، أعترف بذلك، وأعتذر للناس، وقيادة النهضة يجب أن تعترف بذلك، وأن تعتذر للمناضلين وعائلاتهم وللتونسيين”.
وقد اعترف منفّذ عملية باب سويقة العضو السابق في حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حالياً) كريم عبد السلام بأنّه كان وراء مقترح استهداف لجنة تنسيق التجمع الدستوري الديمقراطي بباب سويقة عام 1991، وأنّه خطط للعملية بمشاركة قياديين في الحركة الإسلامية، أمثال: منجي الرعاش، وعماد المغيربي، والهادي السعيدي، ومصطفى حسين.
وقد كانت قيادة الحركة، بحسب اعترافات عبد السلام، على علم بهذه العملية وغيرها من العمليات المسلّحة والعنيفة، على غرار افتكاك أسلحة لأمنيين والاعتداء على مواطنين بمادة ماء الفرق في كلّ من جندوبة والكرم.
ويرى مراقبون أنّ ما وصلت إليه الحركة من تأزم وتحفظات على أدائها، سواء من داخل صفوف قياداتها أو من خارجها، هو نتيجة حتمية لخياراتها طيلة الأعوام الماضية، فقد ارتكبت عدّة أخطاء استراتيجية.
وفي مقدمتها قرارات المؤتمر العاشر الذي أقر فصل الديني عن الدعوي، وأفقدها الكثير من قواعدها الشعبية، فضلاً عمّا جرى بالانتخابات الرئاسية الماضية، وسط اعتقاد بأنّ تياراً داخل “النهضة” تعمّد عدم دعم مرشح الحركة المفترض عبد الفتاح مورو لإقصائه وإبعاده عن المشهد السياسي، وهو ما أدخل ارتباكاً كبيراً على قواعدها وجسمها الانتخابي الذي تفرق إلى مناصرة شخصيات أخرى.
اعترافات بالخطايا
ومن بين أخطاء النهضة التي يراها صهر راشد الغنوشي أنّ حركة النهضة قد “أخطأت حينما لم تخرج من الحكم وتذهب إلى المعارضة مباشرة، بمجرد أن أصرّ قيس سعيد على تعيين رئيس حكومة تابع له خلافاً للدستور وللعرف السياسي الذي استقر بعد الثورة”.
وأضاف عبد السلام أنّ النهضة أخطأت أيضاً حينما راهنت على قيس سعيد بمجرد أن رفع شعارات الثورة وادّعى النزاهة والصدق، من غير أن تمحص في تاريخه المتقلب ومساره الغامض”.
وأكد في تدوينة نشرها على صفحته بالفيسبوك أمس الثلاثاء أنّه “لا حل إلّا بتدارك الأخطاء والتوبة الجماعية، وذلك بتوحيد الصف في الساحات وجمع الكلمة على مقاومة هذه الدكتاتورية الفاشلة والبليدة التي تريد أن تأتي على الأخضر واليابس وتدمر كل شيء”، بحسب تعبيره.
زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي نفسه أقرّ أيضاً بعد حوالي (3) أشهر من حلّ البرلمان، بأنّ حركته ارتكبت عدة أخطاء في إدارة الحكم في تونس خلال الأعوام الماضية، وأضاف في مقال بعنوان “كيف نُقوّم حدث 25 تموز (يوليو)، وكيف نتعامل معه؟” نشرته جريدة الرأي العام الأسبوعية التونسية، أنّ تلك الأخطاء تعلقت في الأساس بإدارة الحكم وهندسة التحالفات الحكومية والحزبية”.
وكانت حركة “النهضة” قد أكدت أيضاً في بيان سابق أنّها تتحمل المسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع، إلى جانب الأطراف الذين حكمت معهم، وذلك بحسب حجمها في المشاركة في الحكم وإدارة البلاد، وأكدت أنّها تتفهم غضب الشارع، ومستعدة للتقييم الجدّي والموضوعي وإجراء مراجعات عميقة خلال مؤتمرها القادم، بما يحقق التجديد في الرؤية والبرامج وفتح الآفاق أمام الشباب لتطوير الحركة.
القيادي المستقيل محمد بن سالم كان قد أكد أيضاً أنّه “بعد المساهمة في تعريض النظام الديمقراطي لخطر كبير، فمن المفترض على من أوصل البلاد إلى هذا الوضع، أن يتحمّل المسؤولية ويتراجع خطوة إلى الخلف، ويترك المجال لقيادة جديدة”، لافتاً إلى أنّه لا يتمنى “أن يخرج رئيس الحركة (راشد الغنوشي) من الباب الصغير…، وللأسف كانت أمامه فرص عدة، خصوصاً عندما فشلت المعارضة في سحب الثقة منه، ونُصح بتقديم استقالته من مجلس نواب الشعب؛ لأنّ دخوله إلى هناك كان خطأ، ولم تكن فيه مصلحة للحركة والبلاد، بل لخصوم الديمقراطية في تونس”.
وقال زيتون، الذي كان مستشاراً سياسياً للغنوشي ورفيق دربه على مدى عقود، وأحد المنظّرين لتحديث الحركة: إنّ “الحركة بلغت (50) عاماً من عمرها، وفقدت القدرة على التجديد الفكري والسياسي والهيكلي، ولم تستطع بناء علاقة صحية مع شعبها بفعل إصرارها على مقولات تجاوزها الزمن، وعلى سلوك انغلاقي تجاه مختلف مكونات الشعب”.
عقد من التحالفات والتفاهمات
حركة النهضة تبنّت استراتيجية دائمة من الحوار والتفاوض وعقد التحالفات السياسية مع الفرقاء السياسيين من أجل الخروج من الأزمات السياسية وضمان الانتقال الديمقراطي، غير أنّ جميع تحالفاتها انتهت بتشتت حلفائها، سواء كانوا من السياسيين المستقلين أو من الأحزاب، بدءاً بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يقوده الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وحزب التكتل من أجل العمل والحريات.
تحالفات “النهضة” امتدت إلى حزب نداء تونس، وهو من الأطراف التي كانت تلاحقها اتهامات بالفساد أو بالاستفادة من النظام السابق، كتحالفها سابقاً مع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، المحسوب على النظام القديم، وتحالفها الأخير مع نبيل القروي، المتهم بتبييض الأموال وقضايا فساد، قبل وضع حدّ لتمدّداته بقرارات 25 تموز (يوليو) 2021.
وكانت الحركة قد تعمدت دعم رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، في مواجهة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، واستطاعت إشعال نار الفتنة بين الرجلين، وهو ما تسبب في سقوط حزب النداء وانقسامه إلى عدة أحزاب، لتحمّلهم في النهاية مسؤولية الأزمة التي مرت بها البلاد في تلك الفترة، وهي السياسة المتبعة في كل مرة.
حركة النهضة، منذ 2011 سعت، بالتوازي، إلى إرضاء الخارج وتحقيق مآربه، وتخندقت في حلف قطر وتركيا وأمريكا، وفرضت على تونس التواجد في سياسة محاور إقليمية لا طاقة لها بمقاومتها، ودخلت في معارك مع دول شقيقة وصديقة، على غرار سوريا والجزائر.
المصدر حفريات