كريتر نت – متابعات
يحمل خطاب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وتصريحات وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان رسائل تضامن والتفاف داخل قمة هرم السلطة في السعودية، في مواجهة الحملة الأميركية بشأن قرار تحالف أوبك+ خفض إنتاج النفط، واتهام واشنطن الرياض بالوقوف خلف القرار الذي تزعم أنه يصب في مصلحة روسيا، مهددة بإعادة تقييم العلاقات بين البلدين.
ويرى مراقبون أن الهجمة الأميركية ضد السعودية اتخذت أبعادا عدة، من التهديد بمراجعة العلاقات إلى المعاقبة وتحريك ملف حقوق الإنسان، في إشارة واضحة إلى استهداف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ملف قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وفي خطابه السنوي لمجلس الشورى والذي نشرته وكالة الأنباء الحكومية مساء الأحد، أكّد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أنّ إستراتيجية المملكة في قطاع النفط العالمي تقوم على دعم “استقرار وتوازن” السوق، وسط اتهامات أميركية بالوقوف إلى جانب روسيا إثر قرار خفض الإنتاج.
وقال العاهل السعودي “تعمل بلادنا جاهدة ضمن إستراتيجيتها للطاقة، على دعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية، بوصف البترول عنصرا مهما في دعم نمو الاقتصاد العالمي”.
وأضاف “يتجلى ذلك في دورها المحوري في تأسيس واستمرار اتفاق مجموعة أوبك+، نتيجة مبادراتها لتسريع استقرار الأسواق واستدامة إمداداتها”.
وأشاد العاهل السعودي خلال خطابه في أكثر من مرة بمجهودات ولي العهد سواء على المستوى السياسات الداخلية أو الخارجية، في رسالة واضحة بأن هناك تضامنا واسعا وتأييدا للأمير محمد.
وقال الملك سلمان “كانت المملكة العربية السعودية ولا تزال وسيطة للسلام ومنارة للإنسانية للعالم قاطبة، لمكانتها الرفيعة بين الأمم ودورها المحوري في السياسة الدولية، وريادتها في دعم كل ما فيه خير للبشرية. وتبرز في هذا السياق جهود سمو ولي العهد في تبني المبادرات الإنسانية تجاه الأزمة الروسية – الأوكرانية، ونجاح وساطته بالإفراج عن أسرى من عدة جنسيات، ونقلهم من روسيا إلى المملكة وعودتهم إلى بلدانهم”.
وكانت مبادرة ولي العهد السعودي قد نجحت في الإفراج عن 10 أسرى من مواطني المغرب والولايات المتحدة وبريطانيا والسويد وكرواتيا.
وأعرب الأمير خالد بن سلمان الأحد عن استغرابه من اتهام المملكة بالوقوف مع روسيا في حربها مع أوكرانيا.
وأضاف الأمير خالد بن سلمان، عبر حسابه على تويتر، “الاتهامات الزائفة للسعودية بالوقوف مع روسيا لم تأت من أوكرانيا”.
جاء تصريح الوزير السعودي في تعليق على تغريدة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تحدّث فيها عن اتصاله بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ووجّه الشكر للمملكة على دعمها وحدة الأراضي الأوكرانية.
وأعلنت السعودية السبت عن تقديمها مساعدات إنسانية لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار، مبدية استعدادها لمواصلة جهود الوساطة للإفراج عن أسرى الحرب مع روسيا، وفق ما أوردت وكالة الأنباء السعودية، التي أضافت أن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان أجرى اتصالا هاتفيا بالرئيس فولوديمير زيلينسكي.
وفي سياق آخر يتعلق بقرار أوبك+ خفض إنتاج النفط قال الأمير خالد بن سلمان إن قرار “أوبك اتخذ بالإجماع ولدوافع اقتصادية بحتة”.
وكتب وزير الدفاع السعودي “على الرغم من أن قرار أوبك، الذي اتُّخذ بالإجماع، كان لدوافع اقتصادية بحتة، إلا أن البعض اتّهم المملكة بوقوفها بجانب روسيا! إيران كذلك عضو في أوبك، فهل يعني هذا أن المملكة وقفت بجانب إيران أيضا؟”.
ويرى مراقبون أن رد وزير الدفاع السعودي يهدف إلى تأكيد أن قرار أوبك+ ليس قرارا سياسيا منحازا إلى روسيا، بل هو قرار اقتصادي خالص، والدليل أن المملكة تنأى بنفسها عن موسكو بشكل كامل بإدانة ضمها لمقاطعات أوكرانية، كما أن إشارته إلى إيران دليل آخر لما تعرفه العلاقات بين البلدين من توتر في أكثر من ملف، حيث تبدي السعودية قلقها من نفوذ إيران الإقليمي وتتهمها بالتدخل في دول عربية مثل سوريا والعراق ولبنان، وتتوجس من برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن الرياض تعرف أن جزءا من تصعيد إدارة الرئيسي الأميركي جو بايدن يرتبط بسعيها لتحسين فرص الديمقراطيين في الانتخابات النصفية.
وتعرضت السعودية لانتقادات من واشنطن بعد أن وافقت منظمة أوبك، التي تقودها المملكة صحبة روسيا، على خفض كبير للإنتاج مع موسكو وحلفاء آخرين، ما قد يؤدي إلى ارتفاع في أسعار الطاقة.
واتهمت واشنطن أوبك+ بالانحياز إلى موسكو، وهدد بايدن بأن السعودية ستواجه “عواقب” بسبب هذا القرار، لكنه لم يقدم في مقابلة مع شبكة “سي.أن.أن” تفاصيل عن طريقة رد بلاده على قرار التحالف النفطي.
والأحد، كرّر مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك ساليفان عبر محطة “سي.أن.أن” أن بايدن “قال إنه سيعيد تقييم علاقاتنا مع السعودية، لأنها وقفت إلى جانب روسيا ضد مصالح الشعب الأميركي”.
وأضاف “بُنيت هذه العلاقات مدى عقود بدعم من الحزبين” الديمقراطي والجمهوري، و”لذلك لن يتحرك الرئيس بتسرّع”، لكنه أكد أن ليست لدى بايدن “أي نية للقاء ولي العهد في قمة مجموعة العشرين” الشهر المقبل في إندونيسيا.
وأوضح المستشار أن من بين الاحتمالات المطروحة في إطار إعادة تقييم العلاقات مع الرياض “تغييرات في مقاربتنا للمساعدات العسكرية للسعودية”.
وخلال الهجمة الأميركية على السعودية، أشارت إدارة بايدن إلى ملف حقوق الإنسان في استهداف صريح لولي العهد في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، والتي سبق أن استخدمها الرئيس الأميركي في حملته الانتخابية الرئاسية ضد منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، بتعهده بجعل السعودية دولة “منبوذة”.
وفي الحملة الإعلامية التي رافقت قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، روجت أوساط سياسية أميركية إلى أن العاهل السعودي سيعيد النظر بولاية العهد، كجزء من الحملة التي تستهدف الأمير محمد، لكن الأسرة المالكة السعودية أبدت تماسكا قويا، وتجاوزت الأزمة.
وعرفت العلاقات المتينة بين الرياض وواشنطن فتورا منذ تولي بايدن الرئاسة في يناير 2020، وتفاقم التوتر بين البلدين على وقع التعاطي الأميركي الموجه والسلبي مع قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، إضافة إلى موقف واشنطن من الملف اليمني.
وظهرت معالم توتر العلاقات بين الطرفين من خلال رفض السعودية رفع إنتاج النفط في إطار جهود واشنطن لتضييق الخناق على روسيا، بسبب اجتياحها لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي.
وأظهرت مقابلة الأمير محمد بن سلمان مع مجلة ذي أتلانتيك في السابع من مارس الماضي أن التوتر مع إدارة بايدن بلغ حدا كبيرا، وذلك في حديثه عن أنه لا يهتم بما إذا كان بايدن “يسيء فهمه” بخصوص قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي. كما أرسل إشارة واضحة تفيد بأن بلاده لن تقبل ضغوطا أميركية بشأن مسائل داخلية في المملكة أو تدخلا لتحديد شكل علاقاتها الخارجية، حيث قال إن “ممارسة الضغوط لم تجد نفعا على مدى التاريخ، ولن تجدي نفعا”.
وفي رسالة تهديد مبطنة، ألمح ولي العهد السعودي إلى وجود “فرص كبيرة لخفض” المصالح الأميركية مع بلاده، معتبرا أن الأمر يرجع إلى بايدن “في التفكير في مصالح أميركا”، وهو ما يعني كذلك أن تخلّي واشنطن عن التزاماتها يعفي الرياض من أيّ التزام ويجعلها تتجه إلى شراكات جديدة.
وبعد تودد واشنطن للرياض مطولا من أجل زيادة إنتاج النفط، والذي قابله رفض سعودي للضغوط الأميركية، سعى الرئيس الأميركي إلى تحسين العلاقات من خلال مشاركته في القمة الخليجية العربية في جدة في يوليو الماضي، لكن مع عدم رضوخ المملكة لمقترح بايدن بخفض الإنتاج بعد انتخابات الكونغرس النصفية المقررة في نوفمبر، عاد التوتر ليطفو مجددا على سطح العلاقات.
ومن المرتقب أن يقدم البيت الأبيض على بعض الخيارات لمعاقبة الرياض بوقف بيع الأسلحة للسعودية، لكن محللين يرون أن هذا القرار قد يصطدم برفض شركات صنع الأسلحة الأميركية.