علي قاسم
كاتب سوري مقيم في تونس
تنفس التونسيون الصعداء إثر الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بين تونس وصندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء، تُمْنح تونس وفقه قرضا يُدفع على مدى 48 شهرا، ورغم تواضع الرقم (1.9 مليار دولار) إلا أن هذه الخطوة مهمة لأنها ستفتح أمام تونس الباب للحصول على قروض من مؤسسات تمويل دولية، على غرار البنك الأفريقي للتنمية والبنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار والبنك الأوروبي للاستثمار، إلى جانب تمويلات مالية في إطار العلاقات الثنائية.
وما إن كشف صندوق النقد عن أن حزمة الإنقاذ قد تتم خلال شهر ديسمبر القادم حتى ارتفعت سندات 2013 المقومة باليورو، كما ارتفعت السندات المقومة بالدولار والمستحقة عام 2027، ما يوحي بأن جزءا من المبلغ سيخصّص لتسديد قروض سابقة. وهذا يطرح مجموعة من التساؤلات حول الطريقة التي سيصرف بها المبلغ، والأهم من ذلك هو التساؤل عن الفاتورة الاجتماعية للإصلاحات التي قدمتها الحكومة في إطار التوصل إلى هذا الاتفاق.
وإلى أن يتم الكشف عن التفاصيل تظل هناك مخاوف من أن تكون فاتورة الإصلاحات باهظة جدا. ويدور الحديث عن أربعة محاور قد تتضمنها الخطة: المحور الأول، إصلاح جبائي من ضمن ما يعنيه زيادة في الرسوم الجبائية وتوسيع قاعدة المشمولين بها. المحور الثاني، رفع الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية بشكل تدريجي. والمحور الثالث، تجميد رواتب الوظيفة العمومية. وأخيرا المحور الرابع، إعادة هيكلة المؤسسات العمومية.
◙ الجحود لم يكن من دول الجوار فقط؛ فأوروبا لم تكافئ تونس واكتفت بالطلب منها أن تكون حارسا يمنع وصول قوارب الهجرة إلى شواطئها
يجب ألّا نتوقع أن تكون معالجة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تونس سهلة. وهذا ما اكتشفه التونسيون مؤخرا.
ورغم محاولات البعض الاصطياد في المياه العكرة، إلا أن أغلب التونسيين أبدوا تفهما لأيّ إجراءات صعبة قد تتخذها الحكومة وبدأوا يشدّون الأحزمة.
وبينما تحاول أحزاب المعارضة الهشة التشكيك في السياسات الاقتصادية للحكومة، بتنظيم احتجاجات محدودة الأثر والعدد، يظهر الشارع التونسي تفهما للظروف الاستثنائية التي مرت وتمر بها البلاد منذ بداية العشرية الأخيرة.
ولئن وصلت الأزمة المالية العالمية التي شهدها العالم عام 2008 إلى الشواطئ التونسية متأخرة عامين ومصحوبة بثورة أبدى العالم كله إعجابه بها، فإنه سرعان ما تخلى عنها ليتركها بين أيدي سياسيين هواة أوصلوا تونس إلى حافة الإفلاس، خاصة مع ما خلفته جائحة كوفيد – 19 من آثار سلبية تضاعفت تأثيراتها بفعل موجة جفاف، لتنهي الحرب الروسية – الأوكرانية وما تسببت به من أزمة في الطاقة والغذاء على المستوى العالمي أيّ أمل في التعافي.
قد يمنح القرض المقدم من صندوق النقد الحكومة التونسية فسحة من الوقت لالتقاط الأنفاس، ولكنه حتما لن يكون حلا سحريا لجميع مشاكل تونس الاقتصادية.
كانت تونس، التي منحها العالم جائزة نوبل للسلام، تستحق معاملة أفضل من هذه المعاملة بكثير، وهي التي بدأت المشوار الطويل والصعب للانتقال الديمقراطي في دول المنطقة. لكن بدلا من أن تقف هذه الدول إلى جانبها اكتفت بالمراقبة عن بعد وكأنما ترغب في فشلها.
ما الذي قدّمه الجيران إلى تونس، وهم العائمون على بحر من الغاز والنفط؟ الدولتان الجارتان ليبيا والجزائر تشتكيان من تهريب المحروقات إلى تونس، بينما تشير الأرقام إلى أن حجم الخسائر التي تتكبدها الدول الثلاث جراء التهريب يبلغ أربعة مليارات دولار سنويا، أي أربعة أضعاف القرض الذي ستحصل عليه تونس من صندوق النقد سنويا.
ألم يكن بالإمكان توظيف هذه المبالغ في تطوير المناطق الحدودية وخلق استثمارات يستفيد منها سكان الدول الثلاث؟
◙ بينما تحاول أحزاب المعارضة الهشة التشكيك في السياسات الاقتصادية للحكومة، بتنظيم احتجاجات محدودة الأثر والعدد، يظهر الشارع التونسي تفهما للظروف الاستثنائية التي مرت وتمر بها البلاد
هناك من يقول إن حكومات الجزائر وليبيا تعتبر تلك المبالغ ضريبة لا بد منها لشراء صمت وولاء سكان تلك المناطق المهمشة.
الجحود لم يكن من دول الجوار فقط؛ فأوروبا لم تكافئ تونس واكتفت بالطلب منها أن تكون حارسا يمنع وصول قوارب الهجرة إلى شواطئها.
أكبر الجاحدين هي دولة قطر التي وظفت جهازها الإعلامي في بداية الثورة، وسرعان ما تنكرت لها، إثر فشل الجماعات الإسلامية المقربة منها وانفضاض الشارع التونسي عن تلك الجماعات بعد أن تبين فشلها واتضح أنها لا تحمل أي برنامج للمستقبل، وأن برنامجها الوحيد هو جرّ البلاد إلى الماضي.
وتدرك حكومة قطر أهمية الكفاءات التونسية العلمية والأكاديمية في الاقتصاد والمال والإعلام، فهي من أكثر المعتمدين على هذه الكفاءات، ومع ذلك تغض النظر عن توجيه استثماراتها إلى تونس.
الدول العربية، وإن عانى بعضها من محدودية الموارد إلا أنها مجتمعة لا تعاني من نقص الثروات، بل حالها أشبه بحال لحية برنارد شو وصلعته؛ كثافة في الإنتاج وسوء في التوزيع.
وبينما تبدد دول في شمال أفريقيا ثرواتها في معارك وهمية، وتنفق دولة عربية 220 مليار دولار لاستضافة مونديال 2022، تعيش دول أخرى بالبركة، وتنتظر قرضا من صندوق النقد الدولي لا يسمن ولا يغني من جوع.
نقلاً عن العرب اللندنية