رعد الريمي
في 28 سبتمبر الماضي، التقى وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، المجلس الرئاسي اليمني في الرياض، لأول مرة منذ تشكيل المجلس وعودته إلى عدن أواخر إبريل المنصرم.
وقال الأمير السعودي في صفحته إنَّ اللقاء استعرض مستجدات الأوضاع في اليمن، قبيل أيام فقط من انتهاء الهدنة الأممية في البلاد في 2 أكتوبر الماضي، ووسط الأنباء عن انقسام في الموقف داخل الرئاسي بشأن الهدنة.
ولكنَّ الموقف الموَّحد بشأن الهدنة لم يكن هو فقط ما استدعى لم شمل المجلس الرئاسي في السعودية، حيث كانت الخلافات المجلس قد دبت في مفاصله قبل أسابيع كثيرة، نتيجة لجملة من الأحداث السياسية والعسكرية والترتيبات والتعيينات الداخلية.
مُتعلق: هل يتجاوز المجلس الرئاسي اليمني الخلافات؟
وفي الرياض، ظهر أعضاء المجلس الثمانية بما فيهم أولئك الذين غادروا عدن إلى مناطق سيطرتهم، أو الذين لوحوا باستقالتهم بضغط من الجهات الحزبية التي ينتمون لها، في صورة جماعية إلى جانب بن سلمان وسفير المملكة باليمن محمد آل جابر.
وعلى الرغم من أنَّها ليست الصورة الأولى التي يبدو فيها الأعضاء المتخاصمون سابقا في حالة توافق متشابكي الأيدي، إلا أنَّها أثارت التساؤلات حول مدى قدرة السعودية، مهندسة المجلس الرئاسي، على حل المشاكل والخلافات العسيرة التي تكاثفت مؤخراً، وإعادة الرئاسي مكتملاً إلى عدن.
وكان خالد بن سلمان قد التقى، في 11 أكتوبر الجاري، رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، بشكل منفصل هذه المرة. وقال وزير السعودي إنَّه ناقش مع العليمي “جهود الأمم المتحدة في تمديد الهدنة، والمستجدات والتطورات على الساحة اليمنية، بالإضافة إلى الخطوات المستقبلية للتعامل مع المتغيرات المحتملة.”
وبعد أسبوع واحد، كان العليمي أول الواصلين إلى العاصمة عدن، الأربعاء، فيما لا زال بقية أعضاء الرئاسي في الخارج.
وفور عودته، قال المسؤول الأمني السابق: “عدت إلى عدن الحبيبة، أحمل هموم واحتياجات كل اليمنيين واليمنيات [..] عملا بتعهداتنا المعلنة، رغم كل التحديات التي تواجهنا وإخواني في مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة.”
وتعهد العليمي بالعمل لتلبية احتياجات المواطنين، وأضاف: “سأعمل وأخواني أعضاء المجلس والحكومة بلا كلل من أجل تلبية تلك الاحتياجات، وسنظل على العهد الذي قطعناه لشعبنا في الداخل والخارج حتى تتحقق أهداف شعبنا وتطلعاته في كل مكان.”
أوجه الخلاف
وحول أبرز الخلافات والتباينات بين أعضاء المجلس الرئاسي، قال المحل السياسي عبد الستار الشميري لـ “سوث24”: “هذه التباينات تأتي أولا من الخلفيات السياسية لهؤلاء الأعضاء والمجموعات التي يمثَّلونها. هذه المجموعات تحمل أحقادا كثيرة ضدَّ بعضها منها ما هو قديم منذُ النظام السابق.”
وبالرغم من التقارب الذي قد يلاحظ بين عضو وآخر ضمن المجلس، يرى الشميري أنَّه “لكل الأعضاء اتجاه مختلف حيث لا يوجد عضوان على الأقل متفقان تماما في الرؤية والأهداف.”
وأضاف: “هذه التباينات والإشكالات تنسحب مباشرة على [المؤسسة العسكرية]. هذه هي أبرز نقاط الخلاف. كل فريق سياسي يحتفظ بقواته العسكرية الخاصة به ولا يريد التناول عنها ودمجها.”
وأردف: “يتوزع الخلاف بعد ذلك حول السيطرة على المحافظات ومن سوف يقوم بقيادتها، ثم تأتي نقطة الخلاف الأخرى فتتمثل في شكل اتخاذ القرارات. على الرغم من أن قرار تشكيل الرئاسي ينص على اتخاذ القرار بالتوافق، غير أن التوافق بين الأعضاء شبه ممتنع خاصة في القرارات الرئيسية سالفة الذكر”.
ومن وجهة نظره، يعتقد رئيس المركز الوطني للدراسات في عدن، نصر هرهرة، أنَّ “أهم خلافات المجلس الرئاسية هي المشاريع المختلفة التي تحملها الأطراف المكونة للمجلس.”
وأضاف هرهرة لـ “سوث24”: “في الوقت الذي نجد الجنوبيين ينشدون استعادة دولة الجنوب [..]، نجد الأطراف الشمالية في المجلس الرئاسي تجتمع ضد الجنوب.” وأضاف: “أبرز الخلافات هي مماطلة الأطراف الشمالية في تشكيل الوفد التفاوضي المشترك لأي عملية سياسية وغيرها من الالتزامات التي وردت في مشاورات الرياض الأخيرة.”
وعلم “سوث24″، من مصادر دبلوماسية، أنَّه تم بالفعل تشكيل وفد تفاوضي يمثَّل كل أعضاء المجلس الرئاسي، لم يتم الإعلان عنه رسميا حتَّى الآن.
لكن المحلل السياسي ورئيس تحرير موقع “نيوزيمن”، نبيل الصوفي، يستبعد أن يكون الخلاف داخل المجلس الرئاسي “قد تصاعد إلى حد القطيعة.”
وقال الصوفي لـ “سوث24”: “حتَّى الآن لم نرَ أي خطوات جادة لا اتفاق ولا اختلاف حول هذه الملفات. رئيس المجلس الرئاسي الذي كان سابقا وزير الداخلية لن يسمح بعودة ذات الصراعات التي خاضها ولديه قادرة عالية لتحقيق ذلك.”
الدور السعودي
بالنسبة لنبيل الصوفي، فإن “السعودية لا تزال مهتمة بالشأن اليمني باعتباره شأنا سعوديا.” وحول أهمية هذا الشأن، بما في ذلك المجلس الرئاسي وخلافاته، قال الصوفي: ” يخفت الاهتمام بناء على أولويات سعودية أكبر، لكنَّه موجود. ”
وأضاف: “اليمن لها وضعها المختلف لدى السعودية، وإلا فإنَّ الرياض حين أرهقت من الخلافات السورية – السورية في جانب ما تسمى سوريا الحرة، أهملت السعودية الملف وكأنَّه غير موجود “.
وحول الدور السعودي في ترتيب أوضاع المجلس الرئاسي وحل خلافاته، قال الشميري: “المملكة العربية السعودية لا شك أنَّها هي الضامن وهي المهندس للمجلس الرئاسي. انتقال السلطة وإن كان بتوافق يمني في الأخير، إلّا أن الرياض لديها قدرات كثيرة في لملمة المجلس الرئاسي والذهاب به إلى بعض المشتركات في بعض القضايا.”
ومع ذلك، يرى الشميري أن السعودية “غير قادرة على حسم الخلافات في المجلس الرئاسي نظرا لتعقيدات تلك الخلافات وتراكمها؛ وإصرار الأطراف على بقاء كل طرف على ما هو عليه من مكاسب دون تقديم أي تنازلت في اتجاه المصلحة المشتركة والعدو المشترك”.
وأضاف: “صحيح أن هناك وعيا لدى معظم أعضاء المجلس الرئاسي، لكن هذا الوعي للأسف الشديد لا زال مشدودا بالتجاذبات والمصالح والخلافات السابقة. الأعضاء يتوافقون نظريا في حضرة السعودية؛ ولكن عند المنحى العملي يتم الارتباك، ويتم التردد وعدم التوافق عمليا”.
ويعتقد نصر هرهرة أنَّ الحل السعودي لخلافات المجلس الرئاسي “هو ترحيل هذه الخلافات فقط أو احتواؤها مؤقتا.” وأضاف: “الحل الجذري لها برأيي غير ممُكن إلّا إذا تم تغيير جذري في بنية المجلس وتقليص عدد أعضائه.”
أولويات الرياض
أنتجت الأحداث الدولية الأخيرة والحرب الروسية الأوكرانية المزيد من الأولويات بالنسبة لكثير من دول العالم، خصوصا تلك التي يمسها الصراع بشكل كبير أو المتأثرة بتداعياته المختلفة، كالتداعيات على أسواق النفط العالمية التي تسهم السعودية بتغطية جزء مهم من احتياجاتها.
على الأرجح، زادت هذه الأحداث المتسارعة من رغبة السعودية في تفكيك التعقيدات الإقليمية المحيطة بها وحل مشاكلها الأصغر، أو التخفيف منها وتجميدها على الأقل، وفي مقدمتها الأزمة في اليمن. نظرا لذلك، يبدو أنَّ حل الخلافات داخل المجلس الرئاسي الذي رعته المملكة أضحى أكثر ضرورية اليوم بالنسبة للرياض.
وبشأن هذا، قال المحل السياسي عبد الستار الشميري: “الظروف المستجدة اليوم والتغيرات في ميزان القوى الدولية لا شك أنَّها تجعل من السعودية تدفع بالمجلس الرئاسي نحو اتخاذ قرارات رئاسية حاسمة لترتيب أوضاع الجيش والأمن، أو حتى فيما يخص الملف السياسي والاقتصادي”.
وأضاف: “في هذه الظروف والمتغيرات التي ألقت بظلالها، وحتمت أن يكون المجلس الرئاسي مجلس حرب قبل أن يكون مجلس سلام، فإنَّ مقتضيات مجلس الحرب تعني إعادة توزيع الوحدات العسكرية ودمجها بقرار، بالإضافة للبحث عن قيادات عسكرية غير انتهازية وغير وصولية وغير متكسبة من الحرب.”
جمر تحت الرماد
حتّى الآن، يبدو أنَّ الخلافات داخل المجلس الرئاسي لم تصل بعد إلى مرحلة مستعصية، لا سيما أن كثير منها كان متوقعا منذ البداية ومرتب له من أعضاء ومكونات الرئاسي، علاوة على الدور السعودي الحاسم في منع تفكك وانهيار هذا المجلس.
ومع ذلك، قد يشكل ترحيل بعض هذه الخلافات أو تجميدها والتعامل معها على أنَّها ليست موجودة خطرا حقيقيا ووجوديا للمجلس الرئاسي. كما أنَّها قد تعطل كثير من تحركاته التي توضع عليها آمالا كبيرة.
ويعتقد عبد الستار الشميري أنًّه إذا “بقيت بعض النقاط محل الخلاف في المجلس الرئاسي دون حل، لا شك أنَّها ستعرقل أداء المجلس وستجعله كبطة عرجاء يتخذ قرارات في الهوامش ولا يتخذ قرارات في الأمور الرئيسية.” وأضاف: “مع بطء عمل المجلس وخلافاته يستفيد الحوثيون كثيرا.”
وأضاف: “هناك معركة شد حبل شديدة في قصر المعاشيق. هذه المعركة التي تنذر بخلاف يتصاعد مرهونة بقدرة المملكة على كبح هذا الخلاف. رغم قتامة الأمر إلّا أنَّ هناك فرص نجاح للمجلس الرئاسي غير خافية وهي فرص تنبع من أنَّ لا أحد منهم قادر أن يحقق أهدافه الخاصة في ظل وجود الحوثيين”.
ويرى الشميري أنًّ “هذه الفرصة ينبغي النظر لها كعامل مساعد لتوحيد المشاركات، علاوة على النقطة الأخرى وهي وجود السعودية والإمارات كضامن مالي وعسكري واقتصادي وسياسي للملف اليمني لتشكل فرصة أخرى إضافية لبقاء المجلس ملتئما، بالإضافة لنقطة الالتفاف الشعبي الذي يقدم فرصة أخيرة للمجلس.”
ولم يتضح حتَّى الآن نوع الترتيبات التي تمت في الرياض مؤخراً، إلا أنَّه من المتوقع رؤية المجلس الرئاسي مجددا في قاعة اجتماعاته المعهودة بالقصر الرئاسي في العاصمة عدن. وبعيدا عن خلافاته السياسية والعسكرية، تنتظر الرئاسي ملفات اقتصادية وخدمية ثقيلة، يبدو أنَّها لم تكن ضمن أولوياته مؤخراً.
المصدر سوث24