إنجي مجدي
قبل أيام صنفت روسيا شركة “ميتا” المالكة لـ”فيسبوك” و”إنستغرام”، ضمن قائمة المنظمات الإرهابية والمتطرفة، في إطار عملية بدأت منذ مارس (آذار) الماضي، عندما حجبت الحكومة الروسية التطبيقين واتهمت الشركة بإثارة “الكراهية ضد روسيا” والسماح بمنشورات تحرض على العداء ضد الروس، بعد أقل من شهر على اندلاع الحرب في أوكرانيا.
وفق مسؤولون روس تحدثوا لوسائل إعلام محلية، فإن التصنيف لا يعني أن مستخدمي منصات “ميتا” ينتهكون القانون، بل يتعلق الأمر بتجميد الحسابات المصرفية المتعلقة بالشركة في الأراضي الروسية. وبحسب صحيفة “موسكو تايمز”، يسمح التصنيف للحكومة بتغريم أو سجن أي مواطن روسي أو شركة تشتري إعلانات على المنصات الإلكترونية التابعة لـ”ميتا”، حيث تصل عقوبة السجن إلى 10 سنوات بتهمة “رعاية التطرف”.
على الجانب الغربي تم تفسير القرار باعتباره محاولة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتشديد قبضته على تدفق المعلومات داخل بلاده، ومحاولة من الحكومة لترهيب المعارضين.
في حين أشار مراقبون روس إلى أن القرار يرتبط بدعاية تحريضية سمحت بها “ميتا” على منصتها، مستدلين بتقرير نشرته وكالة “رويترز” في 11 مارس (آذار) أفاد بأن الشركة ستسمح لمستخدمي منصاتها في بعض الدول بالدعوة إلى العنف ضد الروس والجنود الروس رداً على الهجوم على أوكرانيا، وهو ما يمثل تغييراً مؤقتاً لسياسة مكافحة خطاب الكراهية لدى “ميتا”. وطالبت السفارة الروسية في واشنطن السلطات الأميركية، آنذاك، بمنع “الأنشطة المتطرفة” للشركة.
قوائم التصنيف
في حين ينظر البعض إلى عمليات التصنيف باعتبارها مكايدة سياسية أحياناً أو نوعاً من العقاب للسيطرة على سلوك دولة أو جماعة، فإنها أكثر تعقيداً مما تبدو، كما أن عملية تصنيف جماعة أو كيان كمنظمة إرهابية يختلف كلياً عن تصنيف دولة راعية للإرهاب، وتختلف هذه العملية بين الدول الديمقراطية وأنظمة الحكم الأخرى. في ما يتعلق بالكيانات والجماعات فهناك تصنيفات تصدر ليس فقط عن الحكومات، لكن أيضاً عن منظمات المجتمع المدني والهيئات الأكاديمية، لكن يُنظر لها عادة باعتبارها متحيزة، في حين أن القوائم الصادرة عن الحكومات تكون عابرة للحدود وذات مصادر قوية وموثوقة، خصوصاً أنها لا تعتمد على مصادر تمويل خارجية.
ومع ذلك، فإنه وفق ورقة بحثية بعنوان “قوائم التصنيف وتعريفات الإرهاب” صادرة بالشراكة بين معهد بروكينغز للأبحاث في واشنطن والمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، فإن قوائم الإرهاب الصادرة عن الحكومات ليست خالية من التحيز. فالأنظمة الاستبدادية عادة من تستخدم قوائم التصنيف بالإرهاب والتطرف لاستهداف المعارضة والنشطاء الحقوقيين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
في حين تتبع الحكومات الديمقراطية آليات رقابية لضمان أن الجماعات المصنفة ككيانات إرهابية هي متورطة بالفعل أو تدعم الإرهاب، رغم أن هذا لا يمنع بعض التحيز أحياناً بسبب اختلاف المعايير في عملية التصنيف بين دولة وأخرى، فعلى سبيل المثال تختلف قوائم الإرهاب بين دول التحالف الاستخباراتي “العيون الخمسة” الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا رغم استنادهم على كثير من المعلومات المشتركة.
الآلية الأكثر شهرة لتصنيف المنظمات قانوناً على أنها “إرهابية” في الولايات المتحدة هي “قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية”.
يعتبر تقديم الدعم المادي لأي منظمة مدرجة في القائمة- بما في ذلك التطوع للانضمام إلى المجموعة- نشاطاً إجرامياً.
ويشير مراقبون إلى أنه لدى الولايات المتحدة أيضاً آليات أخرى يتم من خلالها تجريم الانتماء أو التفاعل مع كيان “إرهابي”.
على سبيل المثال، يفرض الأمر التنفيذي رقم 13224 عقوبات مالية على حوالى 7700 شخص وكيان أجنبي مصنفين على أنهم “إرهابيون عالميون مصنفون بشكل خاص”.
وتسمح “قائمة استبعاد الإرهابيين”، لسلطات الهجرة بمنع الأفراد الذين يقدمون الدعم المادي للمنظمات المصنفة، من دخول البلاد.
عملية مسيسة
ينظر آخرون إلى عملية التصنيف باعتبارها مسيسة. وتشيرالأستاذة لدى كلية السياسات والعلاقات الدولية بجامعة نوتنغهام أنا ميير إلى حديث جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية السابق، خلال الجدل الذي دار في أوائل العقد الأول من القرن الحالي حول إدراج شبكة حقاني، منظمة مسلحة باكستانية كمنظمة إرهابية، إذ أشار آنذاك إلى مخاوف من أن التصنيف قد يتطلب أيضاً إدراج باكستان كدولة راعية للإرهاب بسبب تعاون حقاني الوثيق مع المخابرات الباكستانية الداخلية، وهو ما كان سيعرض التعاون الأمني في جنوب آسيا للخطر.
تم إدراج المنظمة في نهاية المطاف في عام 2012 ضمن قائمة المنظمات الأجنبية الإرهابية، مع تأكيدات قوية من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقتها، بأنه لن يتم تصنيف باكستان كدولة راعية للإرهاب.
وبالمثل، لم تدرج الولايات المتحدة حركة “طالبان” في القائمة لأن القيام بذلك كان يعني أن المفاوضات مع الحركة من شأنها أن تنتهك سياسة الولايات المتحدة بعدم التفاوض مع الإرهابيين. وتقول ميير إن المخاوف بشأن الإساءة للحلفاء إلى جانب الاعتبارات الجيوسياسية الأكبر غالباً ما تكون لها الأسبقية في تحديد المنظمات التي يتم إدراجها أو لا يتم إدراجها.
الدول الراعية للإرهاب
تصنيف “ميتا” كمنظمة إرهابية ليس الوحيد في المعركة بين موسكو والغرب، فمنذ أشهر تتعالى الأصوات في كييف وواشنطن داعية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتصنيف روسيا دولة راعية للإرهاب. إذ يطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتصنيف روسيا “دولة راعية للإرهاب” منذ أبريل (نيسان) الماضي ويدعو أعضاء من الكونغرس للتصنيف في إطار تكثيف الضغوط على موسكو.
لكن الاقتراح لا يلقى قبولاً لدى الإدارة الأميركية وكثير من المراقبين الغربيين الذين يحذرون من عواقب مثل هذا القرار.
وتضم القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب أربع دول وهي: إيران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا.
يتطلب تصنيف الدول باعتبارها “دولة راعية للإرهاب” أن يتخذ وزير الخارجية الأميركي قراراً بأن الدولة “قدمت دعماً متكرراً لأعمال الإرهاب الدولي”.
وبحسب مجموعة الأزمات الدولية، مؤسسة بحثية في واشنطن، فإنه لا يوجد أي شرط قانوني يلزم وزير الخارجية بتصنيف كل دولة ينطبق عليها المعايير القانونية الخاصة بالتصنيف أو أن تكون الدول المدرجة في القائمة هي الراعي الأكبر للإرهاب الدولي في وقت معين.
وبالنظر إلى المرونة التي يضعها الإطار القانوني للتصنيف، يبدو أن الاعتبارات السياسية والسياسية المحلية، بما في ذلك بعض الاعتبارات غير المرتبطة بمكافحة الإرهاب، لها تأثير كبير في قرارات تصنيف الدول.
وتوضح مجموعة الأزمات أن تصنيفات الدول الراعية لها تداعيات كبيرة، من الناحيتين القانونية والسياسية، ولهذا السبب تتجنب واشنطن عادة إدراج الدول التي تربطها بها علاقات متعددة الأوجه.
فكوبا والدول الثلاث الأخرى المدرجة حالياً لا تربطها علاقات دبلوماسية أو تجارية رسمية مع الولايات المتحدة. وفي الحالات الأربع سبقت العلاقات السيئة للغاية خطوة تصنيف تلك الدول كراعية للإرهاب وفي جميع الحالات الأربع كان التصنيف مصدراً إضافياً للخلاف.
وتشير مديرة برنامج “برانستيتر” للتقاضي وحل النزاعات لدى كلية فاندربيلت للقانون ورئيسة تحرير المجلة الأميركية للقانون الدولي إنجريد وورث إلى أن تصنيف الدولة الراعية للإرهاب ينطوي على مجالين من مجالات القانون وهما؛ العقوبات والحصانة السيادية. فيفرض التصنيف ضوابط على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج، المواد ذات الاستخدامات المدنية والعسكرية ويمنع مبيعات الأسلحة الأميركية والمساعدات الخارجية ويقيد الوصول إلى تخفيف عبء الديون والتمويل الدولي. كما أنه يفرض قيوداً أخرى غير محددة في القوانين، ولكنها في حالات أخرى تتزامن مع عقوبات صارمة بشكل متزايد تنتهي بتطبيقها على الاقتصاد بأكمله والسكان في الدولة المدرجة.
ويمكن أن يؤدي هذا التصنيف إلى تطبيق قوانين عقوبات متنوعة أخرى تعاقب الكيانات والأفراد الذين ينخرطون في أنواع معينة من التجارة مع الدولة الخاضعة للعقوبات. وعلى عكس تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، المستخدم على نطاق واسع، الذي يركز على الأفراد والجماعات، فإن هذا التصنيف ينطبق على مستوى الدولة.
بالنسبة لحالة روسيا فإن البيت الأبيض قال صراحة عبر المتحدثة كارين جان-بيير، مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، إن التصنيف “ليس الوسيلة الأكثر فعالية أو الأقوى لمحاسبتها” بسبب الحرب في أوكرانيا.
وأن الخطوة قد تضر كذلك بجهود إيصال المساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا و”تقويض (التحالف) المتعدد الأطراف غير المسبوق، الذي كان فعالاً للغاية في محاسبة بوتين، وكذلك أيضاً تقويض قدرتنا على دعم أوكرانيا” في المفاوضات.
لكن يشير مراقبون أيضاً إلى عواقب مثل هذا التصنيف على التعاون الدولي علي صعيد قضايا الصراع العالمي وإدارة الأزمات. فتصنيف دولة عضو في مجلس الأمن الدولي باعتبارها راعية للإرهاب من شأنه أن يزيد المجلس توتراً في ظل تدهور العلاقات بين القوى العظمى.
ليس ذلك فحسب، بل تحذر مجموعة الأزمات الدولية من أن يشكل مثل هذا التصنيف سابقة ويعرض الولايات المتحدة وشركاءها لأنواع مماثلة من التصنيفات من قبل خصومهم في المستقبل، ناهيك عن تأثير مثل هذه الخطوة على أي محادثات سلام محتملة بشأن أوكرانيا.
المصدر “اندبندنت عربية”