حسين القاضي
كاتب وباحث مصري
يعمل فريق من الباحثين (من الإخوان والداعمين لجماعة الإخوان ومواقفها السياسية) على إخراج الأعمال الكاملة للشيخ يوسف القرضاوي، وللقرضاوي كلام مهم واعترافات خطيرة عن الإخوان وسيد قطب وأعمال العنف المنسوبة إلى الإخوان، قالها في بعض كتبه في ساعة صفاء دون حسابات حزبية، ولذلك يُخشى من القائمين على هذا العمل حذف وإخفاء ما قاله من كلام في بعض كتبه، لا سيّما أنّ الكذب سمة قد يلجأ إليها الإخوان بحجة أنّ خصومهم سوف يستفيدون من ذكر الحقائق كاملة، وخاصة أنّ مذكرات القرضاوي يصعب جداً الحصول عليها، ولم تُطبع مرة أخرى منذ فترات طويلة نظراً لما فيها من أمور لا يحب الإخوان أن يطلع عليها أحد.
يأتي هذا المقال لينقل بعض النماذج من كلام القرضاوي قبل أن يفكر أحد في حذفه من الأعمال الكاملة، وأكتفي هنا بكتابين فقط: (مذكرات القرضاوي، ابن القرية والكُتّاب، والإخوان المسلمون سبعون عاماً في الدعوة والتربية والجهاد).
1- النقراشي كلب، والذي قتله قدوة للشباب يستحق التحية
اعترف القرضاوي أنّه وشباب الإخوان فرحوا جداً باغتيال محمود فهمي النقراشي، ووصف القاتل بأنّه: (إمام للشباب يستحق التحية والسلام)، ووصف المقتول بأنّه: (كلب مات مسموماً)، والقرضاوي حتى وفاته لم يعتذر عن هذا، بل كتب هذا في مذكراته عام 2008.
يقول القرضاوي في مذكراته ما نصّه: “أُذيع نبأ اغتيال رئيس الوزراء ووزير الداخلية والحاكم العسكري العام محمود فهمي باشا النقراشي في قلب عرينه وزارة الداخلية، أُطلقت عليه رصاصات أودت بحياته، وكان الذي قام بهذا العمل طالباً بكلية الطب البيطري بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة اسمه “عبد المجيد حسن” أحد طلاب الإخوان، ومن أعضاء التنظيم الخاص، وقد ارتكب فعلته وهو يرتدي زي طالب شرطة، لهذا لم يشكّ فيه حين دخل وزارة الداخلية، وأطلق عليه رصاص مسدسه، وقابل عامة الإخوان اغتيال النقراشي بفرحة مشوبة بالحذر، وقد قابلنا -نحن الشباب والطلاب- اغتيال النقراشي بارتياح واستبشار، فقد شفى غليلنا، وردّ اعتبارنا، وممّا أذكره أنّي نظمتُ بيتين في هذه المناسبة -يعبّران عن ثورة الشباب في هذه السن- خطاباً لعبد المجيد حسن قاتل النقراشي، كان الطلاب يرددونهما، وهما:
عبدَ المجيد تحيـــة وسلام
أبشر فإنّك للشباب إمام
سمّمت كلباً جاء كلب بعده
ولكلّ كلب عندنا سمَّام([1])
.
2- من يعادون الإخوان يعادون الإسلام
يذهب القرضاوي في كتابه: (الإخوان المسلمون سبعون عاماً في الدعوة) إلى جعل الإخوان هم الإسلام، فيرى أنّ من يعادون الإخوان يعادون الإسلام، ويكرهون الإسلام، وقال بالنص: “هناك من يُعادون الإخوان؛ لأنّهم يعادون الإسلام: رسالته وحضارته وأمته، ويتوجسون خيفة من انبعاثه وصحوته، ونرى هذا يتجسد في القوى الصهيونية، والصليبية والشيوعية”، إلى أن يقول: ومثل هؤلاء من يعادي الإخوان – ممّن ينسب إلى أبنائه -لأنّه يعادي الإسلام ويكره الإسلام، وإن تسمّى بأسماء أهله، فهو لا يحب للإسلام أن يسود، ولا لأمته أن تقود، ولا لدولته أن تعود، ولا ذنب للإخوان لدى هؤلاء إلا أنّهم يدعون إلى الإسلام ويجاهدون في سبيله”.([2])
3ـ الدعوة الإسلامية في حاجة إلى (صحابة جدد) هم الإخوان
مع ضعف الأزهر والتيارات الدينية المختلفة، يرى القرضاوي أنّ الأمة في حاجة إلى صحابة جدد يقومون مقام صحابة الرسول الأوّلين، والصحابة الجدد هم الإخوان، حيث قال:
(كان الناس في حاجة إلى دعوة تجدد العقول بالمعرفة الواعية، وتجدد القلوب بالإيمان الدافق، فعلماء الأزهر مشغولون بقضايا داخلية، والطرق الصوفية مشغولة بأذكارها وأورادها عن التصدي للإصلاح، وهي نفسها في حاجة إلى إصلاح، فكانت الأمة في حاجة إلى دعوة جديدة، تجدد دعوة النبي الأمين يقوم عليها (صحابة جدد) يقومون في الآخرين مقام الصحابة في الأولين).([3])
4- الإخوان مارسوا العنف لظروف زمنية
في كتابه (الإخوان المسلمون سبعون عاماً) اعترف القرضاوي بأنّ جماعة الإخوان مارست القتل والاغتيالات والتفجيرات، لكنّه برّأ حسن البنا من ذلك، وعزا أعمال العنف لملابسات خاصة بالإطار الزمني، وأنّ عنف الإخوان توقف بعد عام 1954.([4])
5- الإخوان إذا أحبوا شخصاً رفعوه إلى السماء، وإذا كرهوه هبطوا به إلى أسفل الأرض
في مذكراته يقول ما نصه: (ما يُعاب على كثير من الإخوان أنّهم إذا أحبوا شخصاً رفعوه إلى السماء السابعة، وإذا كرهوه هبطوا به إلى الأرض السفلى، والمفروض في الإنسان المؤمن -ولا سيّما الداعية- الاعتدال في الحكم على الناس، في الرضا والغضب، والمحبة والعداوة).([5])
6- أبو زهرة أمام القذافي: نحن سادة، ولسنا خُداماً
في الجزء الثالث من مذكراته ذكر أنّه: (زار معمر القذافي في خيمته، وتطرق الحديث إلى العلماء ودور العلماء، فقال أمام القذافي: إنّ العلماء مستعدون أن يكونوا خُدّاماً لمن يخدم الشريعة)، وهنا قال الشيخ أبو زهرة: إنّنا لسنا خدماً لأحد، كائناً من كان، فقال له القرضاوي: يا مولانا: إنّنا خدم من يخدم الشريعة، فخدمتنا في الحقيقة إنّما هي للشريعة، فقال الشيخ أبو زهرة: نحن سادة ولسنا خُدَّاماً).([6])
7- فكر سيد قطب ينضح بالتكفير
يؤكد القرضاوي أنّ (فكر سيد قطب ينضح بتكفير الناس، وأنّه دعا إلى تكفير المسلمين في كتابه: معالم في الطريق، والعدالة الاجتماعية، وكلّ ذلك أصَّل له في كتاب في ظلال القرآن) ثم أخذ القرضاوي ينقل نصوصاً كاملة عن سيد قطب في تكفير المسلمين من صفحة (446) إلى صفحة (470).
ومن ذلك قوله: (إنّ فكرة التكفير لمسلمي اليوم لم ينفرد بها كتاب “المعالم”، بل أصلها في “الظلال” وفي كتب أخرى أهمها “العدالة الاجتماعية، وهذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب ونسميها مرحلة الثورة الإسلامية، الثورة على الحكومات الإسلامية، أو التي تدّعي أنّها إسلامية، والثورة على كل المجتمعات الإسلامية، أو التي تدّعي أنّها إسلامية، فالحقيقة في نظر سيد قطب أنّ كل المجتمعات القائمة في الأرض أصبحت مجتمعات جاهلية، وتكوّن هذا الفكر الثوري الرافض لكل من حوله وما حوله، والذي ينضح بتكفير المجتمع، وتكفير الناس عامة، وأخطر ما تحتويه التوجهات الجديدة في هذه المرحلة لسيد قطب هو ركونه إلى فكرة التكفير والتوسع فيه)([7]).
وقول القرضاوي: (وقد تبنّى سيد قطب أضيق الآراء وأشدها في الفقه الإسلامي في قضية الجهاد، مخالفاً اتجاه كبار الفقهاء والدعاة المعاصرين، داعياً إلى أنّ على المسلمين أن يعدّوا أنفسهم لقتال العالم كله، حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).([8])
ويقول القرضاوي أيضاً: (وممّا ننكره على الأستاذ سيد قطب -رحمه الله-: أنّه يتهم معارضيه في فكرته عن الجهاد من علماء العصر بأمرين: الأول: السذاجة والغفلة والبله، ونحو ذلك ممّا يتصل بالقصور في الجانب العقلي والمعرفي، والثاني: الوهن والضعف النفسي، والهزيمة النفسية، أمام ضغط الواقع الغربي المعاصر، وتأثير الاستشراق الماكر! ممّا يتعلق بالجانب النفسي والخلقي، والذين يتهمهم بذلك هم أعلام الأمة في العلم والفقه والدعوة والفكر، ابتداء من الشيخ محمد عبده، مروراً بالشيخ رشيد رضا، والشيخ جمال الدين القاسمي، والشيخ محمد مصطفى المراغي، والمشايخ: محمود شلتوت، ومحمد عبد الله دراز، وأحمد إبراهيم، وعبد الوهاب خلاف، وعلي الخفيف، … إلخ، وغيرهم من شيوخ العلم الديني، ممّن قضى نحبه ولقي ربه، وممّن ينتظر).([9])
وقال أيضاً: (سأنقل من كتاب (معالم في الطريق) أصرح الألفاظ وأبينها في الدلالة على فكرة التكفير، وكتاب (المعالم) هو الذي أثار الزوبعة على الشهيد قبل أن يعرف الناس ما في الظلال، والحقيقة أنّ جلّ المعالم في جوهره مقتبس من الظلال، وأمّا العدالة الاجتماعية، فقد كان خالياً تماماً من فكرة التكفير، ولكنّ سيداً- رحمه الله- أضاف إلى الكتاب في طبعاته الأخيرة فصلاً يحمل أفكاره الجديدة إلى قارئه، سمّاه حاضر الإسلام ومستقبله).([10])
8- الصبر على الحاكم حتى لو ضرب المواطنين وأخذ أموالهم
في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك كتب القرضاوي مقالاً في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2007، تحت عنوان: (الخلل في فقه الخروج على الحكام)، قرّر فيه:
*من الخلل الذي وقعت فيه جماعات العنف أنّهم يرون وجوب الخروج على الحكام، ما داموا لا يحكمون بما أنزل الله، وما داموا يوالون أعداء الله، ويعادون الدعاة، وما داموا قد فرضوا أنفسهم على شعوبهم بغير رضاها واختيارها.
*المخالفات التي يقع فيها الحكام توجب العمل على إصلاحها بالرفق، وإن بلغوا في العسف والجَور إلى ضرب المواطنين وأخذ أموالهم، ولا يجوز عزل الحاكم والخروج عليه وقتاله حتى لو كان فاسقاً وظالماً ومعطلاً للحقوق.
*عند وقوع المخالفات من الحكام وجب توعية الشعوب إلى التغيير السلمي، بدلاً من الفتن والمصادمات المسلحة، والخروجات على الحكام باءت بالإخفاق، وأحدثت الفتن والاضطراب، وسفك الدماء في غير طائل.
*أورد القرضاوي الأحاديث الداعية إلى وجوب طاعة الحاكم حتى لو ضرب المواطنين وأخذ أموالهم.
*أورد الأحاديث الداعية إلى فضل الصبر على ظلم الأئمة وترك قتالهم.
والحاصل أنّ كل هذه النقولات وغيرها يجب عدم التلاعب فيها أو حذفها أو اختصارها أو التصرف فيها من الفريق القائم على جمع أعمال القرضاوي.
هوامش:
([1]) مذكرات القرضاوي، ابن القرية والكتّاب، ملامح سيرة ومسيرة، دار الشروق، القاهرة، ج1، ص 335، 336، 337.
([2]) الإخوان المسلمون… سبعون عاماً في الدعوة والتربية والجهاد، مكتبة وهبة، ط 1، 1999م، ص357.
([3]) الإخوان المسلمون… سبعون عاماً في الدعوة والتربية والجهاد، ص11.
([4]) الإخوان المسلمون… سبعون عاماً في الدعوة والتربية والجهاد، ص 271، 272.
([5]) مذكرات القرضاوي، ابن القرية والكُتَّاب، ج 2، ص77 وما بعدها.
([6]) مذكرات القرضاوي، ابن القرية والكُتَّاب، ج 3، ص256، 257، 258.
([7]) مذكرات القرضاوي، ابن القرية والكتاب، ج3، ص 69، 56، و 58.
([8]) مذكرات القرضاوي، ابن القرية والكتاب، ج3، ص 59.
([9]) مذكرات القرضاوي، ابن القرية والكتاب، ج3، ص61.
([10]) مذكرات القرضاوي، ابن القرية والكتّاب، ص 445.
المصدر حفريات