عمرو فاروق
رغم حالة التنافس والتصارع والخلافات بين جبهات “الإخوان المسلمين” الثلاث، وإصدارها وثائق سياسية تعبر عن توجهاتها المرحلية في إطار التعامل مع النظام السياسي المصري، فضلاً عن الأبواق الإعلامية الجديدة التي تعمل على تحقيق أمنية عودتها للمشهد السياسي والاجتماعي، فإن مموّلها وكفيلها الرسمي “جهة واحدة”، بناءً على دورها الوظيفي في المنطقة العربية.
التصعيد المفاجئ لجماعة الإخوان وحلفائها، يأتي في إطار استكمال مشروعها التخريبي لإسقاط الدولة المصرية، بناءً على تعليمات وترتيبات من مموّل جديد، بعد تراجع دعم قطر وتركيا ورفعهما الغطاء السياسي والمالي عن التنظيم البناوي، في ظل تفاهمات أمنية ودبلوماسية جرت مع القاهرة.
تتضمن أجندة القنوات الإخوانية، التي تم تدشينها أخيراً من العاصمة البريطانية، مجموعة من الأهداف المرحلية التي يتم تنفيذها في إطار صناعة حراك شعبي وهمي (افتراضي)، من خلال فيديوات مزيفة يتم إعدادها وبثها، مستغلة الأزمة الاقتصادية المشتعلة جراء الاضطرابات العالمية، فضلاً عن رفع شعارات “ثورة الجياع”، بغية الإساءة إلى سمعة الدولة المصرية ونظامها السياسي، والإيحاء بعجزها وفشلها في احتواء الأوضاع الراهنة.
يتمثل الهدف الأهم في موجات التحريض الخارجي التي تديرها شبكات وقنوات الإعلام الإخواني، في إثارة الفوضى في العمق القاهري، وإرهاق الأجهزة الأمنية المصرية وتشتيت جهودها، خلال عقد المؤتمر الدولي للمناخ في مدينة شرم الشيخ في الفترة ما بين 6 – 18 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بحضور عدد كبير من رؤساء دول العالم.
محاولة صناعة الفجوة بين الحكومة المصرية والدوائر المجتمعية، عن طريق توظيف الشائعات والأكاذيب والمعلومات الملفقة، والتقارير المتلفزة الموجهة، تعتبر المحرك الرئيسي في تزييف وعي الشارع المصري، وزعزعة الاستقرار الداخلي، والتغطية على المراجعات السياسية والاقتصادية التي تجريها القاهرة أخيراً، بناءً على مبادرات من القيادة السياسية، في إطار المؤتمر الاقتصادي، ومظلة الحوار الوطني.
المشاريع الإعلامية الجديدة للمكوّن الإخواني، تتكون من قناة “الشعوب”، المعبرة عن جبهة القيادي الإخواني محمود حسين، ويديرها الإعلامي الهارب معتز مطر، من داخل لندن، بعد طرده من اسطنبول، في إطار التوافق بين أنقرة والقاهرة، ووقف أي نشاط معادٍ للدولة المصرية.
وتليها قناة “حراك 11 -11″، وتتبع جبهة “تيار التغيير”، أو “التيار الثالث”، المعروفة بميولها المباشرة إلى توظيف العنف، وفقاً للوثيقة السياسية الأخيرة التي أصدرتها قبل أيام ودعت فيها إلى تشكيل “قوة مسلحة” لتمرير أجندتها في العاصمة المصرية.
ثمة تواصل بين الإخوان في الداخل والخارج، لصناعة محتوى تلفزيوني مفبرك، وتقارير موجهة قائمة على تعمد إبراز الجوانب السلبية، لتهييج الأوضاع داخل الشارع المصري، وتشويه الصورة القومية للدولة المصرية، وإقليمياً ودولياً.
تعتبر جماعة الإخوان ومموّلوها، أن الفترة الراهنة هي بمثابة فرصة كبيرة لإحياء مشروعها في إسقاط النظام السياسي، وانقضاضها على المشهد الداخلي، تكراراً لما حدث في كانون الثاني (يناير) 2011، في إطار صناعة بروباغندا إعلامية، توحي بحراك شعبي من دون لافتة سياسية أو تنظيمية أو أيديولوجية.
رغم اختلاف تبعية القنوات الإخوانية الجديدة، فإن مصادر التمويل واحدة، في ظل تسريب وثائق معنية بعقد صفقة بين عناصر إخوانية وقيادات من الحرس الثوري الإيراني، على مدار العام الماضي، بهدف تأسيس شركات خدمات إعلامية جديدة توظف كأوراق ضغط على القاهرة، بناءً على التوافق بين النظام الإيراني وقيادات من التنظيم الدولي، لا سيما محمود حسين ومدحت الحداد، المعروفين بسفرهما المتكرر إلى طهران.
ما زالت قيادات جماعة الإخوان تتمتع بالغباء السياسي، وتراهن على أتباعها من الإسلام السياسي، وتقييم الأوضاع بما يتوافق مع توجهاتها الفكرية، وتتجاهل الصورة الكاملة التي تبرز مساوئها وفشلها في رفضها الشعبي وسقوطها السياسي، وارتباكها الفكري، وتخبطها وانقسامها التنظيمي، وفضائحها المالية وغير الأخلاقية.
يدرك الجميع أن جماعة “الإخوان المسلمين” في ظل صعودها إلى قمة السلطة، فشلت في الانتقال من “فقه التنظيم”، إلى “فقه الدولة”، وفي إطار سقوطها المدوّي، فشلت كذلك في تقديم مراجعات فكرية أو سياسية أو تنظيمية، ومن ثم اتجهت إلى تحويل الأزمة السياسية إلى معركة دينية، والترويج لنظرية المؤامرة على الإسلام التي تتخذها غطاءً لتمرير مشروعها الأيديولوجي.
تدير جماعة الإخوان معركتها مع الشعب المصري، من منطلق أيديولوجي نفسي، قائم على فكرة “الانتقام”، و”الثأر”، والترويج لمفاهيم “العقاب الإلهي”، إذ إنها لم ولن تنسى سقوط مشروعها الديني والسياسي على أيديه، ومن ثم يتمحور سعيها على إسقاط الدولة في فخاخ الفوضى والارتباك والتدهور، تطبيقاً لاستراتيجية “النكاية والإنهاك”، أو “النكاية والإرباك”، وتعني السقوط والانهيار، مثلما طرحها كتاب “إدارة التوحش”، الذي استلهم فكرته من نظريات المرجع التكفيري سيد قطب.
اعتماد جماعة الإخوان ووكلائها على الترويج لثقافة “الشائعات”، يأتي في إطار سيكولوجية “التأثير النفسي”، والتركيز على خفض الروح المعنوية، بعد فشل مشروعها المسلح في ظل قوة الأجهزة الأمنية المصرية، وسعيها إلى بناء دوائر شعبية تتبنى توجاتها الفكرية في ظل صعوبة قيامها بصناعة جيل جديد من القواعد التنظيمية، ووقف مشروعها المجتمعي.
يتمتع الشارع المصري الآن بمناعة قوية ضد الانسياق خلف مشاريع جماعة الإخوان وأهدافها، ومحاولاتها استبدال هوية الدولة ومرجعيتها الفكرية والثقافية، ويدرك كذلك حجم مخاطر الوقوع في براثن الفوضى والتفكك والسيولة الأمنية والسياسية، بعد تجربته المريرة مع حوادث “الربيع العربي”.
نقلاً عن “النهار” العربي