كريتر نت – فرانس برس
استضافت فرنسا النسخة الثالثة من كأس العالم لكرة القدم عام 1938، عندما كانت طبول الحرب العالمية الثانية تُقرع في أوروبا وألمانيا تبتلع النمسا بالـ”أنشلوس” وبعد سنتين من أولمبياد برلين الصيفي الذي استخدمه هتلر للدعاية النازية.
وبقيادة المدرّب الداهية فيتوريو بوزو، أصبحت إيطاليا أول منتخب يحتفظ بلقبه، فبرز جوزيبي “بيبّينو” مياتزا وجوفاني فيراري من الصامدين الأربعة في تشكيلة 1934، بالإضافة إلى سيلفيو بيولا صاحب هدفين في نهائي باريس ضد المجر (4-2) أمام 45 ألف متفرّج، وذلك بعد أن كبّدت “سكوادرا أتزورا” أول هزيمة بدولة مضيفة بفوزها على فرنسا في ربع النهائي (3-1)، ثم البرازيل في نصف النهائي (2-1).
وحصل لاعبو إيطاليا على 8 آلاف ليرة، ما يعادل راتب ثلاثة أشهر، وميدالية ذهبية فاشية قدّمها الزعيم بينيتو موسوليني في لقاء دام ربع ساعة في قصر فينيسيا في روما، لكن “الرياضي الأول” لم يحمل الكأس بنفسه.
وقبل المباراة الأولى أمام النرويج التي احتاجت فيها إيطاليا إلى هدف بيولا في الدقيقة الرابعة من الوقت الاضافي لتحقيق الفوز (2-1)، رفع لاعبوها التحية الفاشية مصطفين بأسلوب عسكري.
يروي بوزو المتوّج في 1934 أيضاً: قوبلنا بوابل من الصافرات والشتائم.. بعد هدوء العاصفة أنزلنا أيدينا، لكنها اندلعت مجدداً، رفعنا أيدينا مرّة أخرى لنؤكّد اننا لسنا خائفين. وبعد أن انتصرنا في معركة التهويل، لعبنا.
وغاب فريق المعجزات النمساوي ونجمه ماتياس سينديلار بعد الضمّ النازي، على غرار إسبانيا المنشغلة بحربها الأهلية، لكن ألمانيا ودّعت باكراً أمام سويسرا 2-4. بقيت إنجلترا على نزاع مع الاتحاد الدولي “فيفا” وأرسلت أميركا الجنوبية، المنزعجة لعدم مداورة الاستضافة، ممثلاً وحيداً لها هو البرازيل.
وللمرّة الأولى تمثلت قارة آسيا باندونيسيا التي لعبت تحت اسم الهند الشرقية الهولندية بعد أن تأهلت اثر انسحاب خصومها، وقد ودّعت باكراً من الدور الأول بنصف دزينة أهداف أمام المجر، كما شاركت كوبا والبرازيل من خارج أوروبا.
واختار مؤتمر فيفا الذي عُقد في برلين عام 1936 فرنسا لاحتضان النهائيات، اعترافا بجميل ابنها جول ريميه صاحب الفضل باطلاق البطولة، فأقيمت من 4 إلى 19 يونيو بمشاركة 15 منتخباً بينها 12 من أوروبا. عدم المداورة أثار غضب الأميركيين الجنوبيين، في نهائيات كانت الأخيرة قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية التي جمّدتها حتى عام 1950.
وهاجم جمهور أرجنتيني غاضب مقرّ اتحاد اللعبة في بوينوس أيرس بعد انسحاب الأرجنتين والأوروغواي. وللمرّة الأولى أعفيت المضيفة فرنسا وحاملة اللقب إيطاليا من خوض التصفيات.
فنياً، ظهر تباين في النهائي بين المهارات المجرية الأنيقة وسرعة الطليان وأسلوب لعبهم المباشر.
دَعَمَ الجمهور الباريسي المناهض لموسوليني المجريين، لكن الكأس بقيت إيطالية بالفوز 4-2، فقال الرئيس الفرنسي ألبير لوبرون : هؤلاء الطليان المباركين يفوزون بكلّ شيء.
أما حارس المجر أنتال سابو، فعلّق على برقية جدلية لموسوليني إلى اللاعبين الطليان قبل النهائي تضمّنت عبارة “الفوز أو الموت”، قائلاً : صحيح اني تلقيت أربعة أهداف، لكن على الأقل انقذت حياة 11 رجلاً.
وحصلت مفارقة طريفة في مباراة البرازيل وبولندا عندما خلع البرازيلي ليونيداس حذاءه ورماه خارج الملعب بسبب الأرضية الزلقة نتيجة الأمطار الغزيرة التي حوّلت ملعب “لا مينو” في ستراسبورغ إلى مستنقع، فاقترب منه الحكم السويدي إكليند وامره بانتعاله مجدداً.
وتمكن ليونيداس، المكنّى “الماسة السوداء” في أوروبا لانجازاته في المونديال و”الرجل المطاطي” (هومين بوراتشا) في البرازيل، من تسجيل ثلاثية في تلك المباراة (6-5 بعد التمديد)، لينهي صاحب الركلات الأكروباتية البطولة مع لقب الهداف بسبع محاولات ناجحة.
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية في 1939، توقفت كأس العالم 12 عاماً، بعد أن كانت نسخة 1942 مفترضة في البرازيل أو المانيا، فتغيّر مشهد المرشحين عندما استضافت البرازيل نهائيات 1950 وبدأت حقبة جديدة من كرة القدم العالمية.
وحتى تلك الفترة، اخذ الإداري اللامع في الاتحاد الإيطالي أوتورينو باراسي الكأس سراً من مصرف في روما واحتفظ بها في علبة أحذية تحت سريره، للحفاظ عليها خلال الحرب العالمية الثانية خوفاً من ان تقع تحت أيدي النازيين.