كريتر نت – متابعات
يُلاحظ المُتتبع لنشاط تنظيم القاعدة في اليمن، تنامي هذا النشاط خلال العام 2022، بعد تراجع هجماته في السنوات الماضية.
ولهذه العودة دلالات ومؤشرات وأسباب مكّنت التنظيم الإرهابي من الظهور بقوة، وكانت لهجماته فاعلية وتأثير بين أفراد مؤسستي الجيش والأمن، كما أثارت عودته قلقاً محلياً وإقليمياً ودولياً، خوفا من أن يكون قد استجمع قواه وجذب إليه عناصر جديدة، حيث يتركز في محافظات أبين وشبوة والبيضاء وحضرموت.
ويستعرض الدكتور حمود ناصر القدمي الكاتب المتخصص في الشأن اليمني، في تقرير نشر في مركز المستقبل للدراسات، بعض الهجمات التي قامت بها عناصر تنظيم القاعدة والتي أسفرت عن خسائر بشرية ومادية، وساهمت في إعادة انتشار الخوف والذعر بين أوساط اليمنيين الذين تنشط هذه العناصر في مناطقهم.
واختطف تنظيم القاعدة في 11 فبراير 2022 خمسة من موظفي الأمم المتحدة وهم في طريقهم من محافظة أبين إلى محافظة عدن، وطالب التنظيم بفدية قدرها 5 ملايين دولار مقابل إطلاق سراحهم، وهم ما زالوا مختطفين.
الهجمات تشير إلى تمتع التنظيم بقدرة بنيوية عالية، ما مكّنه من إعادة تشكيل أعضائه واختيار قيادات جديدة بالرغم مما لحق بقياداته خلال السنوات الماضية من تصفيات
ونفذ التنظيم في مارس هجوما بسيارة مفخخة يقودها عدد من الانتحاريين على موكب قائد الحزام الأمني في أبين، العميد عبداللطيف السيد، المُصنف بالخصم التاريخي للتنظيم الإرهابي، مما أسفر عن إصابته ومقتل 4 جنود من مرافقيه.
وفي 14 أبريل 2022 استطاع تنظيم القاعدة تحرير 10 من عناصره المسجونين بالسجن المركزي في مدينة سيئون بحضرموت، وهي عملية نوعية كشفت عن وجود اختراق أمني داخل القوات اليمنية.
وتعكس هجمات تنظيم القاعدة في جنوب اليمن خلال الفترة الأخيرة العديد من المؤشرات الخطيرة أبرزها الاستعداد العالي لتنظيم القاعدة، والناتج عن وضعه خططاً مُرتبة سلفاً. فمن خلال هذا النشاط وآلياته المُتبعة، تتضح قدرة عناصر القاعدة على التخطيط والتنفيذ في أكثر من موقع جغرافي وفي أكثر من محافظة، بما يشير إلى قدرته على الحركة والتنقل والضرب في مواقع أمنية ذات دلالة تؤكد الإمكانيات المادية والبشرية للتنظيم.
وتشير الهجمات إلى تمتع التنظيم بقدرة بنيوية عالية، ما مكّنه من إعادة تشكيل أعضائه واختيار قيادات جديدة بالرغم مما لحق بقياداته خلال السنوات الماضية من تصفيات، مثل ناصر الوحيشي وقاسم الريمي وأنور العولقي.. وغيرهم، بالإضافة إلى قدرة التنظيم أيضاً على استقطاب عناصر ودماء جديدة مكّنته من رفع كفاءته وتوسيع عملياته.
كما تعكس تلك الهجمات نجاح التنظيم في توظيف الصراعات المناطقية حيث استغل الصراعات والاختلافات بين مكونات المجتمع اليمني، مثل الخلافات والصراعات المناطقية من أجل السلطة والنفوذ، والتي تؤدي إلى صراعات داخلية في مؤسسات الدولة وظفها التنظيم واخترق من خلالها بنية المجتمع، بالإضافة إلى استغلال الانقسامات بين مكونات الشرعية، حيث ساهم عدم الاستقرار الذي تعيشه بعض مناطق الشرعية في بروز تنظيمات فاعلة خارج جسد السلطة، كان لها دور في زعزعة الأمن والاستقرار، وأدت إلى انتشار الفوضى، ومنها تنظيم القاعدة الذي تمدد وجنّد عناصر تابعة له، بوجود معسكرات معروفة في جبال ووديان عدد من المحافظات لاسيما الجنوبية.
ويرجع الكاتب عودة نشاط تنظيم القاعدة وتصاعد هجماته في اليمن إلى عدة أسباب من بينها مقاومة البعض من التغييرات في إطار السلطة الشرعية.
ويبدو أن هناك فئات مُتضررة من الإجراءات التي حدثت في تشكيل المجلس الرئاسي اليمني في أبريل الماضي، ويشير البعض هنا إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح “الإخواني”، حيث أن معاودة نشاط تنظيم القاعدة توافقت مع التغيير الذي جرى في السلطة الشرعية وتكوين هذا المجلس برئاسة رشاد العليمي.
ويقول الكاتب إن هناك اتهامات علنية على توافق المصالح بين ميليشيا الحوثيين وتنظيم القاعدة. فمع الاتفاق على الهدنة الأممية بين الشرعية والحوثيين منذ أبريل الماضي، تصاعدت هجمات القاعدة في مناطق الشرعية فقط، وتزامن ذلك أيضاً مع أخبار متواترة عن إطلاق الحوثيين سراح عناصر من تنظيم القاعدة كانوا في سجونهم منذ سنوات، ويؤكد البعض أن ثمة صفقة بين الجانبين في إطار توجه عناصر التنظيم إلى مناطق الشرعية ومباشرة نشاطهم في مواجهتها، وتأمين مناطق تركزهم في محافظة البيضاء كنقطة انطلاق.
هجمات تنظيم القاعدة في جنوب اليمن خلال الفترة الأخيرة تعكس العديد من المؤشرات الخطيرة أبرزها الاستعداد العالي للتنظيم
أما السبب الرئيسي فيتمثل في عدم الاستقرار الذي يشهده البلد حيث تعاني بعض مناطق الشرعية في اليمن عدم استقرار سياسي واقتصادي وأمني، في ظل عدم قدرة المجلس الرئاسي حتى الآن على خلق واقع جديد يقوم على فرض سيادة الدولة، وهو ما هيأ المناخ لظهور وعودة نشاط تنظيم القاعدة ومحاولته إظهار نفسه كتنظيم فاعل على الساحة اليمنية مُستغلاً حالة الفوضى التي تعيشها بعض مناطق الشرعية.
وتعد محاولة نشر المذهب الشيعي واحدة من العوامل الرئيسية حيث أدى فرض ميليشيا الحوثيين المذهب الشيعي الإثنا عشري في شمال اليمن، إلى رد فعل لدى بعض الجماعات السُنية، خصوصاً من الشوافع، وذلك بالسماح بظهور تنظيم القاعدة في مناطقهم خوفاً من وصول الحوثيين إليها وفرض مذهبهم بالقوة، حيث يرى البعض من أبناء تلك المناطق أنه حائط صد في مناطق الشرعية ضد أي تقدم لميليشيا الحوثيين.
وقد يتناقض هذا السبب مع ما ظهر من توافق في المصالح بين الحوثيين والقاعدة، حيث يشير الواقع إلى وجود أهداف مشتركة للطرفين، وهي أهداف تُمليها الظروف وإن كانت مؤقتة.
وجاءت الهجمات الإرهابية الأخيرة لتنظيم القاعدة في اليمن، في جزء منها، رداً على العمليات العسكرية التي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي، وبدعم من تحالف دعم الشرعية، والهادفة إلى الحد من نفوذ وتهديدات القاعدة. إذ أطلق المجلس الانتقالي عملية “سهام الشرق” في محافظة أبين يوم 22 أغسطس 2022، لتأمينها من العناصر الإرهابية. كما أطلق يوم 10 سبتمبر الجاري عملية بمحافظة شبوة تحت اسم “سهام الجنوب”، لتطهيرها من التنظيمات الإرهابية أيضاً. وأعلنت القوات الجنوبية، في 18 سبتمبر الجاري، سيطرتها على معسكر عومران الإستراتيجي في أبين، وهو أكبر معاقل تنظيم القاعدة.
ويرى الكاتب أنه لمواجهة تنظيم القاعدة ومحاولة اجتثاثه وتجفيف منابعه في جنوب اليمن، لابد من وجود بيئة محلية وإقليمية ودولية مواتية. ويمكن أن يتم ذلك من خلال اتخاذ إجراءات حقيقية تُمكن الحكومة الشرعية من بسط نفوذها وتفعيل القانون وتوحيد مؤسستي الجيش والأمن، وتسليح وتدريب كل القوات على أساس ولاء وطني واحد، بالإضافة إلى تكاتف الجهود وتوحيد الصفوف لكل مكونات السلطة الشرعية.
ولن يتأتى ذلك إلا بالمزيد من الجهود من قِبل تحالف دعم الشرعية للوقوف وراء تحقيق هذا الهدف، مع العمل على تعزيز نقاط التوافق وتضييق الهوة فيما هو غير متوافق عليه.