أحمد عمر بن فريد
خلال السنوات الماضية، اتاحت لنا الظروف وطبيعة الأحداث والتطورات السياسية المتلاحقة في بلادنا، عقد الكثير من اللقاءات مع عدد لا بأس به من الدبلوماسيين العرب على فترات متقطعة، وغلب على تلك اللقاءات الى حد بعيد صبغة واحدة، كما خضعت لنمطية فكر تكاد تكون موحدة في التحليل والتفسير, وحتى في الحلول المقترحة لـ” قضية الجنوب ” من قبل تلك المجموعة المحترمة من الدبلوماسيين العرب.
كما أن تلك اللقاءات في مجموعها, كانت دائما ما تتسم بالسخونة وربما الحدة في النقاش على اعتبار انها من نوعية الحوارات التي لا تحتمل ولا تحتاج الى اي قدر من المجاملات أو التسطيح في الطرح, بقدر ما تحتاج الى الصراحة والوضوح والجرأة ..
مهما كان هذا الوضوح ” صادما ” أو ” مفاجئنا ” او حتى غير متوقعا, سواء كان في منطقية المضمون, أو في المعلومة التي يتضمنه والتي غالبا ما كانت – مع الاسف الشديد – العامل المشترك الحاضر في مختلف الحوارات.
من المؤسف أن نقول أن المنطلقات أو الأسس التي يبني عليها ” الدبلوماسي العربي ” مفهومه لقضيتنا الوطنية, هي منطلقات وأسس ” خاطئة ” .. وعطفا على ذلك, تصبح فكرته ومفهومه للقضية ” مشوها ” ما يحتم عليه بالضرورة ان يتبني استنتاجات محددة تقوده تبعا لذلك الى حلول خاطئة!.
أما لماذا تتسم تلك النقاشات بالحدة والسخونة . فلأنها “تمس” تلك المرتكزات والأسس التي يستند عليها الدبلوماسي العربي ويعتبرها من ” المسلمات ” التي لا تقبل الجدل أو التشكيك، فكيف هو الحال حينما يجد أمامه من يفند هذه الأسس التي بني عليها افكاره لينسفها من اساسها بمجموعة من الحقائق الدامغة، التي يعززها طرح منطقي متماسك.
يبنى الدبلوماسي العربي كما اسلفنا فهمه لقضيتنا على أساس مجموعة من المعلومات الخاطئة التي ترقى في ذهنه الى مرتبة الحقائق، كمثل أن اليمن يحمل معنى تاريخي لدولة سياسية واحدة موحدة، كانت على مر العصور تحمل هذه الهوية السياسية لشعب واحد يخضع لسلطانها وهي بالضبط هذه الجغرافية السياسية لدولة ” الجمهورية اليمنية ” بعاصمتها صنعاء! .. وعلى هذه الأساس الخاطيء يطرح صديقنا البلوماسي العربي السؤال التالي: لماذا تريدون أنتم في الجنوب الانفصال عن كل هذا ؟! ولكنه يتفاجأ حينما نقول له أن اسم ” اليمن ” يا صديقنا العزيز لم يدخل في مسمى اي دولة عبر التاريخ الا في عام 1918 مع الامام يحي حميد الدين ومملكته.. المملكة المتوكلية الهاشمية، التي تحول اسمها إلى لاحقا الى المملكة المتوكلية اليمنية، وهذه المرة الأولى التي يرتبط فيها اليمن بمسمى دولة عبر التاريخ.
اي ان مسمى اليمن على مر العصور كان اشارة إلى ” جغرافية مكان ” وليس إلى هوية سياسية لدولة، شأنها في ذلك شأن جغرافية الشام تماماً، باعتبار ان اليمن هو قرين مسمى الشام في الوجود، والسردية التأريخية العربية أيضا.
كما ان صديقنا العربي يفشل في تفسير لماذا لا تكون هناك مطالب عربية بوحدة الشام كما هو الحال مع ما يسمى بوحدة اليمن، خاصة وهو يشاهد بأم عينيه ان الشام يتواجد على جغرافيتها عدة دول عربية مستقلة واذا ما ذكر له مسمى الجنوب العربي، تحجج بان هذا المسمى هو اختراع بريطاني، غير مقبول “.
وينسى صديقنا الدبلوماسي انه بما يطرح يضع نفسه في مأزق كبير لأن التاريخ يقول لنا وله أيضا بأن ” اتفاقية سياكس – بيكو ” على سبيل المثال لا الحصر . هي ايضا هندسة ( بريطانية – فرنسية ) قسمت بموجبها بلاد الشام الى هذه الدول العربية المستقلة التي تقع عليها حاليا ويدافع عن وجودها وسيادتها وحدودها السيادية الجغرافية التي رسمها وحددها بدقة المستعمر الغربي ! .. فكيف بنا تقبل هذه الهندسة وذلك التقسيم الأجنبي في الشام ولا نقبل به في اليمن مثلا أو في اي جغرافية عربية أخرى تحولت لاحقا الى دولة ذات سيادة ؟! هذا ان سلمنا جدلا ان مسمى اليمن يحمل ويعني هوية سياسية اصلا خلاف ما ذكرناه, أو أن هناك دولة واحدة كانت قائمة على جغرافيتها عبر التاريخ تحمل اسم اليمن الا في 22 مايو 1990 م . حينما دخلت دولتان عربیتان مستقلتان هما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وعاصمتها عدن, مع دولة الجمهورية العربية اليمنية وعاصمتها صنعاء في مشروع وحدة اندماجية .
كما ينسى صديقنا العربي, أن الغالبية العظمى من الدول العربية رسمت حدودها بتدخل مباشر أو غير مباشر من قبل الاستعمار الغربي .. سواء مكان هذا المستعمر بريطاني او فرنسي او ايطالي, وعليه ووفقا لذلك أن يقر ويعترف أن ” مشروعية الوجود ” لدولة الجنوب التي حققت الاستقلال يوم 30 نوفمبر 1967 م تحمل تماما نفس مشروعية الوجود التي تحملها بقية الدول العربية الأخرى, ولا يضير مشروعية وجود هذه الدولة ان اختارت قيادتها السياسية مسمى ” جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ” كمسمى رسمي لهذه الدولة الوليدة, علما بان جدلا كان قد دار ما بين القيادات الجنوبية في عدن حينها, حول ماهية المسى السياسي للدولة الوليدة .. فكان يمكن لقضيتنا ” قضية الجنوب ” ان تحمل معنى سياسي مختلف تماما عما هو عليه حاليا, فيما لو استقرت القيادة يومها على مسمى مختلف كمسمى ” دولة حضرموت ” مثلا وهو خيار كان مطروح بقوة على طاولة النقاش يومها.
ويكون الحوار مع الدبلوماسي العربي خاصا . و يحمل طابعا كوميديا غير معلن, حينما يكون الجالس امامنا من ” بلاد الشام ” سواء كان من سوريا أو من لبنان أو فلسطين .. لأنه كان الأحرى بصديقنا الشامي ان يسأل نفسه عن وحدة بلاد الشام اولا قبل ان يحاضرنا عن وحدة اليمن ؟ .. كان عليه أن يسأل نفسه , لماذا لم تكن الشام عبر التاريخ دولة موحدة , أو لماذا لم يحمل مسمى الشام معنى لهوية سياسية للشعب العربي الذي يسكن جغرافيتها ! .. فكيف به يحاجج حاليا على أمرا متطابق مع حالته الشامية ومطالبا نحن في الجنوب حصريا بنقيضه.
ايها السادة العرب .. ان الدولة العربية التي أنجزت استقلالها يوم 30 نوفمبر 1967 م وعاصمتها عدن هي دولة عربية مستقلة، تحمل بنسبة 100 %جميع عناصر مشروعية الوجود التي تحملها دولكم المستقلة التي نحترمها ونقدر وجودها ,والتي تدافعون باستمامتة عن حدودها ووجودها وسيادتها اذا ما تعرضت لأذى , فلماذا تستثكرون علينا في الجنوب ان نغضب من اجل حدود دولتنا الوطنية , وعلى نضالنا من أجل استعادتها الى الوجود بغض النظر عن تجربة سياسية خاطئة خاضتها في مرحلة ما قيادتها السياسية وانتهت بها الى الدخول في ” مشروع ” وحدة فاشلة مع دولة عربية اخرى يوم 22 مايو 1990م .
في الحقيقة أن الحديث في هذا الشأن مع ” الدبلوماسية العربية ” متشعب وشيق وهو لم ينته بعد ببلوغ
هذا المستوى , بل له جوانب أخرى هامة ,سوف نستكلمها معكم بعون هللا في الحلقة الثانية , خاصة وان النتيجة التي توصلنا لها في آخر المطاف كانت ” مثيرة للاهتمام ” وموحدة من قبل جميع من التقينا بهم من الدبلوماسيين العرب .
نقلاً عن اليوم الثامن