القاهرة – ناصر حاتم
تحل اليوم الذكرى التاسعة لاغتيال المقدم محمد مبروك مسؤول ملف النشاط الديني بجهاز الأمن الوطني في مصر، والذي تعرض للاغتيال في 18 نوفمبر 2013 بـ12 طلقة.
ووفقا للباحث المصري في شؤون الإسلام السياسي عمرو فاروق، يعتبر المقدم محمد مبروك أحد تلاميذ اللواء أحمد رأفت، أحد العقول الأمنية المصرية التي انحازت بقوة لما يسمى بـ”المراجعات الفكرية”، في محاصرة موجات العنف في تسعينات القرن الماضي، وتفعيل مبادرة الجماعة الإسلامية، تحت عنوان “تصحيح المفاهيم” عام 2002، وتبعتها بتنظيمات الجهاد المصري من خلال وثيقة “ترشيد العمل الجهادي” عام 2007، التي كتبها الدكتور سيد إمام.
ووفقا للباحث المصري تلقى المقدم محمد مبروك، على ما يزيد على 10 دورات تدريبية في مجال مكافحة الإرهاب، ما مكنه من استيعاب ملف التيارات الأصولية، وجماعات العنف المسلح، منذ دخوله بوابة جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا)، برتبة ملازم أول عام 1997، فضلا عن ملازمته المستمرة، وقربه الشديد من اللواء أحمد رأفت، الذي تولى مسؤولية ملف نشاط الجماعات التكفيرية والمتطرفة بعد اغتيال اللواء رؤوف خيرت، في16 أبريل عام 1994.
وأشار إلى أن مبروك كان شاهدا على الكثير من الأحداث المتعلقة بجماعة الإخوان والتيارات المتشددة في السنوات الأخيرة من نظام الرئيس مبارك، لا سيما ملف التنظيم الدولي، وملف علاقاتهم بدوائر صنع القرار الأمريكي والأوروبي، فضلا عن دراسته ومتابعته الدقيقة لخريطة التنظيمات الإرهابية التي تشكلت في عمق سيناء وزاد نشاطها عقب 2011 مباشرة.
وأوضح فاروق لم يكن محمد مبروك بالنسبة لجماعة الإخوان والتنظيمات الأصولية مجرد ضابط عادي في جهاز الأمن الوطني لكنه، كان بمثابة كمبيوتر مسجل عليه كافة التفاصيل والمعلومات التي من شأنها تكشف تورط الجماعة وتدين قياداتها الفاعلة والرئيسية
لاسيما أنهم عملوا فعليا على تنفيذ مشروع يستهدف تسريح مخلتف قيادات جهاز أمن الدولة المحسوبة على نظام الرئيس مبارك، منذ أحداث يناير 2011، كنوع من خلق كيانات أمنية جديدة يمكن تحيدها تجاه المشروع الإخواني في حال عجزهم وفشلهم عن الإختراق التام للجهاز وقياداته وسياساته.
وتابع الباحث المصري: “لا يمكن بحال فصل قضية اغتيال المقدم محمد مبروك، عن اقتحام مقرات أمن الدولة في توقيتات زمنية واحدة التي تمت في 4 مارس 2011 ، فينفس المنهجية التي استخدمتها جماعة الإخوان وقياداتها في الخلاص من مختلف الملفات التي تدينها وتكشف مخططها، وتدمير مخلتف الملفات المحملة بأكبر قدر من المعلومات عن المشروع السياسي للتنظيم الإخواني، كنوع من غسيل سمعة الجماعة وتاريخها أمام الرأي العام، كانت عملية الخلاص من أهم ضابط في جهاز الأمن الوطني في تلك المرحلة لما يحمله من تفاصيل من شأنها تسقط النقاب عن الوجه القبيح للتنظيم الإخواني وجرائمه”.
وأشار إلى أن قيادات الإخوان عملوا منذ وصولهم للسلطة على إبعاد محمد مبروك نهائيا عن جهاز الأمن الوطني، وطالبوا رسميا بتسريحه لصلته الكبير بمراقبة نشاط الحركات الأصولية، لكن وزير الداخلية حينها اللواء أحمد جمال الدين، أبلغهم بضرورة وجود المقدم مبروك، بصفته المسؤول عن محاضر تحريات قضية خلية “مدينة نصر”، وحضوره كشاهد أمام القضاء في جلسات المحاكمة، ما يستلزم وجوده في الخدمة.
ونوه بأن مبروك كان بحكم عمله ومتابعته لملف جماعة الإخوان في تلك المرحلة، شاهدا على أخطر القضايا التي تمس الأمن القومي المصري، منذ تحركات الجماعة وتجهيزهم لمسارات “الفوضى الخلاقة”، التي رسمت سيناريهات أسقاط الأنظمة السياسية العربية، وإحلالها بمكونات الإسلام السياسي، وصناعة ما يعرف بـ”التقسيمات الطائفية والمذهبية”، في عمق المنقطة العربية.
ولم تتوقف ضغوط الجماعة للتخلص بقوة من محمد مبروك، فتم نقله إلى فرع الجهاز بمدينة 6 أكتوبر، وأعيد إلى عمله بالمقر الرئيسي عقب ثورة 30 يونيو 2013، وتم تكليفه بجمع التحريات في القضية رقم 371 لسنة 2013 وأصلها 275 لسنة 2013 حصر أمن الدولة العليا، المعروف إعلاميا بـ”التخابر الكبرى”، وقضية “الهروب من سجن وادي النطرون”، وتقديمها لنيابة أمن الدولة العليا، والتي كشفت عن ترتيبات قيادات الإخوان لمشهد إسقاط النظام السياسي، واتصالاتهم بجهات خارجية متعددة.
ضمت أوراق القضية “التخابر الكبرى” شهادة المقدم مبروك، وتقريره حول رصد مكالمات هاتفية بين “مرسى”، والقيادي الإخواني أحمد محمد عبدالعاطي، الذي كان متواجدا بتركيا حينها، بناء على إذن صادر من نيابة أمن الدولة العليا بتاريخ 9 يناير 2011.
وكشفت التنسيق بين قيادات مكتب الإرشاد وعناصر من الإستخبارات الأمريكية بتاريخ 21 يناير 2011، قبل أحداث 25 يناير بعدة أيام، حيث أحاط قيادات الجماعة الاستخبارات الأمريكية بموقفها ودورها في تحريك الشارع، من خلال إعلانها 10 مطالب كانت تتوقع أن يرفضها النظام، ما يساعدها على زيادة تأجيج الأوضاع.
تسجلت ايضا التحريات والمعلومات التي أدلى بها المقدم محمد مبروك، بشكل دقيق وموثق تحركات عناصر حماس وحزب الله داخل مصر، بداية من الدخول للبلاد عبر أنفاق غزة، مروراً بعمليات المواجهة مع قوات الشرطة، وحتى الانفصال إلى 3 مجموعات توجهت لتنفيذ مخطط اقتحام سجون وادي النطرون والمرج وأبوزعبل.
كانت عملية إغتيال المقدم محمد مبروك، المرة الثالثة التي يتعرض فيها لمحاولة الإغتيال، لتحقق ننتائجها بمعاونة عدد من ضباط جهاز الشرطة الذين تبنوا الأطر الفكرية للتيار القطبي، وتم استقطابهم وتجنيدهم بما يحقق المشروع السياسي الديني لجماعة الإخوان في قلب القاهرة في مقدمتهم الضابط محمد عويس، والذي كلف بتقديم كافة معلومات التحرك والمراقبة والأكواد الأمنية الخلاصة بالمقدم محمد مبروك، بجانب عدد أخر من ضباط جهاز الأمن الوطني.
واعترف محمد عويس، في تحقيقات النيابة، بتعاونه مع عناصر “تنظيم بيت المقدس”، وتسليم معلومات خاصة بضباط جهازالأمنت الوطني وفي مقدمتهم زميله وصديقه الشخصي، المقدم محمد مبروك، منها خط سيره ورقمه الكودي ومحل إقامته، بهدف تنفيذ عملية اغتياله، فضلا عن تأثره بالخطاب الديني المتطرف.
اغتيال المقدم محمد مبروك، مسؤول ملف النشاط الديني داخل جهاز الامن الوطني كان بمثابة رسالة، واضحة من قيادات جماعة الإخوان، لتنفيذ مسلسل كامل لاغتيال كبار قيادات المؤسسات الأمنية والسيادية، بعد سقوط حكمهم وكشف مخططهم أمام الرأي العام، لاسيما التقارير المرفقة بالصوت والصورة وكافة المستندات التي قدمها المقدم محمد مبروك، والتي من شأنها أن تضعهم جميعا على منصة الإعدام.
المصدر RT عربية