رشا عمار
صحفية مصرية
في خطوة مباغتة لقطع الطريق أمام جبهة لندن، والاستحواذ على منصب القائم بأعمال المرشد، أعلنت جبهة إسطنبول أمس تعيين محمود حسين قائماً بأعمال مرشد الإخوان، خلفاً لإبراهيم منير الذي توفي في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وبررت الخطوة بأنّ حسين هو الوحيد من أعضاء مكتب الإرشاد المصري خارج السجن، وأنّه صاحب الحق في تولي المنصب وفق اللوائح التنظيمية للإخوان.
وحسب بيان صادر عن جبهة الإخوان في إسطنبول، قرر مجلس الشورى العام، بعد مناقشة الأمر خلال عدة جلسات الأسبوع الماضي، تفعيل العمل بالمادة الخامسة من اللائحة العامة للجماعة، وتنفيذها وفق نصها الأصلي.
وتنص المادة على أنّه: “في حال حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة المرشد العام لمهامه يحل محله نائبه الأول، ثم الأقدم فالأقدم من النواب، ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد”.
وبناء على رؤية البيان، ونظراً لأنّه لا يوجد حالياً من أعضاء مكتب الإرشاد بعد اعتقال محمود عزت سوى محمود حسين، فقد قرر المجلس أن يتولى حسين مهام القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي المقابل، ردت جبهة لندن وأعلنت أنّ القائم بأعمال المرشد العام للجماعة هو محيي الدين الزايط، إلى حين استكمال الترتيبات اللازمة بتسمية القائم بالأعمال، خلفاً لإبراهيم منير.
وقال القيادي في جبهة لندن أسامة سليمان، في تدوينة عبر “فيسبوك”: إنّ “الجماعة تؤكد أنّ القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين هو محيي الدين الزايط، إلى حين استكمال الترتيبات اللازمة بتسمية القائم بالأعمال، خلفاً لمنير”.
تعميق جديد للأزمة
الكاتب المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب حسين القاضي، يقول في تصريح لـ”حفريات”: إنّ قرار حسين يُعدّ تعميقاً كبيراً آخر للأزمة القائمة بين جبهتي لندن وإسطنبول، ويؤكد شتات الجماعة وانشطارها.
ويشير القاضي إلى أنّ القرار الذي أورده البيان جاء عن مجموعة إسطنبول مُصدَّراً بالآية القرآنية: (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ)، لكنّه قرار يزيد تعميق الأزمة بين جبهات الإخوان، وتم دون مشورة، لأنّ الذي اختار محمود حسين هو نفسه محمود حسين، عن طريق المذكرة التي قدمتها له اللجنة القائمة بعمل المرشد العام، وهذه اللجنة التي يرأسها مصطفى طلبة، إنّما اختارها محمود حسين، ويرأسها على وجه الحقيقة محمود حسين.
ويصف القاضي القرار بأنّه استباقي، وأنّ المراد به إغلاق الطريق على جبهة لندن، وتعجيزها عن تعيين مرشد جديد، في حين تستعد هذه الجبهة لترتيب إجراءات اختيار خليفة لإبراهيم منير، وهو ما جعل الإخواني عصام تليمة يشنّ حرباً شديدة على محمود حسين بسبب هذا الاختيار فور صدور القرار.
وحول الرد المتوقع، عبّر القاضي عن اعتقاده بأنّ جبهة لندن لن تسمح بمرور هذا القرار، وسوف ترد عليه بتعيين قائم بأعمال المرشد، أغلب الظن سيكون محمد البحيري، خاصة أنّ محمود الإيباري تم تعيينه الأمين العام للتنظيم الدولي منذ أيام بعد وفاة إبراهيم منير.
سيناريو التحول إلى تيار بات قريباً
ووفق القاضي، سيبقى المشكل الأكبر في الموضوع متعلقاً بالتوجهات الفكرية لكلتا الجبهتين، أو بالأحرى الجبهات الـ (3)، فهناك سيناريو مطروح يرى أنّ الجماعة ستتحول إلى تيار فكري خالص لا يتطلب من الفرد المنتمي للجماعة أن يكون تنظيمياً، بل يكفي أن يكون معبّأ بالغضب والكراهية والحالة النفسية التي يلعب عليها الإخوان، وتخفيف قيود التجنيد والتعبئة التنظيمية، ليصبح المجتمع هو قلب الفكرة ووعاؤها.
ويضيف القاضي: “في مقابل جبهة محمود حسين المعتصمة في الزمان، وفي مقابل عدم وجود إخواني في الداخل المصري على وجه الحقيقة، أعتقد أنّ الجبهة الثالثة، جبهة الكماليين، سيكون موقفهم مهمّاً لما يترتب على الاستقبال، وسينحو موقفهم نحو رفض القرار والتعاطي مع الداخل المصري عن طريق العنف”.
تنظيم متفكك و(3) رؤوس
ويرى الباحث المصري المتخصص في الشأن الأصولي عمرو عبد المنعم أنّ إعلان جبهة إسطنبول تعيين محمود حسين، هو تحدٍ لقرار جبهة لندن التي عينت من قبل الزايط، لافتاً إلى أنّ التنظيم بذلك أصبح له قائمان بأعمال المرشد؛ واحد في لندن، والثاني في إسطنبول.
وأوضح في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط” أنّ هذا التطور الكبير سوف يعمق الخلافات داخل الإخوان، وسوف يدفع (جبهة لندن) إلى الدفاع عن المنصب، الذي كان يشغله منير في السابق، والزايط حالياً بشكل مؤقت، متوقعاً أن تُصعّد مجموعة لندن المشهد، وتعلن عن إجراءات جديدة تخص منصب القائم بأعمال المرشد خلال الساعات المقبلة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ خلافات الإخوان قد بدأت منذ أعوام، وتعمقت بشكل كبير في عام 2020، بعد أن ألقت السلطات المصرية القبض على “محمود عزت” نائب المرشد والرجل القوي في الجماعة، في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، ومن ثم انتقلت القيادة إلى إبراهيم منير نائب المرشد، المقيم في لندن.
وقد رفض أمين عام الجماعة محمود حسين أسلوب منير في الإدارة، فانفجر الخلاف بينهما على القيادة، وتحولت الجماعة إلى (3) جبهات.
شمل الانقسام الحاد كلّ قيادات الصفين الأول والثاني، وحتى آخر مستوى تنظيمي، فتحولت الجماعة إلى (3) تنظيمات، لكل منها مجالسه ومكاتبه وقنواته الإعلامية، أقواها جبهة لندن بقيادة منير، ثم جبهة إسطنبول بقيادة حسين وهي أقل عدداً، لكنّها متماسكة ومتصلة بالداخل المصري، وتحظى بتأييد خيرت الشاطر ورجاله في الجماعة، ثم جبهة المكتب العام أو “الكماليون”، وهم أقل عدداً وأقل تماسكاً، ولكنّهم يملكون خطاباً حادّاً يمكن تسويقه بين صفوف الشباب، ويسهل إيجاد راعٍ له ليستخدمهم كيف يشاء، وفق تقرير سابق لـ “حفريات”.
وتشير كافة التقديرات إلى أنّ الأيام المقبلة ستشهد فصلاً جديداً أكثر ضراوة من الصراع المحتدم بين قيادات التنظيم لحسم مراكز السلطة والمال داخل الإخوان، في حين من المرتقب أن تعلن جبهة لندن خلال ساعات عن تعين القيادي الإخواني محمد البحيري قائماً بأعمال المرشد، وبهذه الخطوة تكون الجماعة قد انقسمت إلى تنظيمين أو (3) تنظيمات، في حال رفض تيار التغيير الاثنين معاً.
المصدر حفريات