كريتر نت – متابعات
تُعزز قمة المناخ (كوب 27) في شرم الشيخ، والتي اختتمت السبت الماضي بعد تمديدها ليوم واحد لتجاوز بعض الخلافات، من دخول مصر مجال الهيدروجين الأخضر وإمكانية تحولها إلى مركز إقليمي لتجارته، ما يتزامن مع سباق تشهده دول المنطقة العربية بالقطاع الواعد.
وخطت الحكومة المصرية خطوة عملية للدخول في سباق توليد وإنتاج الهيدروجين الأخضر كوقود نظيف يحد من انبعاثات الكربون الناجمة عن استخدام الوقود الأحفوري عبر تنفيذ صفقات كبيرة مع شركات ومؤسسات أجنبية، استنادا إلى ما تتمتع به البلاد من مقومات جيدة.
وتعلق القاهرة آمالا على الأوروبيون ليقدموا دعما لمنتجي الطاقة الخضراء في البلاد لتصدير المنتج إلى دولهم الساعية إلى زيادة الاعتماد على الهيدروجين وتقليل استخدام الغاز الطبيعي.
وأعلن مجلس الوزراء أنه خلال فعاليات يوم الطاقة بمؤتمر المناخ جرى توقيع 9 اتفاقيات إطارية لتنفيذ مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته باستخدام الطاقة البديلة من الرياح والشمس بقدرات تصل إلى 47 ألف ميغاواط وسيتم توليد 24 ألف ميغاواط من قدرات التحليل الكهربائي.
وتصل قيمة الاستثمارات التي ستوفر 45 ألف فرص عمل مباشرة و230 ألفا غير مباشرة إلى 85 مليار دولار. ومن المستهدف أن تسهم المشاريع في خفض انبعاثات الكربون بنحو 39 مليون طن سنويا.
والهيدروجين الأخضر هو دورة مركبة يتم من خلالها توليد الوقود بعيدا عن الكربون، والحصول على طاقة نظيفة عبر الشمس والكهرباء والماء، ويستخدم في المنازل والمركبات والمصانع.
ورغم حجم الاستثمارات الهائلة لهذه المشاريع والاتفاقيات المعلنة لم تكشف القاهرة تفاصيل التمويل. لكن بالنظر إلى خارطة طريق تمويل المناخ التي وضعت في أثناء القمة عبر منصة “نوفي”، ودليل شرم الشيخ للتمويل العادل يمكن استنتاج أنه سيكون تمويلاً مختلطا.
ومن المتوقع أن يكون عبر التعاون بين الحكومة والبنوك الأجنبية ومتعددة الأطراف لجذب حصيلة جيدة من الاستثمار الأجنبي المباشر من قبل جهات فاعلة في القطاع الخاص.
وقال رمضان أبوالعلا أستاذ الطاقة بجامعة فاروس بالإسكندرية لـ”العرب” إن “إنتاج الهيدروجين يتم بعمليات لا تترتب عليها أضرار للمناخ، ويستخلص غالبا من الطبيعة، سواء عبر الهواء أو الشمس، لأنه بمثابة طاقة غير معدمة”.
ولدى مصر مقومات عديدة لنجاح إنتاج الهيدروجين، حيث تطل على البحرين الأحمر والمتوسط، وتتوافر لديها سهولة تحليل المياه، ثم يتم استخلاص الهيدروجين فقط دون انبعاثات كربونية.
وأوضح أبوالعلا أن مستقبل الطاقة سيكون في صالح الهيدروجين كوقود نظيف، وهناك صراع إقليمي ودولي على الريادة في ذلك المجال، لأن الغاز الطبيعي من المتوقع تراجعه، وربما نضوبه في العام 2050، حسب تقديرات دراسات عالمية.
وأكد أن إنتاج الهيدروجين من العمليات المعقدة للغاية، وتستعين القاهرة في سبيل اقتحام القطاع بالأسواق العالمية وكبرى الشركات الدولية، ويتضح ذلك عبر الاتفاقيات التي أبرمتها في شرم الشيخ، ما يعزز من تحولها إلى مركز إقليمي لتجارته.
وأبدت مؤسسات تنموية دولية، مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار، اهتماما بالمشاريع المعلنة حديثا بمصر، وتعهدت الولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى بتقديم 550 مليون دولار لدعم الانتقال إلى الطاقة النظيفة بالبلاد.
وأشار رمضان أبوالعلا إلى أنه لو تم إنتاج الهيدروجين باستخدام الغاز لن تترتب على ذلك انبعاثات كربونية ضارة، إذ تُجرى معالجات على الغاز ينتج منها الهيدروجين الأخضر بصورته النظيفة.
ورغم الحجم الهائل للاتفاقيات التي أبرمتها مصر مع الشركات والمؤسسات العالمية لكنها تشبه مذكرات التفاهم التي توقع في محافل عدة، ولم يكن ثمة تأثير لها على الحالة الاقتصادية.
ولعل أبرزها المؤتمر الاقتصادي في العام 2015 وشهد توقيع مذكرات تفاهم بلغت قيمتها نحو 194 مليار دولار لم تشهد النور لإنقاذ الاقتصاد.
ويكمن التحدي الأكبر لمساهمة تلك الصفقات في إنقاذ مصر من أزمتها في أن تتحول الاتفاقيات التي أبرمت في شرم الشيخ إلى مشاريع عملية وتنفذ على أرض الواقع.
وهذا يتطلب تشكيل لجان تضم أعضاء من الحكومة والمؤسسات الدولية، وتذليل كافة العقبات التي يمكن أن تعترضها حتى لا تدخل المشروعات الطموحة في دهاليز البيروقراطية وتصبح كأنها لم تكن.
وأكد حسين الغزاوي الخبير في شؤون الطاقة لـ”العرب” أن مصر تتمتع بوفرة في الموارد الطبيعية، ما يسمح بتوليد الطاقة المتجددة بكلفة تنافسية للغاية.
وأوضح أن هذا عامل تمكين رئيسي لإنتاج الهيدروجين فموقع البلد الإستراتيجي وقربه من الأسواق الراغبة في شراء هذه الطاقة يسهمان في انتعاش القطاع.
85 مليار قيمة الاستثمارات المقررة ستوفر نحو 275 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة
وتشير تقديرات بعض الخبراء إلى أن القاهرة لن تضيّع الفرص الواعدة في ظل المعاناة التي يشهدها اقتصادها بسبب أزمة نقص العملة.
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة عملاً دؤوبا من قبل السلطات كي يتم تحويل الصفقات التي جرى توقيعها في شرم الشيخ إلى عقود نهائية ومشاريع حقيقية تؤدي إلى تدفق العملات الأجنبية.
ووقع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم مع مصر لإنشاء شراكة إستراتيجية للهيدروجين، ربما تصبح إطار عمل لدعم الشروط طويلة الأجل لتطوير هذه الصناعة وتداولها بما في ذلك البنية التحتية والتمويل.
وتساعد الشراكة على تحقيق هدف أوروبا المتمثل في تأمين إمدادات تبلغ 20 مليون طن من الهيدروجين بحلول العام 2030، وفي المقابل سوف تحصل القاهرة على دعم الاتحاد لتيسير الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
وذكر الغزاوي أن الطرفين أثبتا رغبتهما في تعزيز التبادل التجاري في قطاع الهيدروجين الأخضر، خاصة أن أوروبا تعتبر مصر مكانا مثاليا لتوليد الطاقة المتجددة باعتبارها دولة جوار يسهل استيراده منها.
ويمكن أن تساعد دول أوروبا القاهرة في إزالة الكربون وتحقيق أهدافها المناخية أيضا، ما يعزز من قدرة مصر الإقليمية على المنافسة في هذا المجال الحيوي.