حامد فتحي
صحفي مصري
أثارت أنباء الزيارة المرتقبة من الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى العاصمة السعودية، الرياض مطلع شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل العديد من التساؤلات حول توقيتها وجدول أعمالها، وتأثير ذلك على العلاقات السعودية الأمريكية التي تمرّ بمرحلة من الخلافات.
وقرأ محللون وخبراء اقتصاد سعوديون وعرب التقارب السعودي الصيني من عدة جوانب، وقالوا لـ”حفريات” إن الطرفين يعترفان بالقيمة الإستراتيجية لكل منهما.
لكن لا يمكن حصر الزيارة في إطار الصراع مع الولايات المتحدة؛ حيث تختلف طبيعة العلاقات السعودية مع الصين عن نظيرتها مع واشنطن، من حيث العلاقات الاقتصادية التي تميل بقوة لصالح الصين، فضلاً عن العديد من العوامل الأخرى.
وبحسب بيانات سعودية سيعقد الرئيس الصيني ثلاث قمم في الرياض؛ قمة صينية سعودية، قمة صينية خليجية، وقمة صينية عربية. ويتصدر الاقتصاد جدول أعمال الزيارة، بخلاف زيارة القمة التي قام بها نظيره الأمريكي جو بايدن إلى جدة، وعقد خلالها قمة أمريكية عربية، تصدرتها قضايا الأمن والطاقة وإسرائيل.
العلاقات السعودية الأمريكية
كانت الخارجية الصينية نفت الأنباء التي تحدثت عن زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض، غير أنّ المتابعين يرون أنّ الزيارة ستحدث ويقللون من أهمية البيان الصيني. وعلى هامش قمة العشرين التي تستضيفها إندونيسيا التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الصيني.
وتأتي هذه الزيارة في توقيت تشهد فيه العلاقات السعودية الأمريكية تصاعداً في حدة الخلافات بين البلدين، على خلفية رفض واشنطن قرار أوبك بلس تخفيض حجم الإنتاج النفطي، للحفاظ على الأسعار في ظل حالة الركود العالمي بحسب بيانات سعودية، بينما رأت واشنطن أنّ هذه الخطوة تصب في صالح روسيا وأنها غير مبررة.
ويرى الأكاديمي والباحث في الشؤون الأمريكية – الآسيوية، جلال بن الحاج رحيم، أنّ السعودية تحاول لعب دور يُذكر بدور هنري كيسنجر في دفع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى زيارة الصين، بهدف الاستفادة من الخلاف بين قطبي المعسكر الشيوعي؛ الاتحاد السوفيتي والصين لعزل الأول، وذلك بالاستفادة من الصراع الأمريكي الصيني.
وأفاد الأكاديمي التونسي لـ”حفريات” بأنّ الرياض لديها مؤاخذات على واشنطن منها “التساهل مع البرنامج النووي الإيراني، حيث تحاول إدارة بايدن العودة إلى الاتفاق مع إيران التي تناور، حتى بدت واشنطن وكأنها عاجزة أمام هذا الخطر الذي يهدد الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والمصالح الأمريكية.
ومن جانبه، قال الأكاديمي والباحث السعودي، محمد صفر أنّ العلاقات السعودية الصينية في مقابل السعودية الأمريكية “مرت بفترات تقارب أحياناً وفترات استثمار للضغوط الأمريكية”. ونوه بأنّ الصين لا تمارس ضغوطاً على الدول من أجل البقاء في فلكها. وأشار إلى مماطلة واشنطن في تلبية الاحتياجات الأمنية للرياض ما دفعها إلى البحث عن بدائل، كانت الصين في برامج تطوير الصواريخ.
ومن جانبه، أضاف الباحث في الشؤون الإستراتيجية والصينية، باهر مردان، بأنّ المصالح الأمنية والعسكرية السعودية لا تزال مرتبطة بشكل أو آخر بالحليف الأمريكي. وقال “الرؤية السعودية تتمحور بالاندماج مع الشرق لا سيما الصين فيما يخص تحقيق مصالحها الاقتصادية والاستثمارية والمالية والتنموية، بينما ستبقى محافظة على علاقاتها الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية”. وتابع لـ”حفريات” بأنّ هذا هو جوهر الإستراتيجية السعودية من أجل توظيف علاقاتها الإستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
ويرى الأكاديمي جلال بن الحاج رحيم أنّ المملكة ترغب في “تلبية الحليف الأمريكي الطلبات السعودية الأمنية التزاماً بالتحالف الذي بموجبه توفر السعودية الطاقة”. وبحسبه بدأت الخلافات السعودية الأمريكية منذ عهد الرئيس السابق. وأفاد لـ” حفريات” بأّن “السعودية ليست طرفاً في الصراع الأمريكي الصيني إلا أنها قد تلعب دوراً إيجابيا لصالح واشنطن في حال تحسنت العلاقة بينهما”.
الصعود الصيني
وللمرة الأولى منذ تنصيب الرئيس جو بايدن مطلع 2021 التقى بنظيره الصيني شي جينبينغ في إندونيسيا، على هامش انعقاد قمة مجموعة العشرين.
وصرح مسؤول أمريكي قبل اللقاء بأنّ واشنطن تسعى إلى وضع “أُطُر ضوابط” للعلاقات مع بكين. وقال بايدن إنّه اتفق مع نظيره الصيني على “إنشاء آلية حيث سيكون هناك حوارات على المستويات الرئيسية للحكومة لحل القضايا”.
ويرى المتابعون أنّ اللقاء كان مثمراً، ويسعى البلدان إلى حل الخلافات بينهما بالحوار. وليس بعيداً عن مكان اللقاء، كان لولي العهد السعودي لقاء مع الرئيس الصيني، بينما لا مؤشرات على إمكانية عقد لقاء مع الرئيس الأمريكي.
وكان للصعود الصيني خاصة في الاقتصاد والتكنولوجيا والاستثمار تأثير كبير على دول العالم، ولم تكن المملكة بعيدة عن ذلك، حيث تعتبر الصين المستهلك الأكبر للنفط السعودي. ويقول الباحث باهر مردان “تحظى العلاقات السعودية الصينية بمكانة كبيرة وإستراتيجية، تنبع من حجم الأرقام والإحصائيات التعاونية بين البلدين”.
وذكر أنّ حجم التبادل التجاري لعام 2021 بلغ أكثر من 87 مليار دولار، بينما حققت تسعة أشهر من العام الجاري نفس الرقم، ومن المتوقع أنّ يتجاوز 115 مليار دولار. فضلاً عن الاستثمارات الصينية ومشاريع البناء ووفقاً للإحصائيات المسجلة خلال الأعوام من 2005 الى 2021 بلغت قيمتها أكثر من 43.47 مليار دولار.
وفي السياق ذاته، قال الأكاديمي والباحث جلال بن الحاج رحيم “منذ توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين الصين والسعودية تتطور العلاقات الثنائية، خاصة مع توازي مشروع الحزام والطريق مع رؤية المملكة 2030”. ولفت إلى أنّ السعودية ركيزة أساسية في مشروع طريق الحرير البحري الموازي للمشروع البري، بجانب التعاون الثري في مجالات عدة، تشمل البنية التحتية والتكنولوجيا ومحطات تكرير النفط. وذكر أنّ المملكة تلقت “ستة مليارات من الاستثمارات الصينية خلال العام الجاري”.
ويمكن الصعود الصيني العديد من دول العالم من المناورة مع الولايات المتحدة، خاصة بعد عقدين من تفرد واشنطن بالهيمنة على العالم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، وانزواء روسيا حتى عودتها كدولة قوية عسكرياً لا تقارع واشنطن في الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، كما كان الحال في وقت الحرب الباردة.
وبخلاف الاتحاد السوفيتي تقدم الصين نموذجاً اقتصادياً ناجحاً، وتبني علاقاتها الدولية على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو أمر طالما عانت منه المنطقة العربية ودول أخرى إبان الهيمنة الأمريكية.
وذكر الأكاديمي والباحث السعودي، محمد صفر لـ”حفريات” أنّ السعودية تستثمر في حالة السيولة التي تحدث في النظام العالمي بشكل كامل وليست المسألة مرتبطة بموقف معين. ولفت إلى أنّ السعودية “ليست مرتاحة للسياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً مع وصول بايدن إلى السلطة”.
وأفاد بأنّ السعودية لا يمكن تجاوزها، وهي دولة مهمة للصين والعالم، وخصوصاً الصين التي ترغب في تعميق العلاقات معها، لكنّ السعودية “لا تريد تغيير خريطة تحالفاتها إنما أنّ تكون مستقلة في قراراتها المتعلقة بأمنها القومي”.
الخلاف الأمريكي السعودي
ويبدو أنّ قرار أوبك بلس كان القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى السعودية، التي لم تستجب لطلب من مسؤولين في إدارة بايدن بتأجيل قرار خفض إنتاج النفط لما بعد الانتخابات النصفية التي شهدتها واشنطن في الثامن من الشهر الجاري، خسر فيها الديمقراطيون الأغلبية في مجلس النواب وحافظوا عليها في الشيوخ.
ولا تظهر بوادر تقارب في العلاقات بين الرياض وواشنطن، حيث الأخيرة لم تستجب لتحديات الأمن القومي السعودي، وعندما اندلعت الحرب الروسية على أوكرانيا لم تفلح واشنطن في ضم الرياض إلى معسكرها، وحافظت الأخيرة على استقلال قرارها السياسي.
ويرى الباحث باهر مردان أنّ الصراع الصيني الأمريكي يّعد من أبرز الصراعات خلال المرحلة الراهنة وربما يمتد إلى المستقبل؛ بحكم حجم وقوة البلدين وما يمتلكونه من ملفات وقضايا وأوراق ضغط إستراتيجية.
وأضاف: “الارتقاء بالعلاقات السعودية الصينية وما تشهده من تعاون إستراتيجي سيكون ورقة ضغط أخرى جديدة بإتجاه الصين؛ باعتبار أنّ الولايات المتحدة تدرك أنّ السعودية هي مفتاح إستراتيجي مهم للصين للحصول على الطاقة وتنفيذ مبادرة الحزام والطريق والاستثمار الصيني، بالإضافة إلى احتمالية أداء دور إستراتيجي صيني في المنطقة”. وشدد مردان على أنّه كلما “اشتد الصراع الصيني الأمريكي ستتأثر العلاقات السعودية الصينية أيضاً”.
وبدوره قال الأكاديمي التونسي جلال بن الحاج رحيم “هناك أدوات نفوذ متبادلة بين الرياض وواشنطن”. ونوه بأنّ ولي العهد السعودي يتمتع بذكاء سياسي في إدارة الخلاف مع واشنطن واستثمار ورقة الضغط الصيني كما في شهر مايو الماضي حين قالت مصادر رسمية في الرياض أنّ “هناك إمكانية أن تسمح المملكة للصين بدفع وارداتها النفطية باليوان”.
وشدد الأكاديمي التونسي على أنّ مثل هذه الخطوة هي أخطر على واشنطن من ابتعاد السعودية عن تبعيتها العسكرية، لأنّ “الخطوة تعتبر فتح الباب أمام نظام مالي موازٍ للدولار الأمريكي وهيمنته، وبالتالي فتح المجال أمام تفادي العقوبات الأمريكية والتي تخضع لها شركات صينية، وصعود اليوان”. وأفاد بأنّ “هذه الخطوة هي أهم ورقة ضغط سعودية، وستفعل الممكن لوقف هذه الخطوة”.
وبحسب الأكاديمي السعودي محمد صفر، لا تريد المملكة وضع زيارة الرئيس الصيني والقمم المخطط لها في إطار صراع سعودي أمريكي. وقال “من حق المملكة الاستفادة من كل ما في العالم لأنّ هذه أموال سعودية لمشاريع سعودية من أجل نهضة السعودية وليس الدخول في صراعات”.
ومن زاوية أخرى، شدد الباحث في الشؤون الإستراتيجية والصينية، باهر مردان، على أنّ “الولايات المتحدة الأمريكية تملك أدوات ووسائل تأثيرية لا يستهان بها”. وبحسبه تتمحور أدوات النفوذ الأمريكية تجاه السعودية في عدة محاور، منها خلق البديل المؤثر في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط بشكل عام، وإشغال السعودية بتهديدات وصراعات ومشكلات إقليمية، بالتزامن مع مؤشر تخفيض التعاون الأمني والعسكري الأمريكي معها. وحذر الباحث باهر مردان من سياسة واشنطن في خلق ودعم تيارات دينية متشددة في الداخل السعودي، تعمل على طرح رؤية دينية ترفض الانفتاح النسبي الحالي.
وارتباطاً بالقوة الاقتصادية الصينية، أوضح الأكاديمي السعودي محمد صفر أنّ “المملكة تسعى للاستفادة من حجم الاقتصاد الصيني فيما تطمح إليه من التكنولوجيا والسلع والاستثمار والمشاريع لتحقيق رؤية 2030 التي ستغير ليس من شكل المملكة بل منظومتها التنموية والتشغيلية والإدارية وتطوير كل البنى التحتية”.
وفي السياق نفسه، أكد الأكاديمي جلال بن الحاج رحيم على أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتخلى عن السعودية بسبب “ثقلها السياسي والثقافي والديني والاقتصادي بجانب الموقع الجغرافي وإمكانيات ومقدرات المملكة ودورها الإقليمي والدولي”.
وحتى وقت قريب حظيت الرياض وواشنطن بعلاقات قوية، منذ تدشين العلاقات الثنائية عام 1945، خلال اللقاء التاريخي بين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ومؤسس الدولة السعودية الحديثة، الملك عبد العزيز بن سعود.
وفي قلب هذه العلاقة كان النفط؛ حيث كانت الولايات المتحدة أكبر مستورد من المملكة حتى وقت قريب، قبل أنّ يزيد إنتاجها، وتحل محلها الصين كأكبر مستورد للنفط في العالم، وأكبر مستورد من المملكة. وحتى العقد السابق كانت علاقات البلدين في أوج قوتها، قبيل التحوّلات الإقليمية والدولية الكبيرة منذ العام 2010؛ حيث الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة فيما عُرف باسم “الربيع العربي”، والاتفاق النووي مع إيران عام 2015، والتغيرات الكبيرة التي شهدها هيكل الحكم في المملكة.
المصدر حفريات