حنان جابلي
صحفية تونسية
العملية تبدأ باستقطاب الشباب التونسي بمخيمات دعوية، وصفحات فيسبوكية، وتحركات مباشرة، ليتم تسفيرهم إلى ليبيا حيث معسكرات التدريب، ثم يسافرون جواً إلى تركيا ومنها يتم إدخالهم عبر الحدود البرية إلى سوريا بالأساس، ومنهم من يواصل “طريق الجهاد” نحو العراق، هكذا تم التغرير بنحو (12) ألف شاب تونسي، لتسفيرهم إلى بؤر التوتر بين عاميْ 2011 و2015؛ أي خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة.
هذا الملف الذي فجّرته فاطمة المسدي؛ النائبة السابقة في البرلمان التونسي عن حزب “نداء تونس” الذي أسسه الرئيس التونسي السابق الباجي قائد السبسي، بعد أن قدمت شهادتها يوم 7 شباط (فبراير) الماضي، وسلّمت “جميع المعطيات (التي لديها) إلى القضاء” على حدّ قولها، هذا الملف ورّط حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي، إضافة إلى عدد من قيادات الصف الأول بالحركة.
القضاء يحقق مع راشد الغنوشي
راشد الغنوشي (81 عاماً) زعيم الإخوان بتونس، الذي يواجه عدداً من القضايا التي يتعلق أغلبها بتهم إرهابية وتبييض أموال والأمن القومي، سيمثل الإثنين المقبل أمام القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، للتحقيق معه حول ملف “تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر” خارج تونس ما بين عامي 2012 و2013.
يأتي ذلك بعد أن تم التحقيق مع الغنوشي في أيلول (سبتمبر) الماضي خلال جلسة استجواب استمرت عدة ساعات، قبل إحالته على القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، إلى جانب (126) شخصاً في إطار تحقيق واسع بدأه القضاء منذ آب (أغسطس) الماضي.
ويعتمد استدعاء الغنوشي في قضية تسفير آلاف الشباب التونسيين لبؤر التوتر، ولا سيّما في ليبيا وسوريا، على تهمة خدمة أهداف أجندات إقليمية معينة.
وقد شهدت تونس بعد ثورة 2011 توجه عدد كبير من الجهاديين، قدّرتهم منظمات دولية بالآلاف، للقتال في بؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا، ووجهت انتقادات شديدة لحركة النهضة الإخوانية لكونها سهّلت سفرهم إلى هذه الدول خلال تواجدها في الحكم، وهو ما تنفيه الحركة.
وكانت السلطات التونسية قد أعلنت أنّ قضاء مكافحة الإرهاب أمر بتجميد الأرصدة المالية والحسابات المصرفية لـ (10) شخصيات، من بينها الغنوشي ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي.
قيادات النهضة قيد التحقيق
ويوم الجمعة الماضي، أجل قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب استنطاق نور الدين الخادمي، وزير الشؤون الدينية السابق، والقيادي في حركة النهضة، لسماع أقواله في القضية نفسها إلى الأسبوع المقبل، بسبب وجوده خارج تونس.
وراجت أخبار في آذار (مارس) الماضي عن تعمّد الخادمي تشجيع التونسيين على الجهاد في أوكرانيا، في كلمة دامت حوالي ساعة ونصف، ادّعى فيها أنّ الهدف هو نصرة المسلمين.
وسابقاً، تم الكشف عن شريط فيديو شجَّع فيه الشباب التونسي على نصرة السوريين، وذلك في خطبة جمعة ألقاها قبل تشكيل حكومة النهضة الأولى في مسجد “الفتح”، وهو أحد أبرز مساجد العاصمة التونسية الذي أصبح فيما بعد معقلاً للسلفيين الجهاديين في تونس، كما كان مخبأ الإرهابي أبو عياض الذي تم تهريبه من هذا المسجد، في فترة تولي القيادي بحركة النهضة علي العريض لحقيبة وزارة الداخلية.
ومن المنتظر دعوة علي العريض، رئيس الحكومة السابق، وزير الداخلية السابق، مجدداً، في 19 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، للمثول أمام القضاء ومواصلة التحقيق معه؛ أي بعد يومين فقط من إجراء الانتخابات البرلمانية في تونس.
وأمس الثلاثاء، جدد القضاء التونسي التحقيق مع محمد العفاس، القيادي في حزب “ائتلاف الكرامة” المتشدّد، القريب من حركة النهضة، بزعامة سيف الدين مخلوف، وذلك بعد يوم واحد من الاستماع إلى الحبيب اللوز، عضو مجلس شورى النهضة والنائب البرلماني السابق، وصدور قرار بالإبقاء عليه في حال سراح.
ويُعرف عن اللوز أنّه ينتمي إلى الشق المتشدّد داخل حركة النهضة (جناح الصقور)، وقد أقام بعد الثورة عدّة خيمات دعوية، دعا فيها مباشرةً التونسيين إلى الالتحاق بـ “جبهات القتال في بؤر التوتر بسوريا والعراق، تحت غلاف ديني، دأب الإسلاميون على استحضاره في كل محطة تنسجم مع مصالحهم.
وكانت دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس العاصمة قد قررت في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي تأييد قرار قاضي التحقيق بإبقاء (39) متهماً في حالة سراح، وإرجاع الملف إلى قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، قصد مواصلة التحقيقات، وهو ما يسعى القضاء التونسي للوصول إليه.
وعرفت تونس خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإخوانية بداية عام 2011 حتى عام 2013 حالة من الانفلات، وتحولت المساجد إلى قبلة للمتشددين الذين يقومون بتحريض الشباب على مغادرة البلاد للقتال في ليبيا وسوريا.
السلفية الجهادية بتونس
يُذكر أنّ الجماعات السلفية الجهادية كانت من بين أبرز المتحررين من الخوف والمتمتعين بأجواء الحرية الجديدة، إثر سقوط نظام زين العابدين بن علي خلال ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، خاصة أنّ انتخابات جرت في تشرين الأول (أكتوبر) 2011 مكّنت حركة النهضة من الحكم.
وخلال الفترة 2011-2014 مثل السلفيون الجهاديون جزءاً من المشهد السياسي والشعبي التونسي، واجتاحوا الفضاء العام بأزياء وهيئات غريبة على التونسيين كانت أقرب إلى الأفغانية.
وتم نصب الخيم الدعوية في الشوارع الرئيسية والساحات العامة في أغلب المناطق مع تشغيل مكبرات الصوت التي تقتحم آذان المارة والمتجولين بمواعظ وخطب “دينية” تتخللها تلاوات قرآنية، الأمر الذي ولّد استعداداً نفسياً لدى بعض الشباب والمراهقين لاكتشاف تلك الأجواء.
خلال تلك الفترة، نظم السلفيون الجهاديون هجمة شرسة على أغلب المساجد التونسية التي كانت تبث خطابات دينية معتدلة، وطردوا عدداً من الأئمة، واعتلوا المنابر بدلاً عنهم، وشرعوا بشكل علني في استقطاب الشباب وتزيين “طريق الجهاد” إلى سوريا.
فتح ملف تسفير الشباب
وكانت فاطمة المسدي؛ النائبة السابقة في البرلمان التونسي عن حزب نداء تونس، الذي أسسه الرئيس التونسي السابق الباجي قائد السبسي، قد قدمت شهادتها يوم 7 شباط (فبراير) الماضي، وسلّمت “جميع المعطيات (التي لديها) إلى القضاء” على حدّ قولها.
ووجهت اتهاماتها مباشرة إلى قيادات في حركة النهضة، مؤكدةً أنّها “من يقف وراء ملف التسفير”، وكانت المسدي كذلك في عضوية “لجنة التحقيق البرلمانية حول التسفير”، التي توصلت إلى مجموعة من النتائج، قبل اتخاذ رئيس الجمهورية الراحل قائد السبسي قراراً بحلها نتيجة للخلافات السياسية الحادة التي خلفتها عملية مناقشة الملف تحت قبة البرلمان.
عدد التونسيين في بؤر التوتر
وبخصوص أعداد التونسيين الذين توجهوا إلى بؤر التوتر، كشف هادي المجدوب، وزير الداخلية عام 2017، عن أنّ السلطات الأمنية تمكّنت منذ 2012 من منع أكثر من (27) ألفاً من الشبان من السفر، بعد الاشتباه في توجههم إلى مناطق النزاعات المسلحة في الخارج.
وتمكّنت عام 2016 من تفكيك (245) خلية لتسفير الشباب، بينما كان العدد في حدود (100) خلية فقط في 2013، إضافة إلى توقيف (517) عنصراً متورطاً في هذه الخلايا.
وأشارت تقارير أمنية محلية إلى أنّ عمليات التسفير شملت نحو (12) ألف شاب تونسي، أغلبهم تم إرسالهم، إمّا عن طريق المعابر الحدودية خلسة، وإمّا عن طريق المطارات التونسية، وقد اتُهم محمد فريخة رجل الأعمال التونسي بـ “تسخير طائراته لتسفير الشباب التونسي في رحلات متتالية من تونس نحو تركيا قبل التحاقهم بجبهات القتال في سوريا”.
في السياق ذاته، أظهرت أرقام رسمية وأخرى غير رسمية عام 2016 أنّ عدد المقاتلين التونسيين في صفوف تنظيم داعش الإرهابي بلغ نحو (5) آلاف مقاتل، وأنّ وزارة الداخلية منعت نحو (15) ألف شاب من الالتحاق ببؤر التوتر في سوريا وليبيا. في حين أشارت تقارير منظمات حقوقية إلى أنّ هجرة الشباب للالتحاق بصفوف “داعش” مردّها أساساً إلى البطالة، فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل نحو (700) ألف شاب، ثلثهم من أصحاب الشهادات العليا.
المصدر حفريات