رشا عمار
صحفية مصرية
تشهد القارة الأفريقية تحذيرات متتابعة من مخاطر انتشار الطائرات المسيّرة بأيدي الجماعات الإرهابية المنتشرة في عدة مناطق من دول القارة، أبرزها دول الساحل ومنطقة غرب أفريقيا، وتشير التقديرات الدولية إلى مضاعفة أعداد العمليات الإرهابية التي نُفذت باستخدام طائرات مسيّرة خلال العام الجاري 2022.
وأوردت دراسة صادرة حديثاً بتاريخ 16 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري ازدياد التحذيرات الدولية من استخدام التقنيات المتقدمة في القارة الأفريقية، وأبرزها الطائرات المسيّرة، لاسيّما في ضوء احتضان القارة العديد من الجماعات الإرهابية، التي تنشط في ضوء انتشار الحروب الأهلية، بالإضافة إلى هشاشة بعض الحكومات.
وبحسب الدراسة الصادرة تحت عنوان: “الطائرات المسيّرة: التهديد الإرهابي القادم لأمن الدول الأفريقية”، عن مركز المستقبل للدراسات المتقدمة والأبحاث، تتسق المخاوف من استخدام الجماعات الإرهابية للطائرات المسيّرة مع تصريحات المبعوثة الهندية لدى الأمم المتحدة، السفيرة روشيرا كامبوج، التي أكدت استخدام الطائرات المسيّرة في شن هجمات في العديد من مناطق الصراع.
وكان اجتماع لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولي في الهند، الذي استمر يومين، قد اختتم في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي باعتماد وثيقة تدعو الدول الأعضاء إلى منع ومكافحة الأشكال الرقمية للإرهاب، لا سيّما استخدام الطائرات المسيّرة ووسائل التواصل الاجتماعي وتمويل الإرهاب عبر الإنترنت.
جنوب أفريقيا أبرز المستهلكين
من المتوقع أن تبلغ السوق العالمية للطائرات المسيّرة للهواة نحو (43) مليار دولار بحلول عام 2024، مع وجود توقعات بأن تصبح جنوب أفريقيا أبرز المستهلكين في القارة السمراء، وفق الدراسة.
وتتسم الطائرات المسيّرة التجارية بأنّها متوفرة بشكل كبير، مع سهولة تصنيعها بتكلفة قد لا تتعدى المئات من الدولارات، ممّا يجعل بعض التنظيمات قادرة على امتلاك هذه الطائرات، كما أنّها قد تقوم بإدخال تعديلات تقنية عليها لاستخدامها كأسلحة موجهة.
وتتميز هذه الطائرات، بحسب ما أوردته الدراسة، بعجز العديد من الأنظمة الدفاعية عن تحديدها، ومن ثم إسقاطها، نظراً لطيرانها على مستوى منخفض وبسرعة بطيئة نسبياً. وأكد تقرير نشره مركز “أفريقيا للدراسات الاستراتيجية” العام الماضي إمكانية شراء بعض النماذج من الطائرات المسيّرة وتسليحها مقابل أقل من (650) دولاراً، في حين أشارت تحليلات أخرى إلى أنّ الطائرات المسيّرة أصبحت قادرة على حمل حمولة متفجرة يبلغ طولها أقل من قدم تقريباً، ويمكن شراؤها من أمازون مقابل (50) دولاراً.
لماذا تُعدّ الطائرات المسيّرة خياراً أمثل بأيدي التنظيمات الإرهابية؟
تتعدد الطرق التي يتم من خلالها إمكانية الحصول على الطائرات المسيّرة من قبل الجماعات الإرهابية، ويمكنها الحصول عليها عبر أطراف ثالثة، مثل عصابات الجريمة المنظمة، ويمكن شراء بعض الأنواع من الطائرات المسيّرة عبر المنصات الإلكترونية.
وخلصت دراسة أجريت في منطقة الساحل وشرق أفريقيا إلى سهولة الحصول على الطائرات المسيّرة التي يتم ابتكارها محلياً، ومن جهة أخرى تتوفر المكونات المستخدمة في تصنيع الطائرات المسيّرة بشكل قانوني.
وعلى سبيل المثال، يتم تصنيع جسد الطائرة من خلال مواد متوفرة مثل الفايبر، التي بالفعل يتم استخدامها في العديد من الأدوات المنزلية.
ولذا تكمن العقبة الوحيدة في امتلاك المعرفة اللازمة للقيام بعملية تصنيع هذه الطائرات، ومن أجل التغلب على تلك العقبة اتجهت بعض الجماعات، مثل داعش، للتعاقد مع بعض التقنيين من خلال بعض الوسطاء، الذين لا يمتلكون سجلاً إجرامياً، أو يمكن استئجار خدمات بعض المبرمجين والمتخصصين لتصميم بعض البرامج التي يمكن استخدامها أيضاً لأغراض سلمية من دون التعرض إلى شبهة القيام بعمليات إرهابية.
إيران المتهم الأول عن الخطر المتفاقم
بحسب الدراسة، يساعد الدعم الخارجي من قبل دول أجنبية الجماعات الإرهابية في دعم قدراتها من خلال إمدادها بالمعرفة والتقنيات والتدريب، مثل الدعم الإيراني لجماعة الحوثيين في اليمن، ممّا مكّن تلك الجماعات من الوصول إلى طائرات مسيّرة أكثر تقدماً من الفئة العسكرية متوسطة الحجم، وذلك على عكس الجماعات الإرهابية الأخرى، مثل داعش، التي اضطرت للاكتفاء بتعديل الطائرات المسيّرة التجارية.
وأوردت الدراسة أنّه، على مستوى القارة الأفريقية، أسست إيران علاقات سرية مع حركة شباب المجاهدين في الصومال، وقامت بإمدادها بالسلاح، ولذا يمكن أن تقوم إيران بدعم الحركة ببعض الطائرات المسيّرة القتالية.
وتستخدم التنظيمات الإرهابية، على مستوى القارة الأفريقية، خاصة في دول الساحل على غرار داعش وبوكو حرام والقاعدة، الطائرات المسيّرة، نظراً لسيطرتها على مساحات واسعة داخل دول المنطقة، فضلاً عن معاناة دول المنطقة بسبب تراجع قدراتها الأمنية، بالإضافة إلى الفراغ الأمني الناتج عن انسحاب فرنسا من مالي بعد انتهاء عملية برخان، وإن كان من المتوقع أن تسعى لتجاوز ذلك عبر التعاون مع فاغنر الروسية، وفق الدراسة.
سيناريوهات خطرة
وأشارت الدراسة إلى عدد من الاحتمالات المستقبلية المترتبة على تنامي ظاهرة استخدام الطائرات المسيّرة من جانب التنظيمات الإرهابية في القارة الأفريقية، وتبدو جميعها غاية في الخطورة، أبرزها:
أوّلاً: احتمال تنفيذ هجمات كيميائية أو بيولوجية، إذ يمكن على سبيل المثال إرفاق ذخائر محملة بالمواد الكيميائية على طائرات مسيّرة انتحارية، وأشارت إلى أنّه في حزيران (يونيو) عام 2013، ألقت قوات الأمن العراقية القبض على خلية تابعة لداعش بتهمة التخطيط لاستخدام طائرات مسيّرة يتم التحكم فيها عن بعد لرش غاز السارين وغاز الخردل على أهداف غير محددة في العراق ومناطق أخرى.
ووفق الدراسة، يُعدّ هذا الأمر غير مرجح بدرجة كبيرة، نظراً لافتقاد التنظيمات الإرهابية الأفريقية الخبرة في تصنيع المواد الكيماوية أو البيولوجية.
ثانياً: توقعت الدراسة استخدام أسراب المسيّرات، بمعنى قدرة الجماعات الإرهابية على شراء أو تصنيع عدد كبير من الطائرات المسيّرة بتكلفة أقل، ممّا يسهل إمكانية توظيف أسراب من الطائرات المسيّرة لمهاجمة قواعد الجيش، وقالت إنّه في كانون الأول (ديسمبر) عام 2018، هاجمت جماعة إرهابية في سوريا قاعدة للجيش الروسي في طرطوس بسوريا باستخدام (13) طائرة مسيّرة بدائية محملة بالمتفجرات.
وخلصت الدراسة إلى أنّ استخدام الجماعات الإرهابية الطائرات المسيّرة ما يزال في طور البداية بالقارة الأفريقية، غير أنّه لا يمكن إغفال أنّ انتشار تلك النوعية من التقنيات الناشئة سيكون مسألة وقت، وذلك في ضوء تشابك عدد من الجماعات الإرهابية مع أطراف خارجية، ولذا ستواجه الحكومات الأفريقية تحديات جسيمة لمواجهة انتشار تلك النوعية من الطائرات في أيدي التنظيمات الإرهابية، خاصة أنّ دول العالم المتقدم ما تزال تعكف على تطوير أنظمة دفاعية في مواجهتها.
المصدر حفريات