كريتر نت – متابعات
تحركت قطر في خضم أزمة علاقات عامة سبقت وترافقت مع استضافتها لمونديال 2022 لتعيد النظر في استثماراتها الكبرى في لندن في أول إجراء عقابي واضح المعالم للرد على حملة استهدافها. وتمتلك قطر استثمارات مهمة في قطاعات حيوية مثل توفير الغاز لبريطانيا في خضم أزمة الغاز الروسي، وسط مخاوف من أن يزيد قرار قطر إن تم تنفيذه من الأعباء على لندن التي ما تزال تعاني من مخلفات بريكست.
ويتوقع أن يتسع الإجراء العقابي القائم على سحب الاستثمارات ليطال شركاء آخرين خاصة أن الحملات سعت لاستثمار التظاهرة الدولية الكبرى للضغط على الدوحة وإفشال المونديال.
وبدأت الدوحة مراجعة لاستثماراتها في لندن بعدما منعت هيئة النقل بالمدينة إعلانات سياحية قطرية تحتفي بالمونديال على الحافلات وسيارات الأجرة وقطارات الأنفاق بالعاصمة الإنجليزية.
*الإجراء العقابي القطري الذي يقوم على سحب الاستثمارات يتوقع أن يتسع ليطال شركاء أوروبيين آخرين*
وأظهرت حملات غربية من دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا انتهازية واضحة في استثمار تركيز العالم على فعاليات المونديال من أجل فتح ملفات حقوقية بدت إثارتها موجهة لإفساد إحساس القطريين بالنجاح الذي تحقق إلى حد الآن في تنظيم التظاهرة.
وشعر القطريون بأن كل ما قدموه من استثمارات كبرى لم تكن له أيّ قيمة لدى الشركاء الغربيين الذين لم يقرأوا حسابا للشراكة والاستثمارات والأموال الكثيرة الموظفة في اقتصادياتهم، ووجدوا في موضوع خلافي مثل مجتمع الميم فرصة للهجوم على الدوحة وإفساد عرس المونديال.
وعزت هيئة النقل بلندن قرارها منع الحملة الدعائية للمونديال إلى مخاوف بشأن موقف قطر حيال حقوق مجتمع الميم ومعاملتها للعمالة الوافدة، في وقت يبدي القطريون مرونة في التعامل مع موضوع المثليين من جهة، ومن جهة ثانية نجحوا في تحسين قوانين العمالة، لكن ذلك لم يشفع للدوحة عند شركائها.
ونقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن شخص مشارك في المراجعة القطرية قوله إن هيئة النقل، التي يرأسها رئيس بلدية لندن صادق خان، اتصلت هذا الأسبوع بلجنة قطر 22 التي تشرف على بطولة كأس العالم وهيئة السياحة القطرية لإعلامهما بالقرار.
وقال الشخص إن الحظر الذي فرضته هيئة النقل “فُسِّر على أنه رسالة من مكتب العمدة بأن أنشطة الأعمال القطرية غير مرحب بها في لندن”.
وحتى الآن، من غير الواضح ما هو التأثير المحتمل للقرار القطري على استثمارات الدوحة في لندن، هل ستبدأ فعلا في سحب بعض استثماراتها، أم أن الأمر لا يتجاوز مجرد التلويح بالرد القاسي في دولة هي في أحوج ما يكون للاستثمارات.
وأطلقت قطر حملة إعلانية سياحية في المملكة المتحدة قبل كأس العالم، مع التركيز على لندن في سعيها لاستخدام البطولة للترويج للأمة.
وعلى مدى العقدين الماضيين، باتت قطر واحدة من أكبر المستثمرين في لندن من خلال صندوق الثروة السيادي البالغ 450 مليار دولار.
وكانت قد تعهدت، خلال مايو، باستثمار 10 مليارات جنيه إسترليني على مدى خمس سنوات في المملكة المتحدة من خلال جهاز قطر للاستثمار، بما في ذلك قطاعات التكنولوجيا والرعاية الصحية والبنية التحتية والطاقة النظيفة.
ويمتلك جهاز قطر للاستثمار سلسلة متاجر هارودز وناطحة السحاب شارد كما أنه شريك في ملكية حي كناري وارف للأعمال. وتمتلك الدولة الخليجية فندقي سافوي وجروفنر هاوس وحصة 20 في المئة في مطار هيثرو و14 في المئة في سينسبري ثاني أكبر مجموعة لمتاجر التجزئة في بريطانيا.
وقال متحدث باسم الهيئة إنها أرسلت قبل بطولة كأس العالم إلى المعلنين من شركائها والعلامات التجارية “تعليمات إضافية بشأن الإعلانات التي من المرجح أن نعتبرها مناسبة للتنفيذ أثناء البطولة بينما نتأكد أيضا ألا يُحرم مشجعو كرة القدم من فرصة تشجيع فرقهم”.
وأضاف “نواصل مراجعة كل حملة إعلانية على حدة”.
وقالت الهيئة إن الإعلانات التي تروّج للسفر إلى قطر أو السياحة في قطر أو تصور قطر كوجهة مفضلة لن تعتبر مقبولة.
وفي ظل تسليط الأضواء عليها مع استضافتها كأس العالم، تدافع قطر عن نفسها في مواجهة الانتقادات قائلة إنها بلد ودود لا تنطوي معاملته للناس على أيّ تمييز ونفت الاتهامات بانتهاك حقوق العمال.
ويرى مراقبون أن لندن تنجرف إلى الحملة على قطر غير واعية بنتائج هذا الموقف على مصالحها خاصة أنها في حاجة إلى الشركاء الخليجيين وساعية لتطوير العلاقات الاقتصادية معهم للتعويض على مغامرة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وتمتلك قطر الكثير من أوراق الضغط على لندن ومن أهمها موضوع الغاز، حيث تأتي في المركز الثاني ضمن مصدري الغاز لبريطانيا، إذ تزودها بنحو 9 في المئة من وارداتها من الطاقة، وهي النسبة المطلوبة لتشغيل تدفئة حوالي مليون منزل بريطاني، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
وتمتلك قطر محطة “ساوث هوك” في ويلز، حيث يتم تفريغ الغاز الطبيعي المسال في حاويات خاصة، ويمكن للموقع استيعاب خُمس احتياجات بريطانيا اليومية من الغاز، وتستثمر الحكومة القطرية الملايين لزيادة هذه السعة بمقدار الربع بحلول عام 2025.
وفي نوفمبر من العام الماضي، أفادت صحيفة الفايننشال تايمز بأن الحكومة البريطانية تواصلت مع قطر في مسعى للتوصل إلى صفقة غاز طويلة المدى وزيادة الإمدادات.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن وزراء بريطانيين ونظراءهم في قطر أجروا محادثات حول اتفاق طويل الأجل ستصبح قطر بموجبه “مورد ملاذ أخير” بالنسبة إلى بريطانيا، وأن هذه الخطوة تمت بطلب من رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الذي طلب المساعدة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في اجتماع بينهما.