كريتر نت – متابعات
تواصل إيران، من خلال شبكة ميليشياتها، ترسيخَ نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد أعلنت دول عربية عدة مثل الأردن والمغرب، رسميًا، أن إيران تمثّل مصدرًا للتهديد الأمني لاستقرارها وأنها تستخدم ميليشياتها المسلحة لتنفيذ هجمات. وفي الأردن، كشف الملك عبد الله الثاني أن بلاده تواجه بانتظام هجماتٍ على الحدود من ميليشيات مرتبطة بإيران. وفي الجزء الآخر من العالم العربي، اتهم وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة إيران بدعم جبهة البوليساريو لتنفيذ هجماتٍ مسلحة ضد المغرب. حتى أنه كشف أن إيران هي راعية للإرهاب، وتخلق الانقسامات في العالم العربي.
تعد الميليشيات الإيرانية امتدادًا عضويًّا لنظام الملالي الذي استولى على السلطة في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979. في الواقع، أطلق وصف “حزب الله” على منظمات عدة منفصلة ظاهريًا تحت سيطرة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، حتى قبل الإعلان رسميًا عن الحرس الثوري الإسلامي الإيراني ككيان في فبراير 1979 وتنظيمه في هيكل هرمي لمنافسة الجيش النظامي خلال الحرب الإيرانية العراقية.
داخل إيران بعد الثورة، كان اسم “حزب الله” يشير إلى الميليشيا، التي كان يُطلق على أعضائها اسم أتباع حزب الله، المسؤولة عن قمع المعارضة لنظام آية الله روح الله الخميني في الشوارع، وتأجيج الصراع على السلطة ضد المعارضة داخل النظام بين الحزب الجمهوري الإسلامي الذي يسيطر عليه رجال الدين والإسلامويين الأكثر ميولًا نحو التيار اليساري الذين تحالفوا مع الخميني خلال الثورة. وفي نهاية المطاف، دمج بلطجية الشوارع هؤلاء في الحرس الثوري الإيراني وفروعه مثل “الباسيج”.
ومع ذلك، تعود أصول حزب الله والحرس الثوري الإيراني إلى أوائل فترة السبعينيات، وإلى المعسكرات التي يديرها الاتحاد السوفييتي في لبنان، التي يديرها مباشرة مسؤولو منظمة التحرير الفلسطينية، الذين كانت تسيطر عليهم أجهزة استخبارات سوريا حافظ الأسد. وعقد علي أكبر محتشمي بور، أحد عملاء الخميني، تحالفًا مع منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1973 لتدريب الإسلامويين الموالين للخميني في هذه المعسكرات، إلى جانب الإسلامويين ذوي التوجهات الماركسية من جماعة مجاهدي خلق الإرهابية، التي عقد الخميني تحالفًا تكتيكيًا معها.
في هذه المعسكرات اللبنانية أنشئت نواة الحرس الثوري الإيراني، والفرق بين “الحرس الثوري” و”حزب الله” مجرد فرق في الاسم فقط لا غير. بل إنه لا توجد حتى فروق جغرافية. ذلك أنه عندما تقوم إيران بعمل ما، بدافع أيديولوجية ولاية الفقيه العابرة للحدود، لا يعترف النظام ولا الموالون له بحدود الدولة: يتم ببساطة نقل الأفراد والموارد من منطقة إلى أخرى حسب الحاجة، بغض النظر عن جنسيتهم الرسمية وما إذا كانوا نظريًا أعضاء في “الحرس الثوري الإسلامي” أو “حزب الله”. وهذا لا يُطبّق فقط في المنطقة – كما سنرى- ولكن في الداخل، حيث يُقال إن وحدات “حزب الله” التابعة للحرس الثوري الإيراني قد نُقلت من لبنان للمساعدة في قمع الاحتجاجات.
من نواحٍ كثيرة، ما فعلته إيران في سوريا من خلال الحرس الثوري الإيراني، بمساعدة الخمينيين العرب في حزب الله، هو تكرار لما حدث في العراق قبل عقد من الزمان. بعد أن أطاح الغزو الأنجلو أمريكي بصدام حسين، تحرّك الحرس الثوري بسرعة -مع الفرقة رقم 1000 ووحدة حزب الله رقم 3800– للسيطرة على وزارة الداخلية، والبدء في إنشاء جهاز ميليشيا لقتال الأمريكيين والحكومة الديمقراطية الجديدة. وكان لدى إيران بالفعل عراقيون للعمل معهم في القيام بذلك، وتحديدًا فيلق بدر؛ مجموعة من الخمينيين العراقيين الذين انشقوا إلى الجانب الإيراني خلال الحرب مع عراق صدام حسين في فترة الثمانينيات.
يقود منظمة بدر هادي العامري، وكان رئيسه، أبو مهدي المهندس، يدير ميليشيا أخرى في العراق هي كتائب حزب الله، التي كانت أشبه بوحدةٍ من قوات النخبة الخاصة داخل شبكة الحرس الثوري الإيراني. كان أبو مهدي النائب العام لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، حتى قُتل كل من أبو مهدي وسليماني في غارة جوية أمريكية في يناير 2020. وكون أن “أبو مهدي” يحمل جواز سفر عراقيًّا، وأنه من أصل بحريني، ومع ذلك شغل مثل هذا المنصب الرفيع داخل مؤسسة “حكومية” إيرانية، يعطي فكرة عن كيفية عمل الحرس الثوري الإيراني كحركة جهادية عابرة للحدود.
ومنذ عام 2003، شكّلت منظمة بدر أرضًا خصبة لعددٍ كبير من الميليشيات الأخرى في العراق، التي دُمج أكبرها -ليس فقط كتائب حزب الله، ولكن عصائب أهل الحق، وكتائب سيد الشهداء، وحركة حزب الله النجباء، وكتائب الإمام علي، وكتائب جند الإمام- تحت مظلة الحشد الشعبي، الذي أصبح الآن جزءًا رسميًا من الدولة العراقية، تكرار مثالي لنموذج الحرس الثوري الإيراني، المستخدم داخل إيران وفي لبنان من خلال حزب الله، لإنشاء ميليشيا موازية تتجنب التدقيق السياسي الذي يخضع له الجيش الوطني، الذي تطغى عليه تدريجيًا.
المحطة الساخنة الرئيسة الأخيرة لهيكل الميليشيات الإيرانية هي اليمن. لطالما أنكر البعض أن أنصار الله أو “الحوثيين” يمثلون أحد كيانات الحرس الثوري الإيراني، ولكن منذ أن نشر موقع “عين أوروبية على التطرف” تقريرًا بقلم عوفيد لوبيل قبل ثمانية عشر شهرًا يوثِّق أن هذا هو بالضبط ما هي عليه جماعة أنصار الله، وما زالت دائمًا، التي تعود إلى وقت الثورة الإيرانية، سار باحثون آخرون على خطاه وتوصلوا إلى الاستنتاج ذاته.
في الواقع، تمنح جماعة أنصار الله إيرانَ السيطرةَ على الأغلبية الاستراتيجية في اليمن، والقدرةَ على مهاجمة دول الخليج، والقدرةَ على تهديد الشحن الدولي.
لقد آتت الإمبريالية الإيرانية ثمارها في لبنان والعراق وسوريا واليمن، فبطريقةٍ عضوية زرعت ميليشيات الحرس الثوري الإيراني بصورة تجعل من غير المرجح اقتلاعها. وقد ساعدت هذه القواعد إيران على توسيع نطاق العمل الدعوي في إفريقيا وشن عمليات إرهابية ضد اليهود في أماكن بعيدة مثل الأرجنتين. قد تنجح حركة الاحتجاج الحالية في إيران في الضغط من أجل تغيير هيكل النظام واستراتيجياته العنيفة. وحتى ذلك الحين، تبدو استراتيجية الاحتواء التي توحِّد الدول التي تدعم السلام والاعتدال، وكبح التوسُّع الإيراني، وتحاول تمكين الجهات الفاعلة المحلية التي تعارضها في كلٍّ من هذه المسارح، أفضل مسارٍ متاح.
المصدر : “عين أوروبية على التطرف”