كريتر نت – متابعات
حمل بروتوكول التعاون بين صندوق “تحيا مصر” ومؤسسة “بيت الزكاة والصدقات المصري” الخاضعة للأزهر أهدافا عديدة يتداخل فيها الاقتصادي مع الاجتماعي والسياسي، خاصة أن الخطوة جاءت في خضم جدل حول تعاظم النفوذ المالي للمؤسسة الدينية بما حولها إلى قوة اقتصادية مهمة.
ويهدف التعاون بين الجهتين إلى تنفيذ مشروعات “التنمية المستدامة وبرامج الحماية الاجتماعية، وتطوير القرى الأكثر احتياجا، وإنشاء مجمعات تقديم خدمات حكومية وشبابية، وتوفير الدعم الغذائي للمستحقين، وتجهيز الفتيات المقبلات على الزواج”.
وفُسّرت الخطوة بأنها تندرج في إطار تقويض دور الأزهر من خلال السيطرة على صندوق الزكاة الذي تصاعد دوره بما جعله كيانا معنويا ضروريا عند شريحة من البسطاء، بينما تريد الدولة أن تكون وحدها المسؤولة عن توفير الحماية الاجتماعية.
وعكست الطريقة الناعمة التي أدارت بها الدولة عملية الاستحواذ على جزء معتبر من الإمبراطورية الاقتصادية للأزهر حرصا على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع الأزهر وتفويت الفرصة على أصوات سلفية متشددة حاولت تصوير الأمر على أنه “نهب للثروات الدينية”، وهي الفكرة نفسها التي حاولت جماعة الإخوان الترويج لها.
وتسعى أجهزة الدولة إلى امتصاص غضب شريحة اجتماعية متذمرة من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، لكنها تواجه مشكلة شح الموارد التي تعرقل عملية توفير الحماية الاجتماعية للبسطاء، ما جعلها مضطرة إلى سحب النفوذ المالي للأزهر ممثلا في بيت الزكاة.
ومنحت القوة الاقتصادية الهائلة للأزهر فرصة التقارب مع البسطاء من خلال تقديم مساعدات مالية وعينية، وصارت المشيخة بالنسبة إلى الكثيرين منقذا لهم، وهو توجه لا يروق للدولة ويؤثر سلبا على دور أجهزتها.
ويُفهم من بنود البروتوكول بين صندوق تحيا مصر وبيت الزكاة أن الدولة ترغب في القيام بالدور الذي استثمره الأزهر في تجييش البسطاء بعدما نجح في تشكيل قاعدة شعبية له في القرى والمناطق الأكثر احتياجا، وأصبح أشبه بمنافس لصندوق تحيا مصر الذي يؤدي دورا مهما في مجال توفير الحماية الاجتماعية لفئة واسعة من المصريين.
وأصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قرارا يقضي بإنشاء بيت الزكاة والصدقات المصري عام 2014، على أن يتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية ويخضع لإشراف شيخ الأزهر، بهدف صرف أموال الزكاة في وجوهها المقررة شرعا وبث روح التكافل، كما حدد موارده من أموال الزكاة والصدقات والتبرعات.
ولدى بيت الزكاة قوة مالية ضخمة، حيث يتعامل مع غالبية المصريين باعتباره الجهة الأكثر ثقة لمنحها الزكاة والصدقات والتبرعات، بحكم تبعيته للأزهر الذي لا يزال يتمتع بمصداقية لدى الأغنياء المتبرعين والبسطاء المحتاجين.
ويرتبط الجدل الدائر حول شراكة صندوق تحيا مصر مع بيت الزكاة بأن الأول أنشأه الرئيس السيسي لدعم الاقتصاد المصري والتغلب على الظروف الصعبة ودعم العدالة الاجتماعية، في حين لا يروق للكثير من المتعاملين مع بيت الزكاة أن تذهب أموالهم إلى جهة حكومية قد تستثمرها في تمويل قطاعات تنموية مثل المشروعات القومية.
وأبدى الرئيس السيسي امتعاضه عدة مرات من قلة أموال التبرعات الواردة إلى صندوق تحيا مصر، مع أنه ينفذ مشروعات تنموية تستهدف تحسين أحوال البسطاء في القرى الأكثر احتياجا ويسهم في توفير حماية اجتماعية لمحدودي الدخل، لكنْ لا تزال هناك حواجز نفسية بين المقتدرين ماديا والصندوق بسبب تبعيته للدولة ووجود شكوك في إمكانية توظيف مدخراته في مشروعات قومية بدلا من توجيهها مباشرة إلى الفقراء.
ولم تفلح الفتاوى الصادرة عن رجال دين ودار الإفتاء نفسها، والتي تبيح إخراج الزكاة لصندوق تحيا مصر، في زيادة ما يتحصل عليه من أموال مقابل زيادة القوة الاقتصادية لبيت الزكاة والصدقات التابع للأزهر.
وأشار مفتي مصر شوقي علام وبعض علماء الأزهر إلى إجازة التبرع للصندوق باعتباره يستهدف المحتاجين، لكن الاستجابة لم تكن بالقدر المطلوب.
ويتبع صندوق تحيا مصر لمجلس الوزراء، لكن وفق قرار إنشائه عام 2015 يتمتع بصفة خاصة ورعاية من رئيس الجمهورية، ويضم في مجلس أمنائه شيخ الأزهر وبابا الأقباط ومحافظ البنك المركزي ووزراء المالية والتخطيط والعدل والاستثمار والتجارة وبعض الشخصيات العامة.
ويتجاوز التعاون بين صندوق تحيا مصر وبيت الزكاة فكرة التشارك في توفير الحماية الاجتماعية، لأن الأزهر اعتاد أن يقف ضد أي تحرك حكومي يستهدف انتزاع المكانة الاقتصادية التي شكلها من ممتلكات الوقف الخيري وأموال الزكاة، بحجة أن لها طبيعة خاصة وعلى السلطة عدم الاقتراب منها أو توظيفها في مشروعات تنموية.
النظام المصري يرغب في القيام بالدور الذي استثمره الأزهر في تجييش البسطاء بعدما نجح في تشكيل قاعدة شعبية له في القرى والمناطق الأكثر احتياجا
وثمة اقتناع بضرورة تقليم أظافر القوة الاقتصادية للأزهر التي يستفيد منها في زيادة قواعده الشعبية وفي مواجهة الضغوط الواقعة عليه لتصويب مساره على مستوى تجديد الخطاب الدعوي وتطهير مؤسساته من أصحاب الفكر المتشدد، وفي كل مرة يستدعي تلك القواعد ضد الحكومة والبرلمان، مستغلا فكرة أنه بالنسبة إلى أنصاره “خزينة بنكية”.
وقال نائب مدير مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية عمرو هاشم ربيع إنه “لا مانع من وجود شراكة بين الصندوق وبيت الزكاة، شريطة توافر الرقابة على أوجه الصرف، لأن غياب الرقابة على أموال التبرعات يفتح الباب أمام إهدار المال العام”.
وأضاف لـ “العرب” أن “هناك دوائر لا ترغب في استمرار المؤسسة الدينية، أو غيرها، لتمثل قوة اقتصادية موازية؛ لأن إقبال الناس على التبرع لصناديق تابعة للأزهر يرتبط بثقة الناس في رمزيته، ويتعامل هؤلاء مع الصناديق التابعة للحكومة بحساسية”.
ومن غير المتوقع أن تكون الخطوة قد جاءت بموافقة قيادات الأزهر لأن الشراكة الحكومية في أموال بيت الزكاة قد تكون مقدمة لسحب البساط من تحت أقدام المؤسسة الدينية وإعادة توظيفها بشكل يتناسب مع الاحتياجات الملحة التي تراها الحكومة بعيدا عن إنفاقها على ما يخدم صورة الأزهر في الشارع المصري.
ولا يستبعد البعض من المتابعين أن تكون الخطوة مقدمة لتحركات أخرى تستهدف سيطرة الحكومة على أموال الوقف والتبرعات، الإسلامية والمسيحية، لكن ذلك يتطلب اتخاذ خطوات دقيقة لتجنب الدخول في مواجهة مع المؤسسات الدينية.
وكلّف الرئيس السيسي وزير الأوقاف محمد مختار جمعة قبل أيام بتحقيق أقصى استفادة استثمارية من أصول الوقف الخيري العام وتنمية موارده.
وترى الدولة في الصناديق الخيرية وأموال الزكاة والوقف إحدى الوسائل التي تسهم في تخفيف حدة الأزمة المالية وتساعد على تلافي جزء من نقص السيولة النقدية لديها، في ظل تصاعد الضغوط الشعبية لتوفير حماية اجتماعية ملموسة، وزيادة المشروعات التي تستهدف البسطاء، وإذا قدمت الحكومة ما يرضيهم يمكنها حينئذ أن تضمن رضاهم على تصوراتها.