رشا عمار
صحفية مصرية
تتوالى الأزمات داخل جماعة الإخوان المسلمين على وقع حالة الصراع الممتد لنحو أكثر من عامين، عمّقته وفاة القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وإعلان جبهتي لندن وإسطنبول قائمين بأعمال المرشد العام، وفي حين تواجه مجموعة إسطنبول تحديات غير مسبوقة ترتبط بالتضييق التركي الأخير على التنظيم في إطار الإجراءات الهادفة لإتمام المصالحة مع القاهرة، تسعى جبهة محمود حسين لتحقيق أقصى استفادة ممكنة لحسم الصراع التنظيمي لصالحها باستغلال حالة الانقسام التي تمر بها الجماعة إثر وفاة منير، وتفشي الخلافات والصراعات داخل جبهة لندن.
وتحت شعار “لم الشمل”، تحاول جبهة إسطنبول في الوقت الراهن السيطرة على زمام الأمور داخل التنظيم وحسم الصراع لصالحها، بعد إعلانها محمود حسين قائماً بأعمال المرشد منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وقبل أيام، 20 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، بثت قنوات فضائية ومنصات تابعة لجبهة إسطنبول بياناً متلفزاً لحسين خاطب فيه قواعد الجماعة بأهمية الالتفاف حوله لتجاوز أزمة التنظيم الراهنة، والالتزام بالقرارات الصادرة عنه وعن مجلس الشورى العام، التابع لجبهته، باعتبارهم الجبهات الشرعية الحاكمة داخل التنظيم وفق لوائح الإخوان الداخلية.
قطع الطريق أمام المعارضين
في تهديد مباشر لمعارضيه وبالتحديد أعضاء وقيادات جبهة لندن، شدد حسين على أنّ من سيسعى لنشر الفتنة في الجماعة وتقسيمها لن يكون له مكان في التنظيم، وستزول عنه صفة الأخوة، وفق تعبيره.
وفي محاولة لقطع الطريق أمام جبهة لندن، ولضمان عدم إعلان مرشد جديد للإخوان من قيادات التنظيم الدولي، أكد حسين في بيانه على الفكرة التاريخية داخل التنظيم بإسناد منصب المرشد العام لقيادات مكتب الإرشاد للجماعة الأم بمصر.
وقال حسين: إنّه “بالرغم من عالمية دعوة الإخوان المسلمين وانتشارها في العديد من الأقطار والدول، إلا أنّ الجماعة تُسيطر عليها المركزية، وتظل الجماعة الأم في مصر هي المسؤولة عن تسيير شؤون التنظيم”.
وفي محاولة لاستمالة الشباب داخل التنظيم، واحتواء غضبهم، أشار حسين إلى أنّه بصدد اتخاذ قرارات محورية لإعادة الهيكلة، تضمن ضخ دماء شبابية جديدة في المناصب التنفيذية داخل الجماعة لقيادة ما وصفه بمئوية الإخوان الثانية، ووجّه حسين رسالة شكر خاصة لشباب ونساء التنظيم داخل مصر، ممّا اعتبره مراقبون محاولة لطي صفحة خلافات الماضي وفتح صفحة جديدة.
وبهذا الخطاب، الذي لم ترد عليه جبهة لندن حتى الآن، بدا حسين مسيطراً على زمام الأمور داخل التنظيم إلى حد بعيد، لكنّ التقديرات تشير إلى عدة احتمالات مترتبة على خطوات جبهة إسطنبول، أهمها أن تشهد الجماعة فصلاً جديداً من الصراع أكثر ضراوة خلال الفترة المقبلة، وألّا تسمح قيادات التنظيم الدولي لحسين ومجموعته بالسيطرة الكاملة على الجماعة.
كيف استفادت جبهة إسطنبول من وفاة إبراهيم منير؟
بحسب الباحث المختص بقضايا الأمن الإقليمي والإرهاب محمود فوزي، ركزت تحركات جبهة إسطنبول الأخيرة والمتمثلة في اختيار محمود حسين قائماً بأعمال المرشد العام لتنظيم الإخوان، وكذا خطاب محمود حسين الأخير، على فكرة التكريس لسيطرة الجبهة على مفاصل الإخوان، وأنّها الجهة الشرعية المعبرة عن الجماعة.
وبحسب فوزي في دراسته المنشورة بمركز المرصد، التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تحت عنوان: “كيف سعت جبهة الإخوان في إسطنبول للاستفادة من وفاة إبراهيم منير؟”، بتاريخ 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، لوحظ أنّ حسين لم يتطرق في خطابه بشكل مباشر إلى جبهة لندن ولم يتحدث عنها، في محاولة رمزية لتهميش هذه الجبهة، وإظهارها على أنّها لا تمثل موضع أزمة بالنسبة إليه، فضلاً عن تأكيد “حسين” على أنّ التنظيم المصري هو المُسيّر الرئيس لشؤون الجماعة، وليس التنظيم الدولي، وهي نقطة تخدم الهدف نفسه المتمثل في السعي إلى تهميش جبهة لندن التي تُعدّ المسيطر الرئيس على التنظيم الدولي.
ويرى فوزي أنّ وفاة إبراهيم منير مثّلت فرصة كبيرة بالنسبة إلى محمود حسين وجبهته؛ لأنّ حسين سعى منذ أعوام للوصول إلى منصب المرشد العام للجماعة أو القائم بأعماله، فمع كون منصب الأمين العام لتنظيم الإخوان ملغياً بشكل لائحي منذ العام 2012، سعى حسين وطلب أن يكون نائباً لإبراهيم منير مع استحواذه على منصب القائم بأعمال المرشد، وهو طلب ارتبط برؤية حسين القائمة على أنّه حال مرض منير أو وفاته فإنّ منصب القائم بالأعمال سيؤول إليه، ولما رُفض طلبه اندلعت الخلافات بينه وبين منير، وهي حقائق أكدها الداعية الإخواني عصام تليمة في مقال له على أحد المواقع التابعة لتنظيم الإخوان، وأكد تليمة في المقال أنّ صراع حسين كان بالأساس لأجل المصالح والأموال والسيطرة على الجماعة.
ما السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الصراع في ضوء التطورات الراهنة؟
في ضوء التطورات الأخيرة الخاصة بالأزمة البنيوية العميقة التي يعيشها تنظيم الإخوان، يرى فوزي أنّ حالة الصراع داخل التنظيم سوف تستمر، لكنّ مآلات الأزمة على المدى المتوسط والبعيد ستكون مرتبطة بأحد السيناريوهات التالية:
أولاً: سيطرة جبهة إسطنبول على التنظيم، ويتمثل هذا السيناريو في تبنّي جبهة إسطنبول في الأيام المقبلة لإجراءات تصعيدية جديدة، تضمن سيطرتها على مفاصل الجماعة، وبناء هياكل مؤسسية جديدة موالية لها، خصوصاً على مستوى السعي لتسمية أمين عام للتنظيم الدولي، والسيطرة على أصول واستثمارات الجماعة في الخارج، وتحجيم تحركات جبهة لندن المحتملة، فضلاً عن أنّها سوف تُروج على مستوى أكبر لسردية أنّ “حسين” هو الأحق بمنصب القائم بأعمال المرشد، على اعتبار أنّه عضو مكتب الإرشاد الوحيد حالياً في إخوان الخارج.
ويُرجح أن تسعى جبهة لندن في إطار هذا التوجه لاستمالة جبهة الكماليين، فضلاً عن قواعد التنظيم في الداخل المصري.
ثانياً: تحركات جديدة من جبهة لندن، وربما تدفع تحركات جبهة إسطنبول التصعيدية جبهة لندن باتجاه التحرك في الساعات والأيام المقبلة من أجل سرعة إعادة بناء الهيكل الداخلي الخاص بها، وتسمية قائم بأعمال المرشد خلفاً لإبراهيم منير، وأميناً عاماً للتنظيم الدولي، بما يُغلق الباب أمام استغلال جبهة إسطنبول لحالة الفراغ التي خلفت وفاة إبراهيم منير، وسوف تستغل الجبهة في إطار هذا التوجه سيطرتها على أصول اقتصادية مهمة للجماعة، وعلاقاتها القوية ببعض الدول، وسردية أنّ حسين تم فصله من مكتب الإرشاد، وكذا التضييق الذي تمارسه السلطات التركية تجاه قادة جبهة إسطنبول، خصوصاً في ضوء تنامي المؤشرات على احتمالية استئناف المباحثات الاستكشافية بين مصر وتركيا، وهي الفرضية التي لو تحققت، فإنّ السلطات التركية سوف تتبنّى المزيد من الإجراءات التصعيدية ضد قادة الإخوان في تركيا.
المصدر حفريات