سراج الدين الصعيدي
كاتب مصري
مع استمرار حالة الانهيار المتسارع للقطاع الصحي اليمني، وخروج أكثر من نصف مرافقه عن الخدمة، اتهم عاملون في القطاع الصحي الحوثيين بارتكاب انتهاكات جديدة، طالت العديد من المنشآت الطبية والعاملين فيها في مناطق واقعة تحت سيطرة الجماعة.
وقد أدت تلك الجرائم الحوثية إلى انعدام شبه كلي للخدمات الطبية، وتفشي العديد من الأمراض والأوبئة، واتساع رقعة انتشار الأدوية الفاسدة، أمام مرأى ومسمع من سلطات الانقلاب التي لم تحرك أيّ ساكن.
ووفق ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن عاملين صحيين في صنعاء، فإنّ موجة الانتهاكات الحوثية تنوعت بين جرائم عبث وفساد وحملات دهم وإغلاق ومصادرة، وفرض جبايات مالية تحت أسماء مختلفة، وخطف عاملين بالقطاع، الأمر الذي جعل رسوم الخدمات الصحية تقفز في مناطق تحت سيطرة الجماعة إلى أرقام غير مسبوقة.
وفي سياق متصل بجرائم الحوثيين، اختطفت الميليشيات الإرهابية أخيراً الأستاذ في كلية الطب بجامعة صنعاء، مدير أحد المستشفيات الخاصة بالعاصمة، ياسر عبد المغني، واقتادته إلى أحد سجونها قبل أن تتمكن وساطة محلية من الإفراج عنه أول من أمس، بعد أيام من اعتقال مماثل طال مدير عام مستشفى السعودي الألماني عبد الله الداعري.
وقال مصدر صحي بالعاصمة صنعاء نقلت عنه شبكة “إندبندنت” بالعربية: إنّ مسلحين حوثيين اعترضوا عبد المغني في شوارع العاصمة، وأخفوه في مبنى الاستخبارات سيّئ الصيت على خلفية خلافات سابقة معه.
وعبد المغني يعمل مديراً لمستشفى يشفين الاستشاري، وأستاذاً في كلية الطب بجامعة صنعاء، ويُعدّ أحد كبار الجراحين في اليمن، وعمل سابقاً مديراً لمستشفى (48) التابع لقوات الحرس الجمهوري الذي كان يقوده أحمد علي صالح نجل الرئيس السابق.
ووفقاً لمراقبين، فإنّ اختطاف عبد المغني، بعد أيام من اختطاف الداعري، يأتي في إطار مساعي الميليشيات للاستيلاء على المستشفيات الخاصة وإخضاعها لإدارة ما يُسمّى “الحارس القضائي”، كما حدث لعدد من المستشفيات في صنعاء وبقية المحافظات الخاضعة لسيطرتها.
وفي أول ردّ فعل رسمي استنكرت الحكومة الشرعية اليمنية “بأشد العبارات” اختطاف الميليشيات للمسؤولين الأطباء.
وقال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في تصريح نقلته وكالة سبأ: إنّ جريمة اختطاف ياسر عبد المغني وعبد الله الداعري، والإخفاء القسري لهما، تندرج ضمن ما تقوم به ميليشيات الحوثي منذ الانقلاب من تضييق على الكوادر الوطنية لدفعها إلى الهجرة خارج البلد، ومساعيها إلى الاستحواذ على المستشفيات الخاصة، الذي أدى إلى انهيار القطاع الصحي وتردي الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين.
هذا، وأكدت مصادر لموقع “المشهد اليمني” أنّ الميليشيات الموالية لإيران كانت قد اقتحمت خلال الفترة الماضية مستشفى الثورة بصورة مفاجئة، واعتدت على طبيب، ممّا تسبب في حالة هلع لدى العاملين الصحيين والمرضى الموجودين فيه.
وألقت الميليشيات القبض على ناشط حقوقي وسط مدينة إب، يدعى إبراهيم العزي، على خلفية نشره مقطعاً يوثق اعتداءهم على الطبيب داخل المشفى.
وسبق ذلك بأيام قيام مسلحي الميليشيات بتنفيذ جريمة دهم أخرى مماثلة طالت مستشفى “السلامة” الأهلي بمدينة يريم شمالي محافظة إب، وتنصيب أحد عناصرها مديراً جديداً، مع تعيين قيادي آخر كنيته “أبو مالك” حارساً قضائياً، وهي طريقة حوثية لسرقة ما بقي من أموال وممتلكات اليمنيين بمدن سيطرة الميليشيات، حسبما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط”.
ويؤكد عاملون صحيون في محافظة إب أنّ عناصر الميليشيات سبق لهم السطو بقوة السلاح على مستشفى “أطباء المنار” التخصصي (أحد أكبر مشافي المحافظة)، وسطوهم أيضاً خلال شهر تموز (يوليو) في العام الماضي على مستشفى الأمين التخصصي وسط إب، بعد أعوام من ضغوطات وعمليات ابتزاز مورست على إدارة المستشفيين والمستثمرين فيهما.
على صعيد استمرار مسلسل الفساد الحوثي الذي طال، وما يزال، مؤسسات طبية في صنعاء ومدن أخرى، اتهم حقوقيون وناشطون محليون القيادي الحوثي طه المتوكل المعين وزيراً للصحة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها، بسرقة غالبية الدعم المالي والتقني المقدم من منظمات دولية معنية بالصحة لدعم مرافق حكومية، بهدف تقديم خدمة التطبيب للمرضى اليمنيين.
وأفاد الناشط عبد الفتاح الوشلي الموالي للجماعة بأنّ مستشفى “اليمن السعيد” الخاص حديث النشأة في حي الأصبحي في صنعاء، تم تأثيثه بأجهزة ومعدات طبية حديثة ومتطورة بقيمة مليوني دولار سلمتها منظمة الصحة العالمية لوزارة الصحة الحوثية كمنحة لأحد المستشفيات الحكومية في صنعاء.
وأضاف الوشلي بمنشور له على حسابه بـ “فيسبوك”: “إذا عُرِف من هو المالك الحقيقي للمستشفى، فسنعرف جميعاً بالتأكيد السبب الحقيقي لتراجع الخدمات الصحية بالمستشفيات الحكومية”، في إشارة إلى أنّ مالكه الحقيقي هو الوزير الحوثي طه المتوكل.
وتوالى على أثر ذلك العديد من الردود والتعليقات لحقوقيين ومغردين يمنيين؛ وأكد كثير منهم أنّ الوزير الحوثي طه المتوكل هو المالك الحقيقي لذلك المستشفى، ومن خلفه توجد قيادات عليا في الجماعة.
وأوضح المغردون في سياق تعليقاتهم تلك بأنّ الذي يدير تلك المنشأة الطبية الخاصة ويشرف عليها في صنعاء بالوقت الحالي هو الدكتور خالد معصار، المقرب أسرياً من القيادي الحوثي البارز المدعو مجاهد علي معصار، المعيّن حوثياً في (3) مناصب رفيعة، هي: رئيس المجلس الطبي الأعلى، ورئيس ما تُسمّى جامعة 21 أيلول (سبتمبر)، ومستشار وزير الصحة الحوثية، إضافة إلى صلة النسب التي تربطه بالوزير الانقلابي، بحسب تأكيدات المغردين اليمنيين.
هذا، وحذّرت مصادر طبية يمنية من مخاطر متزايدة ما تزال تحدق بقطاع الصحة ومنتسبيه، في المناطق تحت سيطرة الميليشيات الحوثية التي تتحمل كامل المسؤولية جراء وصول الأوضاع الصحية إلى مرحلة الانهيار غير المسبوقة، خصوصاً في صنعاء العاصمة وفي بقية المدن الواقعة تحت سيطرتها.
وكانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات قد كشفت في تقرير حديث لها عن تسجيلها أزيد من (5119) انتهاكاً حوثياً، طال مرافق صحية ومستشفيات وعاملين صحيين في مناطق يمنية متفرقة، خلال الفترة الزمنية من كانون الثاني (يناير) 2018 حتى آذار (مارس) 2022.
ووثق التقرير (92) حالة قتل بحق العاملين بالقطاع الطبي، منها (39) حالة قتل أطباء، و(24) ممرضاً، و(29) حالة قتل سائقي سيارات الإسعاف، ورصد تقرير الشبكة أيضاً (216) حالة اعتقال واختطاف، وقد تم اعتقال أغلب الضحايا أثناء وجودهم في المستشفيات والمراكز الطبية أو عياداتهم الخاصة.
وأوضحت أنّ الانتهاكات الحوثية توزعت بين القتل المباشر والإصابة والاعتقال والإخفاء القسري للكادر الطبي والمسعفين وغيرهم، إلى جانب إعدامات ميدانية واعتداءات جنسية، وتعرض منشآت طبية للاستهداف الحوثي بقذائف “الهاون” و”الكاتيوشا”، مع تفجير وتفخيخ ونهب وإغلاق ومصادرة منشآت أخرى، فضلاً على استيلاء الميليشيات على مساعدات طبية إغاثية، والمتاجرة بالأدوية في السوق السوداء وحرمان المرضى المدنيين منها.
من جهته، وثق مجلس حقوق الإنسان بأمانة العاصمة صنعاء ما يقرب من (2069) حالة انتهاك طالت المنشآت الصحية والمستشفيات.
ومن هذه الأرقام وقعت نحو (932) حالة إغلاق واقتحام طالت المراكز الصحية والمستشفيات والعيادات الخاصة والصيدليات في مختلف المحافظات اليمنية، وفق موقع “الأمناء نت”.
كذلك وثق تقرير المجلس تعرض أكثر من (429) مرفقاً صحيّاً للتدمير الجزئي نتيجة القصف العشوائي، و(237) حالة استيلاء، و(136) حالة تدمير كلي نتيجة القصف الصاروخي وقذائف المدفعية والدبابات.
ونُهب أكثر من (165) مستشفى، وتعرّض (41) مرفقاً صحيّاً للتفخيخ والتفجير، وتم تنفيذ (129) هجوماً مباشراً على سيارات الإسعاف.
هذا، واعترفت جماعة الحوثي أمس بتدهور الوضع الصحي للأطفال والأمهات الحوامل والوالدات في مناطق سيطرتها، إلا أنّها تنصلت من تسببها في معاناة الأطفال، والانتهاكات التي طالتهم نتيجة الحرب والانقلاب، في حين اتهمت منظمات حقوقية الجماعة بالتسبب في تلك الانتهاكات بشكل مباشر.
وذكر مسؤولون في قطاع الصحة والسكان الذي يسيطر عليه الحوثيون في العاصمة صنعاء أنّ أكثر من (80) مولوداً من حديثي الولادة يتوفون يومياً في اليمن، وأنّ هناك حاجة لأكثر من (2000) حاضنة لحديثي الولادة لتغطية العجز في المستشفيات؛ في حين لا يتوفر سوى (632) حاضنة.
وبدورها تحدثت الجمعية الوطنية للقابلات اليمنيات عن ازدياد كبير في عمليات الولادة القيصرية دون أسباب طبية واضحة، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع معدل الوفيات في أوساط الأمهات والمواليد؛ خصوصاً مع انعدام الرعاية الصحية الكافية، ونقص الأجهزة والمعدات الطبية، ووفقاً للجمعية فإنّ (110) آلاف ولادة تمت بعملية قيصرية، من أصل (384) ألفاً و(147) حالة ولادة.
ويعاني الأطفال في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية من تدهور القطاع الصحي والخدمات الطبية. ومنتصف هذا العام اتهم تحالف “حماية الصحة في النزاع” الميليشيات بإلحاق الضرر بالقطاع الصحي، وممارسة العنف ضد الرعاية الصحية.
وكانت “اليونيسف” قد جددت التذكير بأنّ الوضع في اليمن، الذي يمثل أسوأ أزمة إنسانية في العالم، يحتاج ثلثا سكانه إلى مساعدة إنسانية عاجلة، نتيجة النزاعات والأوبئة، و”يأتي الأطفال في مقدمة ضحايا هذه الأزمة؛ ويحتاج نحو (11) مليون طفل إلى الحصول على شكل من أشكال المساعدة الإنسانية أو الحماية”، حسبما نقلت وكالة “فرانس برس”.
المصدر حفريات