ياسر عبدالعزيز
تواترت تقارير وإحصاءات موثوقة فى الآونة الأخيرة عن تراجع قابل للقياس فى أعداد مستخدمى بعض أكثر وسائل «التواصل الاجتماعى» رواجاً، وهو الأمر الذى تزامن مع صدور دراسات عديدة تربط بين الإفراط فى استخدام تلك الوسائل والشعور بالاكتئاب والتعاسة.
لا يمكن القول إننا بدأنا الطريق نحو هجر هذه الوسائط بطبيعة الحال، لكن، على الأرجح، فإن بعض المستخدمين بدأ يدرك أن الإفراط فى استخدامها أضر بحياته، وأن مراجعة أنماط الاستخدام باتت ضرورة.
من الصعب جداً إنكار أن استخدام وسائل «التواصل الاجتماعى» ينطوى على فوائد كبيرة، فقد كسرت احتكار وسائل الإعلام التقليدية لوظائف إعلامية أساسية، وفتحت الباب واسعاً أمام مبادرات شبابية، وجماعات مهمشة، وأصوات ضعيفة، لكى تبرز وتصل أصواتها إلى العالم. لم يكن بوسع هؤلاء أن يمتلكوا منصات إعلامية تقليدية تكلف الملايين، ولم يكن بمقدورهم توفير نفقات تشغيل دورية، وتوظيف كوادر، من أجل أن يعبروا عن مواقفهم وآرائهم، لكن الآن بات بوسعهم أن يقوموا بكل ذلك عبر إنشاء حساب على «فيس بوك» أو «تويتر».
إنها عملية توسيع للمشاركة بكل تأكيد فى المجال الإعلامى، وتحويله إلى مجال أكثر ديمقراطية وتنوعاً وتعدداً. بسبب رواج تلك الوسائط وانتشار الرسائل عبرها، زادت قدرة المجتمع على مراقبة أداء السلطات، وتعززت المشاركة العامة، ضمن حالة من اللامركزية وفرت قدراً كبيراً من الإتاحة لأصحاب مصالح كانوا محرومين من التواصل مع الرأى العام ومحاولة التأثير فيه. لكن تلك المناقب كلها أضحت على المحك فى مواجهة ما باتت ترتكبه تلك الوسائط من أخطاء وتسببه من مخاطر، إذ أظهرت نتائج دراسة دنماركية حديثة أن مستخدمى موقع «فيس بوك» أقل سعادة وأكثر قابلية للإحساس بالضغوط مقارنة بغيرهم.
وفى وقت سابق من الشهر الجارى، أفادت المنظمة البريطانية للعلاج من الإدمان أنها رصدت زيادة نسبتها 5% فى الأشخاص الذين يطلبون المساعدة من وقوعهم فى براثن إدمان مواقع «التواصل الاجتماعى».
وكان الباحثون فى معهد أبحاث السعادة بالعاصمة كوبنهاجن قد أجروا دراسة تفصيلية على أكثر من ألف مستخدم لمواقع «التواصل الاجتماعى»، وهى الدراسة التى أثبتت أن مستخدمى تلك المواقع أكثر عرضة للإحساس بالضغوط بنسبة تصل إلى 55%.
والواقع أن الفوائد الكبيرة المتولدة عن استخدام تلك الوسائط الجديدة يمكن أن تتراجع أهميتها أمام جملة من الممارسات الشاذة والحادة والمنفلتة التى تحفل بها تلك المنصات للأسف، وهى الممارسات التى ربما أثرت فى مزاج المستخدمين وجعلتهم أكثر قابلية للضغوط وأقل إحساساً بالسعادة.
كما أفادت دراسات غربية أن بعض المستخدمين الذين يهتمون بمراقبة أحوال مستخدمين آخرين على تلك المواقع يصابون بـ «الكآبة» أحياناً، عندما يعتقدون أن الصور والتعليقات والقصص التى يبثها غيرهم إنما تعكس بدقة وأمانة وشمول أنهم يتمتعون بالحياة والسفر والتسوق وقضاء العطلات والحياة العائلية المتماسكة الجيدة، كما يظهر فى الصور والتغريدات.
ليست هذه هى كل الأخبار السيئة، فثمة ما يشير إلى بعض المصاعب الصحية؛ إذ أكدت دراسة طبية أجريت فى جامعة نيويورك، أن الإفراط فى استخدام مواقع «التواصل الاجتماعى» قد يسبب عدم توازن بين النظامين المعرفى والسلوكى فى المخ، وهو أمر خطير للغاية حذر منه الباحثون.
تتزايد المؤشرات التى تفيد بقيام عدد لا بأس به من المُفرطين فى استخدام تلك الوسائط بمراجعات لأنشطتهم عليها، وتنبه مراكز التفكير المعنية إلى تفاقم المخاطر المتولدة عن ذلك الإفراط.
وفى غضون ذلك ظهرت إشارات إلى تراجع واضح فى الزخم الذى حظيت به تلك الوسائط لسنوات طويلة، فبينما أعلنت شركة «ميتا» عن انخفاض نادر فى أعداد مستخدمى «فيس بوك» النشطين، أشارت تقارير صادرة عن «تويتر» إلى تراجع واضح فى أنشطة عدد من المتفاعلين الأكثر نشاطاً على الموقع.
الإفراط فى استخدام تلك الوسائط، والاستسلام لبعض نزعاتها الضارة بات خطراً مُثبتاً على صحة الفرد والمجتمع، وهو ما يستدعى وقفة لمراجعة أنماط استخدامنا لها.
المصدر “المصري اليوم”