كريتر نت – متابعات
هوليوود لم تبتعد كثيرا عن الحقيقة عندما قدمت لنا العشرات من الأفلام حول الخيال العلمي. ولكنّ الصورة الأكثر دقةً لمستقبل الحروب رسمتها أفلام ظهرت مؤخرا وقدمت التكنولوجيا القاتلة ليس على هيئة بشر بل على شكل طائرات مسلحة دون طيار، وكان أبرزها “أنجل هاز فولين” عام 2019.
ومن بين أحدث إنتاجات أستوديوهات هوليوود التي تدور حول روبوتات قاتلة، دراما تقع أحداثها في قاعة محكمة حيث تتم محاكمة روبوت اسمه “دولي”، وتعرض على قناة أبل، استنادًا إلى قصة قصيرة كتبتها إليزابيث بير في عام 2011 تروي قصة مؤامرة تتعلق بقتل ملياردير على يد الروبوت، الذي يطلب محاميًا للدفاع عن أفعاله القاتلة.
دولي هو الأحدث في سلسلة طويلة من الأفلام التي تعرض الروبوتات القاتلة، وسبقه في ذلك ظهور “هال” كمبيوتر الذكاء الاصطناعي العملاق في فيلم ملحمة الفضاء سبيس أوديسي عام 2001، والروبوت T-800 القاتل المحترف الذي ظهر في أفلام المدمّر “ذا تيرميناتور” وقام بالدور الممثل أرنولد شوارزنيغر، فيما ظهر الصراع بين الروبوتات والبشر في أول وأطول فيلم خيال علمي، وهو فيلم ميتروبوليس عام 1927 للمخرج فريتز لانغ.
اليوم، ومع تزايد الدور الذي تؤديه الروبوتات في حياتنا، وما يرافق ذلك من مخاوف من أن تتحول الظاهرة إلى مصدر خطر مع مرور الوقت، خاصة ظهور الروبوتات القاتلة التي قد تستهدف البشر في المستقبل؛ حيث تصبح الروبوتات قادرةً على اختيار الأهداف ومهاجمتها دون أي تدخل من البشر، كيف يمكن لهوليوود أن تظل صامتةً؟
كانت هوليوود وما زالت مصدرا جيدا للتنبؤ بالمستقبل، فقد كانت هناك العديد من الأفلام التي ترتكز قصتها على الكائنات التي يمكن أن تحاكي الذكاء البشري، قبل أن يصبح مصطلح الذكاء الاصطناعي متداولا بين الناس.
هوليوود تخرج عن صمتها
يروي روبرت والاس رئيس مكتب خدمات تقنية في وكالة المخابرات المركزية الأميركية كيف سيشاهد الجواسيس الروس أحدث أفلام جيمس بوند لمعرفة التقنيات التي قد تواجههم في المستقبل. يُذكر أن شخصية جيمس بوند هي شخصية خيالية لعميل بريطاني سري يعمل لدى فرع MI-6.
ثبت الآن صحة ما حذرت منه هوليوود؛ ظهرت الروبوتات القاتلة وأصبحت حقيقة ماثلة توظف في الحروب، ولكنها ظهرت بشكل مختلف لما تنبأت به أستوديوهات إنتاج الأفلام. الروبوتات القاتلة لن تكون روبوتات بشرية حساسة ذات نوايا شريرة. ربما ذلك يُصنع من أجل عرض قصة درامية تنال نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، لكن لنأخذ في الحسبان أن هذه التقنيات على بعد عدة عقود، إن لم تكن قرونًا.
الصورة الأكثر دقةً للمستقبل الحقيقي للروبوتات القاتلة ترسمها أفلام ظهرت مؤخرا وقدمت التكنولوجيا القاتلة ليس على هيئة البشر بل على شكل طائرات مسلحة دون طيار (درونز) وكان أولها فيلم “آي إن ذي سكاي” عام 2015، وتلاه بعد أربع سنوات فيلم “أنجل هاز فولين” عام 2019.
بعد أقل من ثلاثة أعوام انتقل ما كان على الشاشة مجرد خيال علمي، ليصبح حقيقة واقعة بل ومسيطرة في ساحة المعركة. وتحولت الحرب التقليدية فجأة إلى حرب حديثة في أماكن مثل أوكرانيا وناغورني قرة باغ.
الأخبار لا تخلو يوميا من مشاهد لطيارات ودبابات وسفن وغواصات الآلية، هي روبوتات أكثر تعقيدًا، وإن لم تكن على هيئة بشر؛ تُسلَّم قرارات تحديد الأهداف وتتبعها وتدميرها إلى خوارزمياتها.
لكن هناك تحذيرات من أن هذا قد يأخذ العالم إلى مكان خطير مع مجموعة من المشكلات الأخلاقية والقانونية والتقنية. فمثل هذه الأسلحة على سبيل المثال ستزيد من اضطراب وضعنا الجغراسياسي المضطرب أصلًا. نرى تركيا تبرز كقوة رئيسية للطائرات من دون طيار، وتتجاوز مثل هذه الأسلحة الخط الأحمر الأخلاقي ليتحول العالم إلى عالم فظيع ومرعب تقرر فيه الآلات غير الخاضعة للمساءلة من يعيش ومن يموت.
تراجع بعض مصنعي الروبوتات مؤخرا عن الاستمرار في تطوير روبوتات قاتلة والمساهمة في صنع مستقبل كابوسي، حيث تعهدت الأسبوع الماضي ست شركات رائدة في مجال صناعة الروبوتات بأنها لن تقوم بتسليح منصات الروبوتات مطلقًا، من بينها شركة بوسطن ديناميكس التي تصنع روبوت أطلس البشري الذي يمكنه أداء قفزة خلفية رائعة، والروبوت الكلب سبوت الذي يبدو وكأنه خرج مباشرة من سلسلة “بلاك ميرور”.
دعوات لفرض الرقابة
هذه ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها شركات الروبوتات عن المستقبل المقلق، فقبل خمس سنوات نشرت رسالة مفتوحة موقعة من إيلون ماسك وأكثر من 100 من مؤسسي شركات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، تدعو الأمم المتحدة إلى تنظيم استخدام الروبوتات القاتلة، حتى أن الرسالة دفعت البابا إلى المركز الثالث في جائزة نزع السلاح العالمية.
وعلى الرغم من كل تلك التعهدات من قبل الشركات بعدم تسليح الروبوتات، فقد رأينا مسبقًا بنادق تُركّب على نسخ من الروبوت سبوت التابع لشركة بوسطن ديناميكس، وقد أثبتت هذه الروبوتات فاعليتها في العمل، ورأينا اغتيال أكبر عالم نووي إيراني على يد عملاء إسرائيليين باستخدام رشاش آلي في عام 2020.
الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها حماية عالمنا من هذا المستقبل المرعب هي أن تتخذ الدول إجراءات جماعيةً، كما فعلت تجاه الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية، وحتى الأسلحة النووية.
ربما لن تكون هذه الإجراءات كافية، فهي لم توقف من قبل تطوير الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية وحتى النووية، لكنها ستمنع، على الأقل، شركات الأسلحة من البيع العلني لهذه الأسلحة، وبالتالي ستحد من انتشارها.
وقد دعت عشرات من الدول بالفعل الأمم المتحدة إلى التدخل ومراقبة وتنظيم استخدام الروبوتات القاتلة، إذ دعا البرلمان الأوروبي والاتحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتحدة والحائزون على جائزة نوبل للسلام وقادة الكنيسة والسياسيون وآلاف من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات إلى ممارسة مثل هذه الرقابة. لكن أستراليا لم تكن من داعمي هذه الدعوة.
ويبقى قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإجماع أن استكشاف آثار التكنولوجيا الجديدة والناشئة، مثل الأسلحة الآلية المترتبة على حقوق الإنسان، أمر مهم أكثر من تعهد الشركات.