كريتر نت – متابعات
كشفت ردود الأفعال بشأن خروج المنتخب الألماني من مونديال قطر 2022 منذ الدّور الأول، للمرة الثانية على التوالي بعد روسيا 2018، تراجعا مخيفا في شعبية هذا المنتخب بشمال أفريقيا والشرق الأوسط. وحسب العديد من النقاد لم يستحق المنتخب الألماني العبور إلى الدور الثاني في المونديال الحالي؛ فالفريق لم يكن مستقرا في المباريات الثلاث التي خاضها ضمن الدور الأول للبطولة، وافتقد إلى الكفاءة الضرورية في الهجوم. فهل ستساهم كأس أمم أوروبا (يورو 2024) في إعادة بناء الفريق؟
وعاش منتخب ألمانيا لكرة القدم خيبة تلو أخرى في السنوات الأربع الأخيرة، ما يشير إلى تراجع مخيف تأكّد بشكل واضح في مونديال قطر 2022. فقد مني “دي مانشافت” بخسارة مفاجئة في مستهل مشواره في النسخة الحالية أمام نظيره الياباني 1 – 2، ثم قدّم أداء جيدا لينتزع التعادل من إسبانيا 1 – 1، قبل أن يحقق فوزا دون فائدة على كوستاريكا الضعيفة 4 – 2 ويخرج من الباب الضيق للمرة الثانية تواليا.
وعنونت صحيفة “بيلد” الألمانية واسعة الانتشار على موقعها الإلكتروني “نحن خارج المنافسة، الأمر محرج للغاية”. وأضافت “إنها البطولة الثالثة تواليا التي لا نحقق فيها أي شيء. كان عالم كرة القدم يرتجف أمامنا. كان يُشهد لنا بأننا فريق بطولات. أما الآن فقد أصبحت ألمانيا قزمة في عالم كرة القدم”.
دخلت ألمانيا نسخة مونديال 2018 وهي مرشحة للاحتفاظ بلقبها الذي أحرزته في البرازيل قبل أربع سنوات، عندما سحقت البرازيل المضيفة 7 – 1 في نصف النهائي وأرجنتين ميسي في النهائي، لاسيما أنها ضمت تسعة لاعبين من بين أبطال العالم.
كما أن القرعة أوقعتها في مجموعة سهلة ومنتخبات من الصف الثاني هي المكسيك والسويد وكوريا الجنوبية، لكنها خسرت أمام المكسيك وأمام كوريا الجنوبية لتحتل المركز الأخير وتخرج من الدور الأول. لقيت حينها مصير المنتخبات حاملة اللقب وهذا ما حصل لفرنسا عام 2002، وإيطاليا عام 2010، وإسبانيا عام 2014.
خسرت ألمانيا مباراتها الأولى ضد المكسيك 0 – 1، قبل أن تنتزع فوزا في غاية الصعوبة ضد السويد 2 – 1 عندما سجل لها طوني كروس هدفا في الدقيقة الخامسة من الوقت بدل الضائع لتتنفس قليلا.
لكنها انهارت تماما في المباراة الأخيرة ضد كوريا الجنوبية وسقطت أمامها 0 – 2. تلا ذلك إعلان مسعود أوزيل اعتزاله اللعب دوليا، والأكثر من ذلك تحدث عن وجود تمييز في صفوف المنتخب الألماني.
وأعلن يواكيم لوف مهندس فوز منتخب بلاده في مونديال 2014، أنه سيترك المنتخب الألماني قبل أشهر من بدء منافسات كأس أوروبا 2020 علما بأنه عمل مساعدا ليورغن كلينسمان من 2004 إلى 2006 قبل أن يخلفه.
وتأجلت كأس أوروبا إلى صيف عام 2021 بسبب تداعيات فايروس كورونا. وفي خريف عام 2020 تلقت ألمانيا هزيمة تاريخية أمام إسبانيا (0- 6) في إشبيلية ضمن دوري الأمم الأوروبية، ما استدعى المطالبة بإقالة لوف. وخلافا لمونديال 2018، وجدت ألمانيا نفسها في مجموعة صعبة في كأس أوروبا مع فرنسا التي تحصلت على لقب كأس العالم عام 2018.
نهاية دولة كروية
انتهت المباراة بفوز فرنسا 1 – 0. وبعد فوز صعب على البرتغال 4 – 2 والتعادل مع المجر 2 – 2 توقف مشوار “دي مانشافت” في ثمن النهائي أمام إنجلترا بالخسارة أمامها 0 – 2. وكانت المرة الأولى التي لا يبلغ فيها المنتخب الألماني ربع نهائي في بطولتين تواليا، قبل أن يتوالى سقوطه الدراماتيكي بعد 18 شهرا في قطر. جاء الجدل حول شارة “وان لاف” الرافضة للتمييز، ليعكّر صفو الأيام الأولى للمنتخب الألماني في قطر.
وكرّر قائد الفريق مانويل نوير عدة مرات رغبته في ارتداء الشارة، لكن الألمان رضخوا أخيرا في مواجهة خطر التعرض لعقوبات رياضية من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). احتجاجا على ذلك، قام لاعبو المدرب هانزي فليك بوضع أيديهم على أفواههم متهمين فيفا بإسكاتهم.
ورفض فليك اعتبار أن القيام بهذه الخطوة ساهم في خسارة المباراة الافتتاحية أمام اليابان 1 – 2. وكانت هذه البداية الخاطئة قاتلة لألمانيا التي استعادت توازنها بعض الشيء بالتعادل مع إسبانيا 1 – 1، ثم الفوز على كوستاريكا 4 – 2. لكن لم يكن مصير “دي مانشافت” في يديها، فوجّهت إليها اليابان ضربة جديدة من خلال فوزها على إسبانيا 2 – 1 لتخرجها مبكرا من السباق بعد أربع سنوات من الفشل الذريع في روسيا.
صبّت الصحف الألمانية جام غضبها على منتخبها الكروي. وكانت مجلة “كيكر” الأكثر شراسة في توجيه الانتقادات إلى المسؤولين عن الاتحاد الألماني وفي المنتخب، حيث قالت “المنتخب الألماني أصبح قزما تدريجيا، والأسوأ من ذلك عدم تطوّرنا، وكأس أوروبا المقبلة (ستستضيفها ألمانيا من 14 يونيو إلى 14 يوليو 2024) على الأبواب”.
وتحدّثت عن “غرق الاتحاد الألماني بالكامل، وهو أمر لا يمكن أن يستمر. المسؤولية تطال بعض المسؤولين الكبار بدءا بالمدرب هانزي فليك مرورا بالمدير الرياضي أوليفر بيرهوف وصولا إلى رئيس الاتحاد برند نويندورف”. أما صحيفة “بيلد” فقالت “إنها بلا شك نهاية دولة كروية عظمى”.
وأضافت “يعتبر هذا الخروج المبكر إحدى أسوأ الأمسيات في تاريخنا. يجب ألا نبحث بعيدا عن المسؤولين عن هذا السقوط: الاتحاد، المدرب واللاعبون ولا أحد آخر. سيبقى تاريخ الأول من ديسمبر 2022 في الأذهان وسيمثل نهاية حقبة لدولة كانت كبيرة وفخورة في كرة القدم أحرزت كأس العالم 4 مرات وكأس أوروبا 3 مرات. هذا الأمر بات بعيدا”.
وأضافت “الواقع مرير، خروج من دور المجموعات في مونديال 2018، ومن ثمن النهائي في كأس أوروبا 2021 ثم الخروج مجددا من الدور الأول في مونديال 2022″.
وتخوفت “بيلد” من الأثر المعنوي لهذا الخروج على أحد أبرز لاعبي المنتخب الألماني في السنوات الأخيرة وهو يوزوا كيميش، وقالت في هذا الصدد “بعد هذا الخروج المرير، الخوف من أن يقع يوزوا كيميش في الحفرة. لقد عاش الكثير من الصعود في مسيرته لكنه أيضا شهد بعض الهبوط الذي ترك أثرا بعد الخروج للمرة الثانية من الدور الأول وما له من تداعيات من الناحية الذهنية عليه. إنه محبط للغاية”.
تغييرات منتظرة
وكان كيميش صرح بعد خروج منتخب بلاده بقوله “إنه أسوأ يوم في حياتي. أخاف من الوقوع في حفرة. الأمر يجعلك تعتقد أن هذه الإخفاقات تتعلق بك”. وتابع “انضممت إلى صفوف المنتخب عام 2016، وبالتالي فإن ارتباط اسمك بهذه الإخفاقات أمر لا تحب السماع به”.
وكان لسان حال موقع “فوكوس” مماثلا بقوله “لم نعد ذلك المنتخب الذي يتألق في البطولات الكبرى. لائحة أسباب تراجع كرتنا طويلة. وصار لزامًا علينا من الآن فصاعدا استعمال المنظار لرؤية قمة كرة القدم الدولية، وهذا ما يؤلمنا أكثر من أي شيء آخر”.
وأبدى بيرند نيوندورف، رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، أسفه لإقصاء منتخب الماكينات مبكرا من بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر. وأوضح أن هذا الخروج “مؤلم للغاية”، داعيا إلى اجتماع مع مسؤولي الاتحاد لتحليل الموقف. وقال نيوندورف ضمن مؤتمر صحفي عقده في مطار الدوحة، أثناء مغادرة بعثة المنتخب الألماني العاصمة القطرية، “يمكنكم أن تتخيلوا أن مسار اليوم السابق يمثل خيبة أمل مريرة لنا. الخروج من البطولة يؤلم كثيرا”.
وأضاف نيوندورف “رغم ذلك يتعين علينا أن نتطلع إلى المستقبل، وبالتالي سوف نشرع في إجراء منظم بشأن كيفية التعامل مع هذا الوضع”. وأعلن عن لقاء مرتقب مع هانزي فليك المدير الفني لمنتخب ألمانيا، وأوليفر بيرهوف مدير الاتحاد الألماني، وهانز يواخيم فاتسكه نائب رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، في الأسبوع المقبل.
وأوضح نيوندورف أن الهدف من هذا اللقاء هو إجراء تحليل مبدئي للبطولة وكذلك تطوير آفاق الفترة التي تلي مونديال قطر 2022، بهدف الاستعداد لبطولة كأس الأمم الأوروبية (يورو 2024) التي ستستضيفها ألمانيا. وقال رئيس اتحاد الكرة الألماني “انطلاقا من هذا الأساس سنجري محادثات أخرى”.
طالب النجمان الألمانيان المعتزلان مايكل بالاك وسامي خضيرة بإجراء تغييرات داخل الاتحاد الألماني لكرة القدم لمحاولة تجنب وداع مبكر آخر من البطولات الكبرى. وعقب تتويج المنتخب الألماني بلقبه الأخير في بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2014 بالبرازيل، ودع منتخب الماكينات المونديال من مرحلة المجموعات في النسختين الأخيرتين.
وناقش عدد من النقاد فوز اليابان المثير للجدل (2-1) على إسبانيا، في الجولة الثالثة (الأخيرة) بالمجموعة الخامسة من دور المجموعات في المونديال الخميس، والذي تسبب في الإطاحة بالمنتخب الألماني مبكرا من المسابقة، رغم فوزه 4 – 2 على كوستاريكا في الجولة ذاتها وفي التوقيت نفسه. وتحدث النقاد عن المشكلات الهيكلية داخل الاتحاد الألماني لكرة القدم. وقال بالاك في تصريحات لموقع “ماجنتا” الرياضي “يتعلق الأمر بقلب كل حجر في اتحاد الكرة الألماني”.
وأضاف النجم السابق الذي قاد منتخب ألمانيا إلى الحصول على المركز الثاني في مونديال 2002 بكوريا الجنوبية واليابان ” تتوجب إعادة النظر في كل منصب باتحاد الكرة الألماني، بما في ذلك منصب المدير الفني للمنتخب. لا يتعلق الأمر بهانزي فليك شخصيا، بل بكرة القدم الألمانية وتكوين منتخب يلعب كرة قدم ناجحة ويذهب بعيدا”.
وأشار بالاك إلى أن ألمانيا فقدت سمعتها كفريق في بطولة كأس العالم لكرة القدم. وأوضح “ينبغي علينا أولا أن نكسب الاحترام مرة أخرى. علينا تدريب اللاعبين مرة أخرى. ربما نركز على بعض الأشياء الأخرى في السنوات الأخيرة، ويتعين علينا تصحيحها”.
شعور بالمرارة
وتكهنت وسائل الإعلام بأن منتخب ألمانيا شعر بالتشتت وفقد تركيزه قبل أن يخسر مباراته الافتتاحية في المونديال 1 – 2 أمام اليابان، بسبب خلافات مع الاتحاد الدولي لكرة القدم بشأن ارتداء شارة القيادة متعددة الألوان.
من جانبه يرى خضيرة، الذي توج مع منتخب ألمانيا بلقب كأس العالم 2014، ضرورة التركيز على تطوير أداء اللاعبين في المستقبل. وصرح لمحطة “أيه آر دي” التلفزيونية الألمانية قائلا “إنها مسألة تدريب. لدينا مقامرون. لكن كرة القدم هي أكثر قليلاً من مجرد لعب القمار. كرة القدم لعبة ذهنية أيضا”.
وتوقع أوليفر بيرهوف، مدير الاتحاد الألماني لكرة القدم، بقاء فليك في منصب المدير الفني للفريق ببطولة كأس الأمم الأوروبية، في ظل حرص المدرب الألماني على الاستمرار. وعندما سُئل عما إذا كان هو نفسه قد يتنحى قال بيرهوف لاعب منتخب ألمانيا السابق “أنا أستبعد ذلك الآن. لدي شعور جيد للغاية بعملي”.
لكن بيرهوف أقر بأن هناك الكثير من العمل الذي ينتظرهم بعد الوداع المبكر في نسختي بطولة كأس العالم 2018 و2022 وكذلك “يورو 2020” في صيف العام الماضي. وقال “لسوء الحظ، ليس لدي أي مبررات للظهور بشكل سيء في ثلاث بطولات كبرى”.
وصف جوشوا كيميش، لاعب المنتخب الألماني لكرة القدم، خروج بلاده الموجع من منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم، المقامة حاليا في قطر، بأنه أسوأ لحظة في مشواره الكروي. وصرح لاعب الوسط الألماني للصحافيين “بالنسبة إلي شخصيا هذا هو أسوأ يوم في مسيرتي الكروية”.
وأضاف كيميش “إنه بالتأكيد أصعب يوم في مشواري. إنها المرة الثانية التي أشارك خلالها في وداع ألمانيا المونديال من الدور الأول، وكان بينهما الإقصاء المبكر من كأس الأمم الأوروبية أيضا”. وأكد كيميش “إنه شيء مرير. هناك العديد من الفرص الضائعة خلال السنوات الأربع الماضية”.
;من جانبه انتقد إيلكاي غوندوغان، لاعب وسط منتخب ألمانيا، أداء زملائه في الفريق، حيث طالبهم بالتفكير في عيوبهم. وقال “نستقبل الأهداف بسهولة شديدة ونخسر الكرات بسهولة كبيرة ونهدر فرص التهديف بسهولة بالغة”.
وأضاف “بطبيعة الحال، فإننا كلاعبين في منتخب ألمانيا يتعين أن تتكون لدينا تطلعات مختلفة، لذلك ينبغي علينا أن نلقي نظرة فاحصة على أنفسنا”. وشدد لاعب الوسط “لم نبذل قصارى جهدنا كمجموعة، أو ربما بشكل فردي. يجب علينا أن نتساءل عن الأسباب وينبغي على الجميع أن ينظروا في المرآة ويقولوا لأنفسهم إن ذلك لم يكن كافيا”.