سراج الدين الصعيدي
كاتب مصري
تناول كتاب جديد صدر عن مركز “تريندز للبحوث والاستشارات” الانشقاقات داخل جماعة الإخوان المسلمين منذ أعوام نشأتها الأولى.
واعتمد الكتاب في تحليله لظاهرة الانشقاقات في جماعة الإخوان المسلمين على عدد من المقاربات؛ من بينها مقاربة فجوة الأجيال، ومقاربة السوق الدينية، ومقاربة تماسك الحركة الاجتماعية، ومقاربة تمكين الشباب، من مُنطلق أنّ هذه المقاربات سوف تسمح بالتعرف على التغيرات التي طرأت على مسار جماعة الإخوان ودفعت باتجاه خلخلة تماسكها، فضلاً عن تقصي الأسباب التي دفعت أفراداً ومجموعات إلى الانسحاب منها، والكشف عن الطبيعة الإقصائية لجماعة الإخوان، وغياب هياكلها التشاركية في ظل ثقافة الطاعة العمياء.
ووفقاً للكتاب، فقد شهدت جماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها حتى نهاية حكم الرئيس الراحل عبد الناصر عام 1970، عدداً من الانشقاقات المهمة، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال اقتراب تاريخي ومؤسساتي. وتدور مواضيع الانشقاقات حول مجموعة من المحددات التي تحكم مدى الانشقاق وطبيعته داخل الحركات الاجتماعية الكبرى، ومن هذه العوامل المحددة يمكن التعرف على مدى مركزية التنظيم، وتأثير القائد الكاريزماتي، ومدى استخدام العنف داخل التنظيم، لا سيّما أنّ تلك الفترة قد شهدت خلافات وصراعات عميقة داخل الجماعة، مثلت البداية لخلافات عميقة ضربت الجماعة في العقود التالية.
خلال عهد الرئيس محمد أنور السادات لم تشهد جماعة الإخوان المسلمين أيّ انشقاقات تنظيمية، صغيرة كانت أو كبيرة، بل إنّ الجماعة شهدت في تلك الفترة انتشاراً كبيراً في المجتمع، ونمواً ملحوظاً في هيكلها التنظيمي، بعد أن انضمت إليها مجموعات كبيرة من شباب التيار الإسلامي داخل الجامعات المصرية. وقد أسهمت عوامل عدة في عدم تعرض الإخوان لأيّ انشقاقات خلال تلك المرحلة التاريخية؛ أوّلها رغبة الرئيس السادات نفسه في التصالح مع الجماعة، وثانيها انشغال الجماعة بإعادة البناء التنظيمي، بالإضافة إلى نجاح المرشد الثالث عمر التلمساني في إدارة الخلافات داخل الجماعة، وفق الكتاب.
وبالرغم من محافظة الجماعة على تماسكها التنظيمي في الأعوام الأولى من عهد الرئيس مبارك، وفق الكتاب، فإنّ نغمة الانشقاقات عادت مرة أخرى إلى الجماعة بعد وفاة التلمساني 1986، من خلال بعض الانشقاقات التي تعددت أسبابها وتباينت في حجمها وطبيعتها، غير أنّها تمحورت حول أمرين رئيسيين: الأوّل هو سلوكيات رجال النظام الخاص والقطبيين، التي أدت إلى ابتعاد “الإصلاحيين” عن الجماعة، والثاني هو الخلافات التنظيمية حول بعض المواقف التي كانت الجماعة تتخذها إزاء بعض القضايا، لا سيّما مع بروز جيل جديد من الشباب داخل الجماعة يُعَدُّ أكثر انفتاحاً على العمل السياسي من الجيل القديم.
وأشار المركز في دراسته إلى أنّ الانشقاقات التي شهدتها الجماعة، منذ 25 كانون الثاني (يناير) 2011 حتى الوقت الحاضر، تُعَدُّ هي الأكبر والأخطر، بالنظر إلى كونها اتخذت الطابع الجماعي الذي سرعان ما تحول إلى صراع على قيادة الجماعة، ثم تفاقمت حدته بسبب اختفاء معظم القيادات التاريخية الفاعلة داخل السجون المصرية، والتي كانت قادرة على حسم الصراعات وتحجيم النفوذ الداخلي، وهو ما أصاب الجماعة بحالة من السيولة التنظيمية، أصبح من الصعب معها السيطرة على الانشقاقات والانقسامات، الأمر الذي جعلنا نشهد قيادتيْن على رأس الهرم التنظيمي لجماعة الإخوان، لأوّل مرة في تاريخها، بعد اشتعال الصراع بين “إبراهيم منير”، و”محمود حسين”، واتهام كلّ طرف للآخر بالفساد المالي والإداري.
ووفقاً لمركز “تريندز”، لم تقتصر الانشقاقات على جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر، بل تعدتها إلى عدد من فروعها البارزة في المنطقة العربية، وهو ما يعود إلى الارتباط القوي بين الجماعة الأم وفروعها في المنطقة. وقد يُعزى ذلك إلى التقارب الجغرافي والموروثات الثقافية المشتركة، إضافة إلى الارتدادات السياسية المباشرة بين دول المنطقة، أو ما يمكن أن يُطلق عليه “العدوى السياسية”، بمعنى أنّ ما يحدث في دولة من الدول العربية من تطورات بأشكال مختلفة، سرعان ما تنتقل تداعياته إلى الدول الأخرى، بما فيها الأزمات التي تصيب التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جعل فروع الجماعة في بعض الدول، مثل الأردن وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا وفلسطين، تشهد انشقاقات وانقسامات تتشابه كثيراً مع تلك التي ضربت الجماعة الأم في مصر .
ولفت الكتاب إلى أنّ الارتباط العضوي الواضح بين جماعة الإخوان الأم في مصر، وبين التنظيم الدولي للإخوان، تسبّب في أن يتعرّض الأخير لاهتزازات قوية، تزايدت حدتها مع حالة الانقسام التي ضربت الجماعة الأم في الفترة الماضية، وذلك بالنظر إلى أنّ القيادات المصرية كانت حريصة على الإمساك بكل المفاصل الحيوية للتنظيم الدولي، دون منافسة من عناصر الإخوان من الجنسيات الأخرى، وهو ما جعل الأزمات الطاحنة التي تواجهها الجماعة، منذ ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 حتى الآن، تنعكس بشكل كبير على التنظيم الدولي، وتزيد من حالة الضعف التي بدأت أولى حلقاتها مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما انشق إخوان الكويت عن التنظيم الدولي على وقع غزو صدام حسين لبلادهم، ثم لحق بهم إخوان البحرين والأردن والسودان وحركة النهضة التونسية، إضافة إلى حركة حماس.
وذكرت الدراسة أنّ هناك جدلاً نظرياً بين المهتمين والباحثين في شأن الحركات الإسلامية عامة، والإخوان المسلمين خاصة، حول توصيف ما يحدث داخل الجماعة: هل هو انقسام؟ أم انشقاق؟ وهل أثرت هذه الانقسامات – أو الانشقاقات – في البنية التنظيمية للجماعة؟ أم أنّها لم تؤثر؟ وهناك فريق آخر يرى أنّ ما يحدث ليس بانشقاق ولا انقسام، وإنّما هي أزمات تمرّ بها الجماعة، بعضها بسيط والآخر مركّب. وباستثناء الانشقاقات الأخيرة، فإنّ الجماعة قد تمكنت من تجاوز أزماتها السابقة، وحافظت على بنيتها التنظيمية، بل استفادت منها؛ لذا فإنّ ما يحدث الآن داخل الجماعة يُعَدُّ أزمة مركّبة، إذ خلقت الانقسامات داخل الجماعة أجنحة (3) تتصارع حول الجماعة، وإنْ لم يَدَّعِ أيٌّ منها الخروج عنها، ولا تأسيس جماعات موازية لها. وهذا ما يجعل الجماعة أمام (4) سيناريوهات مستقبلية محتملة؛ أوّلها: استمرار الصراع بين هذه الأجنحة مع حدوث انشقاقات محدودة، وثانيها: استمرار الصراع بين هذه الأجنحة مع حدوث انشقاقات كبيرة، وثالثها: انتهاء صراع الأجنحة وعودة التماسك إلى الجماعة، وهو سيناريو ضعيف، لكن لا يمكن استبعاده بشكل مطلق، إذا ما نجحت الجماعة في طي صفحة الخلافات داخلها. أمّا السيناريو الرابع والأخير –والذي يبدو هو الأرجح– فيتمثل في بقاء الجماعة واستمرارها، ولكن في حالة من الضعف والهوان الشديد.
يُذكر أنّ الانقسامات والخلافات بين أقطاب الإخوان المسلمين تتفاقم يوماً بعد يوم، دون إيجاد أيّ حلول، رغم تدخل شخصيات وقيادات فاعلة في الحزب، وهو ما اعتبره البعض بداية النهاية لتنظيم الإخوان المسلمين في مصر الذي سيشهد قريباً انقسامات وانشقاقات كثيرة، لأسباب تتعلق بقيام تركيا بتسليم عدد من شباب التنظيم للسلطات المصرية، وعدم التزام القادة المترفين في إسطنبول وأنقرة بحماية شباب التنظيم الذين خرجوا من مصر بعد توريطهم بجرائم إرهابية، وهذا إذا وقع، فسيكون القشة التي قصمت ظهر البعير.
المصدر حفريات