رشا عمار
صحفية مصرية
يبدو أنّ تنظيم داعش الإرهابي بات قريباً من محطته الأخيرة، في ضوء حالة الانهيار والارتباك التي يعيشها التنظيم على مدار الأعوام الماضية، بعد هزيمته المدوية في سوريا والعراق وتقهقره إلى مناطق البادية ومطاردته عسكرياً وأمنياً، عززها مؤخراً مقتل قادة التنظيم تباعاً، آخرهم أبو الحسن الهاشمي القرشي الذي قُتل في سوريا منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وقد أعلن التنظيم عن مقتله يوم الأربعاء الماضي.
وقال مصدر أمني سوري، تحدث لوكالة “سانا” يوم الجمعة الماضية: إنّ القرشي قتل في عملية عسكرية للجيش السوري ومقاتلين محليين قبل شهر ونصف الشهر في جنوب البلاد.
وأشار المصدر إلى أنّ القرشي هو ذاته المدعو عبد الرحمن العراقي، المعروف بلقب “سيف بغداد”، وقد قُتل خلال العملية الأمنية التي نفذها الجيش السوري بمساندة المجموعات المحلية والأهلية ضد تنظيم داعـش في جاسم، في 15 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي”.
وأشار المصدر إلى أنّ القرشي الذي قُتل مع كافة أفراد مجموعته أشرف على توسع نفوذ التنظيم باتجاه الأراضي الأردنية والعراقية والسورية، وهو المسؤول الأول عن مخطط عمليات الاغتيال” في محافظة درعا، عبر “ما يشبه محكمة قصاص” تم إنشاؤها في منطقة جاسم.
من جهته، أعلن داعش تنصيب “أبو الحسين الحسيني القرشي” لقيادة التنظيم خلفاً لأبي حسن القرشي، في خطوة اعتبرها مراقبون متأخرة، وتعكس مدى الارتباك الذي يعانيه التنظيم خلال الفترة الراهنة.
ضربة قاصمة لمحاولات تمدد داعش في سوريا
بحسب الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان، لم تتوقف خسارة داعش في العملية السورية الأخيرة عند قائده، لكنّه، وبحسب معلومات سلطان، خسر داعش (50) شخصاً من مقاتليه وأفراده من بينهم (5) من أبرز قادته، هم: (أبو الحسن الهاشمي المعروف بعبد الرحمن العراقي الذي فجر نفسه داخل مستودع أسلحة بعد محاصرته من قبل المقاتلين السوريين، وأبو أيهم محمد فيصل أو أبو عبدو الحلقي الشرعي العام للتنظيم والذي كان مرافقاً للخليفة الداعشي، و”بكر الداعشي” الذي كان مرافقاً للهاشمي أيضاً، بالإضافة إلى وليد البيروتي المعروف بأبي مهند اللبناني، وهو قيادي داعشي ينحدر من لبنان، ولؤي القلموني القيادي البارز بالتنظيم، وأبو أيوب فاضل الجباوي المعروف بأبي أيوب برقا، مسؤول مفارز الاغتيالات في التنظيم، ورامي محمد فالح الصلخدي القيادي بالتنظيم الذي قتل بعد القبض عليه في مدينة جاسم، وهو الذي كان يتولى مهام الدعم اللوجيستي ونقل قيادات داعش إلى المدينة السورية، وعبد المطلب شحادة العزيز (شقيق أبو الليث العزيز) أمير داعش العام في حوران.
وفي التفاصيل كتب سلطان لموقع “أخبار الآن” أنّ المقاتلين السوريين عثروا على عدد كبير من العبوات الناسفة والمتفجرات والأسلحة الصغيرة (البنادق والمسدسات) التي تُستخدم في عمليات الاغتيال، وأيضاً عثروا على وثائق ثبوتية تخص عدداً من الأشخاص الذين اغتالهم داعش على مدار الفترات الماضية.
وتكشف تلك الوثائق أنّ عناصر تنظيم داعش وأسرهم يستخدمون هويات مزورة بشكل كامل، ومنها هويات للضحايا الذين يغتالهم التنظيم، إذ يقوم أفراد متخصصون بإجراء تغيرات عليها بحيث يتم استخدامها في التنقلات في المناطق المختلفة.
ما تداعيات مقتل القرشي على التنظيم؟
وفق الباحث المختص بشؤون الإرهاب محمد مختار قنديل، لا يؤثر مقتل القرشي، في حد ذاته، على تنظيم داعش، وإنّما التسارع في وتيرة استهداف قيادات التنظيم هو الذي يؤثر على التنظيم، إذ يترتب على الاستهداف السريع والسهل للقيادات مجموعة من التداعيات التي قد تصبّ في تراجع قدرة التنظيم على التأثير والفاعلية، لكنّ ذلك لا يعني انتهاء التنظيم تماماً أو القضاء عليه، فقد نجح سابقاً في البقاء والتكيف مع الضربات التي تلقاها؛ لذا فإنّه ما يزال يشكل تهديداً للأمن العالمي والإقليمي، بالإضافة إلى أنّه ما يزال يمتلك فروعاً تمكنت من أن تشكّل رقماً مهماً في أماكن وجودها، ولا سيّما في القارة الأفريقية.
وفي دراسته المنشورة بموقع “تريندز للبحوث والاستشارات”، تحت عنوان: “مقتل زعيم داعش… انخفاض دورة حياة زعماء التنظيم: الدلالات والتدعيات”، بتاريخ 4 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، يرى قنديل أنّه من المرجح أن يسعى التنظيم للتغلب على التداعيات التي ترتبت على استهداف قياداته، وربما يحاول شن هجمات جديدة، سواء في مناطقه التقليدية أو في المناطق التي توجد الفروع فيها.
ما أبرز السيناريوهات الحاكمة لمستقبل التنظيم؟
بحسب الكاتبة المختصة بالشؤون السياسية ماريا معلوف، لا يمكن اعتبار مقتل القرشي زعيم تنظيم داعش نهاية المطاف أو علامة على طي صفحة هذا التنظيم الإرهابي.
وتقول معلوف في تحليل كتبته لصحيفة “العين الإخبارية” تحت عنوان: “داعش ما بعد القرشي” بتاريخ 4 كانون الأول (ديسمبر) الجاري: إنّ القضاء على تنظيم داعش دون رجعة يتطلب اتباع سبل ووسائل جادة، وفي مقدمتها قطع قنوات موارد تمويل تنظيم داعش الإرهابي وتجفيفها.
وتضيف: “يجب أن يكون ذلك بمثابة أولوية لدول التحالف، وكانت تلك الدول قد أعلنت التزاماتها من أجل مكافحة التستر على قنوات التمويل وتجنّب مخاطر إساءة استعمال منتجات وخدمات مالية جديدة على وجه الخصوص. وقد أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (2462) في 28 آذار (مارس) من عام 2019 أكد خلاله على مكافحة تمويل الإرهاب الذي يكمّل الإطار القانوني المتوافر في هذا المجال”.
وبحسب معلوف، تستوجب عملية القضاء على التنظيم نهائياً أيضاً مكافحة الوجود الافتراضي للتنظيم الإرهابي، من خلال عمل جاد لرصد المحتويات الجهادية الدعوية المتوافرة للتنظيم الإرهابي على الإنترنت وتفكيكها وإزالة المحتويات الإرهابية والمتطرفة العنيفة عن الإنترنت، وبالتالي التفاهم والاتفاق مع الحكومات والجهات الفاعلة في مجال الإنترنت في العالم، بغرض منع تحميل المحتويات الإرهابية الدعوية لتنظيم داعش الإرهابي، وبتجفيف قنوات التمويل لهذا التنظيم الإرهابي وإجهاض حملاته الدعوية على وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى ملاحقته بشكل يومي وتدمير قدراته العسكرية وملاحقة قادته، تكتمل دوائر القوة للإطاحة بتنظيم داعش الإرهابي دون رجعة.
المصدر حفريات