رشا عمار
صحفية مصرية
تدخل أزمة صراع القيادات داخل جماعة الإخوان المسلمين فصلاً جديداً، بالتزامن مع إعلان جبهة لندن تعيين القيادي عضو المكتب الإداري للتنظيم صلاح عبد الحق قائماً بأعمال المرشد خلفاً لإبراهيم منير، وتبدو جبهة إسطنبول مستعدة لخوض صراع آخر محتدم من أجل حسم زمام الأمور لصالح قائدها محمود حسين، الذي أعلن نفسه أيضاً قائماً بأعمال المرشد العام للتنظيم قبل نحو أسبوعين، حسب ما تعكسه البيانات الصادرة عنها خلال الأسبوع الماضي.
وقد تواصلت “حفريات” على مدار يومين مع عدد من المصادر بعضها قريب من جماعة الإخوان للوقوف على حقيقة الأنباء المترددة حول تعيين عبد الحق مرشداً للتنظيم، في حين لم تعلن جبهة لندن من خلال أيّ جهة رسمية أو صحيفة تتبعها عن القرار.
وأوضحت المصادر أنّ الاختيار قد وقع بالفعل على القيادي الإخواني بعد عدة اجتماعات أجراها قيادات المكتب العام للإخوان (ممثلو جبهة لندن) خلال الأسبوع الماضي، ويجري الإعداد في الوقت الراهن للإعلان إعلامياً عن القرار، ويجري التواصل مع جبهة إسطنبول للتراجع عن تعيين حسين في المنصب من خلال وسطاء، لكنّها ترفض الأمر بشكل قاطع.
وتتوقع المصادر أن يثير الإعلان غضباً كبيراً من جانب تنظيم إسطنبول الذي ظن خلال الشهر الماضي أنّه قد حسم الأمر لصالحه بالفعل، وأنّ جبهة لندن قد استسلمت.
لماذا لم تعلن جبهة لندن قرارها رسمياً حتى الآن؟
يرى الباحث والكاتب المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب منير أديب أنّ الجماعة قد أخرت الإعلان عن اختيار عبد الحق قائماً بأعمال المرشد لدواعٍ أمنية، موضحاً في تصريح لـ”حفريات” أنّ القيادي الإخواني صلاح عبد الحق كان يقيم حتى الأسبوع الماضي سراً في إحدى الدول العربية، ويرتب في الوقت الحالي للانتقال إلى دولة أخرى، وتخشى جبهة لندن الإعلان عنه حتى لا يتم توقيفه أو اعتقاله في أحد المطارات أثناء الانتقال، وهو إجراء احترازي من جانب التنظيم.
وبحسب منير أديب، اختارت جبهة لندن عبد الحق تنفيذاً لوصية المرشد الراحل إبراهيم منير، التي تركها مكتوبة، ونفذها قيادات اللجنة الإدارية للإخوان دون مناقشة.
ويضيف الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي سبباً جوهرياً آخر دفع اللجنة لاختيار عبد الحق البعيد عن دائرة الصراع بين قيادات التنظيم، وهو الصراع المحتدم في الوقت الراهن بين المرشحين لخلافة إبراهيم منير، وهم محيي الدين الزايط وحلمي الجزار ومحمد البحيري، لذلك كان من الأفضل تنفيذ وصية منير.
لماذا اختار إبراهيم منير صلاح عبد الحق؟
بحسب الباحث، فضّل إبراهيم منير اختيار شخص أقرب إليه، يتسم بالهدوء والقدرة على التوافقية ولمّ شمل التنظيم في ضوء الصراعات المحتدمة بين قياداته.
لكنّه يرى في الوقت ذاته أنّ اختيار عبد الحق سيؤدي إلى تعميق الخلافات داخل الإخوان إلى حد كبير، فجبهة إسطنبول لن تقف مكتوفة الأيدي أمام القرار، كما أنّ المرشد المعيّن من جانب جبهة لندن لا يملك سمات وثقل الشخصية القيادية التي يمتاز بها محمود حسين على سبيل المثال.
كيف سترد جبهة إسطنبول؟
بالرغم من عدم الإعلان رسمياً حتى اللحظة من جانب جبهة لندن عن تعيين عبد الحق خلفاً لإبراهيم منير، إلا أنّ جبهة إسطنبول سارعت بالرد الذي لم يخلُ من التهديد بعدم تقبل الأمر.
وقد جاء الرد سريعاً على لسان إيمان محمود، المتحدثة باسم التنظيم، عبر مجموعة تدوينات على “تويتر” أكدت خلالها على مضمون البيانات السابقة للجبهة في صدد أنّ اختيار القائم بأعمال المرشد هو حق أصيل لمجموعة إخوان مصر وفق لوائح وأعراف التنظيم، وأيّ شخصية يتم اختيارها خارج اللوائح هي “فاقدة للشرعية”.
وأكدت إيمان محمود ثانية على أحقية محمود حسين في تولي المنصب نظراً لكونه الوحيد من أعضاء مكتب إرشاد مصر خارج السجن، وتخوّل له اللائحة التنظيمية للإخوان القيام بعمل المرشد العام.
وقالت: “فرغت الجماعة من ترتيب صفوفها واختيار قيادتها وفقاً لنظمها ولوائحها غير عابئة بالمحاولات اليائسة التي تستهدف وحدة صفها، واستدعاء قيادة مزعومة لتكون بديلاً عن قيادتها الشرعية”.
استمرار حتمي للصراع
الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان قال لـ”حفريات”: إنّ الاختيار قد وقع على عبد الحق من جانب جبهة لندن منذ فترة، وتوقع أن يستمر الصراع القيادي داخل جماعة الإخوان على مدار الفترة المقبلة دون قدرة أحد الطرفين على حسمه لصالحه.
وبحسب سلطان، ربما يكون الصراع أقرب لما كان عليه وقت حياة إبراهيم منير، وسوف تستمر جبهة إسطنبول من خلال البيانات في التأكيد على فكرة أنّ محمود حسين هو صاحب الحق اللائحي والتنظيمي في قيادة شؤون الإخوان، وأنّ أيّ اختيار خارج هذه المنظومة هو اختيار غير لائحي.
وبحسب سلطان، يُعدّ اختيار عبد الحق مخرجاً أمام جبهة لندن لتجاوز أزمة اختيار البديل لإبراهيم منير؛ لأنّها عانت خلال الفترة الماضية من تعثر المفاوضات وعدم القدرة على اختيار بديل، مشيراً إلى أنّ اختيار شخصية غير معروفة، وليست طرفاً في الصراع، كان هو السيناريو المطروح منذ وفاة منير.
وحول الآلية التي جرى بها اختيار عبد الحق، يقول سلطان: إنّ إبراهيم منير قبل أن يتوفى بحوالي شهرين كان قد اختار مجموعة من الأسماء لتولي منصب القائم بأعمال المرشد خلفاً له، ومن المفترض أنّ هذه الأسماء قد عُرضت على مجلس الشورى العام (مجلس شورى جبهة لندن)، وكان هناك خلاف لائحي حول أحقية منير في اختيار المرشحين خلفاً له، لكنّ جبهة لندن وافقت على أحقيته في الأمر.
تجدر الإشارة إلى أنّ القائم بعمل مرشد الإخوان الجديد صلاح عبد الحق، مصري من مواليد 1945 وكان عضواً في تنظيم 1965 مع سيد قطب المتهم بمحاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وعدد من العمليات الإرهابية الأخرى، وعمل في قسم التربية داخل الإخوان طيلة (40) عاماً قضاها في إحدى الدول العربية.
المصدر حفريات