كريتر نت – متابعات
يمزج كتابُ «من التطرف إلى الإرهاب: ما الذي يحتاج الجميع إلى معرفته» بحوثًا أصلية وقائمة ليقدِّم نظرة عامة فريدة من نوعها على أهم آليات التطرف والإرهاب.
اهتمت صوفيا موسكالينكو بموضوع التطرف في التسعينيات من القرن الماضي، في حين بدأ كلارك ماكولي الاهتمام بالموضوع قبل عقدٍ من الزمان، وهو أحد أوائل علماء النفس الذين ركزوا على موضوع الإرهاب.
يمثِّل الكتاب أداة أساسية للمبتدئين والخبراء في دراسات الإرهاب.
يطرح الكتاب ثلاثة عشر سؤالًا، بطريقةٍ سهلة الفهم، تمثل أكثر القضايا تعقيدًا التي تتعلق بالإرهاب والتطرف، حيث يتم تحليلها وفك مغاليقها من خلال مجموعات مستفيضة من الأسئلة الفرعية والأجوبة. كما أن البنية الواضحة بشكلٍ لافت للنظر والرشيقة في آن تجلب قيمة إضافية للتحليل.
يطرح المؤلفان مجموعة واسعة من القضايا، بدءًا من الأسئلة الأساسية؛ مثل “ما هو التطرف؟” إلى الأسئلة الدائمة التي تؤرِّق المنظرين والممارسين على حد سواء حول العلاقة بين الأفكار المتطرفة والأعمال المتطرفة، وما معنى “الذئاب المنفردة”، وإمكانيات الوقاية إعادة تأهيل المتطرفين.
يعتمد المؤلفان المنهجَ النفسي لدراسة التطرف بطريقةٍ جذابة في جميع أجزاء الكتاب، لشرح بعض النماذج والنظريات والكلمات المفتاحية النفسية الأكثر إثارة للاهتمام المستخدمة في مجال دراسات الإرهاب.
ورغم أنه لا يمكن تلخيص كل الأفكار الواردة في هذا الكتاب في هذه المساحة، فإننا سنكتفي ببعض الأمثلة السريعة التي توضح قيمة هذا الكتاب، ونترك لقراء موقع “عين أوروبية على التطرف” متعة قراءته بأنفسهم.
تتعلق إحدى النقاط الأولى التي أشار إليها ماكولي وموسكالينكو بفكرة كيفية فهم التحول من التطرف إلى الإرهاب.
وفي هذا الصدد، يقولان إن المرحلة الانتقالية تتطلب حصول تطرف في الرأي وتطرف في العمل، وأن هذا الأخير هو الأهم لأغراض مكافحة الإرهاب ومنعه.
وهناك نقطة تحليلية مثيرة للاهتمام منها توضيح من الذي يهتم بالفعل بدراسة التطرف في الواقع، فنظرًا لتعقيد المواضيع وتنوعها، يمكن أن يكون تحديد هذا الأمر مفيد بشكلٍ مدهش لأولئك الموجودين بالفعل في هذا الحقل:
* يدرس علماء النفس التطرف من زوايا مختلفة. ويهتم علماء النفس الاجتماعي بالظروف التي قد تؤدِّي إلى تحوُّل الأفراد أو الجماعات إلى التطرف. ويطرح علماء النفس الاجتماعي أسئلة مثل “ما الأحداث أو العلاقات التي تجعل الأفكار أو المشاعر أو السلوكيات أكثر تطرفًا؟”
* يدرس علماء الاجتماع التطرف في سياق الثقافة والمجتمع اللذين ينشأ فيهما ويحاولون كشف الاتجاهات التي تؤثر على السكان الأوسع نطاقًا وتجعلهم أكثر عُرّضة للتطرف.
* ينظر علماء السياسة إلى التطرف من منظور النظم السياسية والسياسات الحكومية وتأثيرها على السكان.
* يدرس المؤرخون تطور التطرف مع مرور الوقت، ويبحثون عن أنماط تفيد في فهم الظاهرة.
* ويدرس علماء الجريمة التطرف كشكل من أشكال السلوك الإجرامي الذي قد يكون له علاقة بعنف العصابات والاغتيالات وإطلاق النار في المدارس.
وفيما يتعلق بآليات التطرف، يخلص المؤلفان إلى أن “المنحدر الزلق” لا يزال غنيًا بالمعلومات بشكل خاص، على الرغم من أن النموذج آخذ في التقادم.
والجدير بالذكر أن فكرة القوة النفسية للمنحدر الزلق تنتمي إلى عالم النفس ستانلي ميلجرام، الذي أجرى تجارب في محاولة لفهم كيف يمكن أن يكون الملايين من الألمان العاديين متواطئين في الهولوكوست.
في تجاربه المختبرية، عرّض ميلجرام الأمريكيين العاديين لحالةٍ دفعت، اثنين من كل ثلاثة مشاركين، إلى المشاركة في تعذيب رجل بريء.
وكان الاستنتاج أن الأسباب الرئيسة لهذه النتائج هي، توفر السلطة في هذا الموقف. ومن جانب آخر وجود فكرة المنحدر الزلق. المنحدر الزلق هو، باختصار، سلسلة من الخطوات المتعاقبة، التدريجية والمحسوسة بالكاد، التي تعمل بمنزلة المبرر للخطوة التالية، والتي تشجع على تبني خطوة ما لم يكن يتوقع الإتيان بها في الظروف العادية.
ومع ذلك، فإذا كان المنحدر الزلق من أقوى الآليات التي تؤدي إلى العنف والتطرف، فإن المؤلفين يحذران بوضوحٍ من أن آلية واحدة ليست كافية دائمًا لتطرف الفرد.
ورغم أنها قد تكون كافية، فإن الرحلات الفردية نحو التطرف بشكل عام تشمل أكثر من آلية واحدة، ويمكن أن تجمع آلياتٍ وأنماطًا مختلفة وطرقًا متنوعة.
ومن الظواهر الأخرى المثيرة للاهتمام التي تناولها الكتاب “استقطاب المجموعات”، فيما يتعلق بتفاعل الأشخاص ذوي التفكير المتماثل كعامل يساهم في التطرف.
ففي مناقشةٍ جماعية، تناقش المجموعات ذات التفكير المتماثل أسباب منظورها، وتقدم حججًا جديدة تدعم موقفها الأولي المؤيد لطرف معين أو تفسير قضية ما.
وإلى جانب هذا التعزيز الفكري، تلعب هذه التفاعلات بين الأفراد أو المجموعات ذات التفكير المتماثل دورًا اجتماعيًا في إنشاء تسلسل هرمي للتأثير بين المشاركين.
ولعل ما يثير الدهشة بالنسبة للبعض هو أن: الأشخاص الذين يتبنون المواقف الأكثر تطرفًا هم عمومًا من يحظون بإعجاب أكبر من أعضاء المجموعة الآخرين من الأفراد الأكثر اعتدالًا.
ويُسمى هذا النموذج الاستقطاب الجماعي، والقوتان اللتان يُعتقد أنهما تسبِّبَانه -الضغوط المعلوماتية والاجتماعية داخل المجموعة- هما المكونان الأساسيان لنظرية الحجة المقنعة ونظرية المقارنة الاجتماعية.
في فصلٍ لاحق، يحوّل ماكولي وموسكالينكو تركيزهما على مجموعةٍ أخرى من القضايا المعقدة للغاية، التي تتعلق بتطرف جماهير بأكملها.
وفي هذا الصدد، يوضحان مفاهيم الإطار السياسي والسرد السياسي. التأطير هو وسيلة للتعبير عن قضية بعبارات بسيطة.
ومع مثل هذا التبسيط، يتم استبعاد بعض الحقائق. ومن ثم هذا التلخيص والايجاز سيحدد الإطار الذي سيتصور الجمهور القضية الموصوفة من خلاله، والجانب الذي من المرجح أن يدعمه، والعواطف التي من المرجح أن يشعر بها.
وبعبارةٍ أخرى، من دون تغيير الحقائق بأي شكل من الأشكال، يمكن أن يكون لعمليات التأطير تأثير على الخيارات التي يتخذها الجمهور.
هذه ليست سوى أمثلة قليلة ومتناثرة على الرؤى المتعددة التي يقدمها كتاب «من التطرف إلى الإرهاب: ما الذي يحتاج الجميع إلى معرفته»، وهو كتاب قادر على الجمع بين اتساع موضوع النقاش مع الأصالة والصرامة الأكاديمية.
نقلاً عن موقع “عين أوروبية على التطرف”