كتب .. علي قاسم
ما يجري على أرض الملاعب في قطر ليس مجرد لعبة كرة قدم تتحكم فيها المهارات التقنية والجسدية لتحقيق الفوز، كل مقابلة تجري تحمل معها مفاجأة النتيجة فيها غير متوقعة حتى بالنسبة إلى محلل مخضرم.
خروج منتخبات ألمانيا والبرازيل وإسبانيا والبرتغال وهزيمة فرنسا أمام المنتخب التونسي، بعض من هذه المفاجآت. ولكن، أكبر مفاجأة سيسجلها التاريخ على الإطلاق، هي صعود المنتخب المغربي إلى دور النصف النهائي، ليواجه الأربعاء المقبل المنتخب الفرنسي.
البعض يرى أن الفضل في إنجازات المنتخب المغربي يعود إلى المدرب وليد الركراكي، ويشبهونه بالإسباني بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي، والبعض الآخر يعزو الانتصار إلى حارس المرمى ياسين بونو، قائلين إن المونديال سيحسمه حراس المرمى، في إشارة إلى حارس مرمى المنتخب المغربي والمنتخب الأرجنتيني والفرنسي أيضا.
وهناك من يقول إنه الحظ وأحكام المستديرة.
ولكن “يمكن الفوز في مباراة واحدة بالحظ”، كما قال نجم منتخب المغرب السابق نورالدين أمرابط، “أما أن تفوز بخمس مباريات، فهذا لا علاقة له بالحظ حتما”.
مهما تنوعت الأسباب، هناك حقيقة واحدة باقية وهي أنّ “أسود الأطلس بتأهلهم للنصف نهائي للمونديال كتبوا التاريخ”، كما قال إمبراطور الكرة التونسية طارق ذياب وهذا التأهل سيعطي ثقة أكبر للمنتخبات العربية والأفريقية ويغير تاريخ المونديال مستقبلا.
إن كانت المهارات الفنية والبنية الجسدية القوية تشكل 50 في المئة من شروط الفوز في مباراة كروية، فإن الاستعدادات النفسية تشكل النصف الآخر. والإنصاف يقتضي أن نعترف بأن المغرب حقق كامل شروط الفوز وأكثر، وأثبت للجميع أن المستحيل ليس مغربيا.
ماذا تتوقعون، يتساءل الكاتب والمسرحي التونسي حكيم مرزوقي على صفحته في فيسبوك، من بلد أنجب عبدالله العروي، وعابد الجابري، والطاهر بن جلون، وفاطمة مرنيسي، وعبدالكبير الخطيبي، والطيب الصديقي، وعبدالإله بلقزيز، ومحمد شكري، وعبدالحق زروالي، وعبدالهادي بلخياط.. وتشكيلة ثقافية أكبر من أي منتخب كروي؟
نتوقع هذا الفوز وأكثر.. للمغرب أن يحلم بالذهاب للنهائي، ولم لا الفوز بالبطولة أيضا.
فتوحات المغرب ليست ثقافية وفنية وكروية فقط. هناك فتوحات دبلوماسية حققتها المملكة في ملف الصحراء، وأخرى اقتصادية جعلت المملكة تحتل صدارة الدول الأفريقية جذبا للاستثمارات.
في نوفمبر الماضي رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المغربي، مشيرا إلى أن انتعاش السياحة والتحويلات القوية ومرونة الصادرات ساهمت في تعويض الأثر السلبي لصدمات ناتجة عن الجفاف وتداعيات الحرب في أوكرانيا.
ويسعى المغرب لتحقيق نمو اقتصادي بمعدل 4 في المئة خلال عام 2023 مقابل 1.5 في المئة عام 2022.
هذا الطموح تدعمه أرقام كشفت عنها وزارة الصناعة والتجارة تؤكد أن المغرب أصبح أول مصدر للسيارات الشخصية إلى أوروبا، متفوقا على دول مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
في المغرب اليوم عشرة آلاف مهندس يقومون بتصميم سيارات لعلامات ألمانية وبريطانية وفرنسية وأميركية، والهدف بلوغ 50 ألف مهندس في غضون ثلاث سنوات.
لا يستطيع أحد أن ينكر اليوم أن العالم يمر بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، وتبقى ثقة المستثمرين بالمملكة أفضل شهادة على نجاح المقاربة المغربية.
هناك ألف سبب لكي يشعر أهالي الصحراء المغربية بمغربيتهم. واليوم يضاف إلى هذه الأسباب سبب وجيه آخر، ليس فقط ليزداد التلاحم بين المواطنين المغاربة، بل بين العرب كل العرب.
المغاربة ليسوا وحدهم من احتفل بفوز منتخبهم التاريخي في نهائيات كأس العالم. انضم إليهم مواطنو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين انتشوا بفوز اعتبروه انتصارا للعالم العربي بأسره.
ما عجز السياسيون العرب عن تحقيقه منذ أن نالت بلدانهم استقلالها عن الاستعمار، حققته دبلوماسية المغرب الكروية.
من بغداد إلى الدار البيضاء حبس العرب أنفاسهم وهم يتابعون انتصارات المغرب الذي أصبح أول بلد أفريقي وعربي يصل إلى دور النصف نهائي في المونديال الذي يقام لأول مرة في بلد عربي.
وغردت الملكة رانيا زوجة عاهل الأردن على تويتر تقول “مبروووووك لأسود الأطلس فرحتونا”. وأثنى زعماء من جميع أنحاء العالم العربي على الفريق المغربي.
المفاجأة الأكبر كانت على مدرجات الملاعب، عندما انضمت الجماهير الجزائرية إلى الجمهور العربي مشجعة المنتخب المغربي هاتفة بشعار “خاوة خاوة.. ماشي عداوة”، ضاربة عرض الحائط بخلافات تحاول الطبقة الحاكمة في الجزائر زرعها بين البلدين.
المغرب ضمن انتصاره، مهما كانت نتيجة المواجهة مساء الأربعاء مع المنتخب الفرنسي..
ولكن، ماذا لو فعلها المغرب وفاز بالمونديال؟
المصدر “العرب” اللندنية