يوسف مكي
مباريات كرة القدم، هي الأشهر عالمياً بين مباريات الكرة. وقد باتت منذ أكثر من تسعة عقود، من أكثر وسائل التواصل تشويقاً بين شعوب العالم، وبشكل خاص بعد تأسيس منظمة «الفيفا»، عام 1926، والتي أعلن أن الهدف من تأسيسها هو تعزيز الروابط بين الشعوب وتشجيع التنافس بين المنتخبات الكروية.
وقد بلغت دورات المونديال منذ التأسيس حتى هذا العام 22 دورة، تناوبتها عواصم عالمية عديدة. ويعقد المونديال في العادة، مرة كل أربع سنوات، إلا في حالة وجود ظروف طارئة تحول دون ذلك.
خلال سنوات طويلة من عمر المونديال، بقيت كرة القدم، خارج اهتمام دائرة صناع القرار الأمريكي، حيث كان للولايات المتحدة كرتها الخاصة، ولم تشارك في المونديال، قرابة نصف قرن من تأسيسه. ويعود الفضل في اهتمام أمريكا بكرة القدم، إلى هنري كسينجر، مستشار الرئيس ريتشارد نيكسون لشؤون الأمن القومي، ووزير خارجيته فيما بعد، والذي يعود لأصول ألمانية.
فقد رأى الدور الكبير الذي تلعبه مباريات كرة القدم في التقريب بين الشعوب. وكتب في حينه عدة مقالات، استهجن فيها، عدم اهتمام الأمريكيين بهذه اللعبة.
واستغرب أن تكون الولايات المتحدة، وهي واحدة من قطبين رئيسيين يهيمنان على العالم، خارج مهرجانات كرة القدم العالمية.
ومنذ ذلك الحين، عملت أمريكا بقوة على الدخول في عالم كرة القدم، والمشاركة في مهرجاناتها القارية والعالمية.
تكتسب دورة المونديال هذا العام، أهمية كبيرة، بالنسبة لنا نحن العرب، كونها المرة الأولى التي يجري فيها المونديال في مدينة عربية. ففي العشرين من شهر نوفمبر 2022، أعلن أمير دولة قطر، انطلاق الدورة الثانية والعشرين، في مدينة الدوحة. وقد شارك فيها 32 منتخباً من جميع قارات العالم،
كانت حصة الوطن العربي منها أربعة منتخبات، هي منتخب الدولة المضيفة قطر، ومنتخبات السعودية وتونس والمغرب، وهي نسبة ممتازة، قياساً إلى عدد المنتخبات المشاركة في هذا المونديال.
استهل أمير قطر مهرجان المونديال، بكلمة أكد فيها أن المونديال ينطلق من بلاد العرب، من قطر. والأهم في كلمته المقتضبة، هو إشارته إلى أن الهدف من المونديال، هو تحقيق التواصل الإنساني والحضاري، وأنها فرصة ليضع الناس جانباً ما يفرقهم، لكي يحتفوا بتنوعهم وما يجمعهم.
وقد لقيت إشارة أمير قطر المباشرة، إلى أن الدورة الحالية تعقد في أرض العرب، ارتياحاً بالغاً لدى الشعوب العربية، التي أبدت اهتماماً غير مسبوق بمجريات المونديال اليومية.
وإذا استثنيا حضور القطريين، في المندويال، وانهماك غالبية شعب قطر بالحدث، فإن الحضور السعودي، هو الأكبر على الإطلاق؛ حيث يقدر عدد حضور المشجعين السعوديين بأكثر من ثمانين ألفاً. وكان ذلك تعبيراً عن علاقة والتحام مصيري بين البلدين الشقيقين.
وعلى الرغم من أن المنتخب السعودي خسر في المباراتين الأخيرتين، لكن أداءه كان رائعاً واستثنائياً، أمام فريق الأرجنتين. كما أبلى بلاء حسناً، في المواجهة التي لم يكسبها مع بولندا. وخسر ستة من خيرة لاعبيه، خرجوا من دورة المونديال بعد إصابتهم، بجروح حالت دون قدرتهم على الاستمرار في اللعب.
الملاحظ هو اهتمام الجماهير العربية، في جميع أقطارها بمباريات مونديال قطر، وتشجيعها اللامحدود للفرق العربية، مؤكدة انتماء عربياً مصيرياً، يتجاوز النزعات القطرية. هتف الجميع لقطر والسعودية وتونس والمغرب.
وعبر كل العرب عن فرحته بفوز منتخب المغرب وتأهله، للنصف النهائي من المنتخب، وفوزه على منتخب البرتغال بالتهافات والزغاريد وتوزيع الحلوى. وحملت أعلام دول المشاركين العرب في المونديال، ومعها علم فلسطين، في تعبير لا يمكن أن يخطئه الناظر، عن انتماء العرب لأمة واحدة ومصير واحد.
أمام المشهد الرائع، الذي تابعته منذ بداية المونديال حتى اللحظة، حضر مشهد الشبان المصريين، قبل أعوام قليلة، أثناء مباراة الجزائر مع السنغال، التي جرت بالعاصمة المصرية، وهم ينتصرون لفريق الجزائر، في كل أرجاء مصر. ويرددن النشيد الوطني الجزائري «…وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر…»، ليؤكدوا عمق الانتماء العربي، على ما عداه من النزعات.
بدا بوضوح، ليس في الوعي العربي وحده؛ بل وفي حماس الجمهور، أن المشاعر الجياشة بين العرب، هي الوضع الطبيعي، وأن انتماء العرب إلى أمة تجمعها جغرافيا وتاريخ ولغة، ومصالح مشتركة، لا يحتاج إلى تأكيد. ما أحوجنا إلى استيعاب المواقف العربية الصادقة، التي برزت في مونديال الدوحة. فهذا الرصيد الهائل من المشاعر الجياشة المشتركة، بين أبناء الشعب العربي، هو مكسب لا ينبغي أبداً التفريط فيه.
المصدر “الخليج” الإماراتية