كريتر نت / صحتك النفسية
كتب / د – محمد طه
الاحتياج للحضن أحد أهم الاحتياجات الإنسانية وأقدمها أصولاً وأقواها أثراً على الإطلاق.. نولد به، ونعيش به، ولا نستطيع إكمال حياتنا بشكل صحي وسليم بدونه.. ونقصه أو عدم إشباعه قد يؤدي إلى كثير جداً من الأمراض أو الأعراض المرضية.
الاحتياج للحضن احتياج مزدوج، فهو ليس احتياجا جسديا فقط.. لكنه –أيضا- احتياج نفسي، وهذا أهم وأخطر.
أول علاقتك بالحضن كانت في اللحظة الأولى لاحتضان الأم لك حينما كان عمرك ساعات معدودة.. وهذا الحضن بالذات له وظائف مهمة جدا.. فهو بداية شعورك بوجودك.. شعورك (أنك موجود).
وتشير الدراسات العلمية إلى أنه من المهم للغاية أن تتلامس في ذلك الحضن الأول أكبر مساحة من جلد الأم مع أكبر مساحة من جلد الطفل، (الذي يستحسن أن يكون عاريا تماما)، لأن الفرق فى درجة الحرارة بين جسد الأم وطفلها في هذه اللحظة هو أول ما ينبهه إلى أنه مختلف.. ومتفرد.. وبالتالي.. موجود.
ولا يقف الاحتياج للحضن هنا بالطبع، بل تلك هي البداية فقط.. فالاحتياج للحضن يستمر ويدوم ويعيش معنا طول العمر، مثله مثل الاحتياج للأكل والشرب، والاحتياج للحب والقبول والاهتمام.
وفي المتوسط.. حتى نعيش بالحد الأدنى من الصحة الجسدية، يحتاج الواحد فينا إلى أربعة أحضان يوميا، وحينما يزيد العدد إلى ثمانية، فهذا كفيل بدوام واستمرار و(صيانة) صحتنا الجسدية والنفسية، أما من أجل اكتمال النمو الصحي وتمام النضج النفسي.. فنحن نحتاج اثني عشر حضناً في اليوم.
لن أسترسل في أوصاف أكاديمية لوظائف الحضن مثل أنه يحفز إفراز هورمون السعادة، ويقوي المناعة، ويساعد على ارتخاء العضلات، ويساعد على توازن الجهاز العصبي، ويخفف التوتر، بل سأستغرق في ما هو أعمق من ذلك قليلاً..
الحضن دفء.. دفء جسدي، ودفء نفسي، وكأنك تضع كمادات من المياه الدافئة على جراح حياتك، وإصابات يومك، وكدمات علاقاتك..
الحضن علاقة في حد ذاته، فيها أخذ وفيها عطاء.. فيها رسائل نفسية في الاتجاهين، فيها رؤية وقبول واحترام واحتواء..
الحضن وجبة غذائية نفسية متكاملة.. فيها كل أنواع المقويات والفيتامينات والبروتينات (النفسية)..
الحضن هو البديل اليومي المتاح لعودتك إلى داخل الرحم مرة أخرى (وهي رغبة نفسية دفينة لدينا جميعا)، حينما كان الأمان والدفء والاحتواء والشبع موجودين بكل بساطة ودون عناء أو مشقة أو تعب، وجوداً دائماً لا ينقطع.
الحضن يعني أنك موجود، وأنك تستحق أن توجد، وأنك تستحق هذا المنحة الربانية بين يدي من تحب..
الحضن أمان، درع حماية، سترة واقية من رصاص الألم وصقيع الحياة..
الحضن فرحة وبهجة وطاقة متجددة في أوردة نفسك وشرايين روحك..
الحضن أمل..
الحضن عزاء وطبطبة وترياق ناجع لهموم الليالي.. وسموم الأيام..
الحضن قبول.. واهتمام.. وحب.. وسمو.. ورضا..
الحضن لغة.. والحضن له لغة..
الحضن.. شفرة المحبين..
حضن الأم يعطيك دفئا وشبعا واحتواء وأملا.. وحضن الأب يعطيك قوة وشجاعة وحماسا وإصرارا.. ثم الأخوة والأصدقاء والأزواج..
بعض المرضى النفسيين لا يوجد خلف أعراضهم وأمراضهم النفسية العويصة سوى احتياج لحضن.. فقط احتياج لحضن، لم يتم إشباعه من الأم والأب أساسا..
بعض من يصابون بالاكتئاب.. بعض من يصيبهم التوتر والأرق، وحتى بعض من تحدث لهم هلاوس سمعية وبصرية، يكون أحد الاحتياجات الأساسية غير المشبعة لديهم.. هو الاحتياج للحضن..
أحياناً تبيع إحداهن نفسها وجسدها، أو تدخل في علاقات مشوهة ومختزلة، بحثاً عن حضن مشبع لم توفره لها أمها..
ومن وجهة نظر معينة، لا يبحث المدمن في مادته المخدرة سوى على ما لم يجده في حضن أبيه أو أمه (الشبع والرضا)، لكنه وجده في مادة بكماء صماء..
لا تحرموا أنفسكم من الحضن..
لا تحرموا أبناءكم وبناتكم من الحضن..
لا تحرموا أصدقاءكم وأحباءكم من الحضن..
لا تحرموا أزواجكم وزوجاتكم من الحضن..
فأحياناً يكون الثمن أغلى مما تتخيلون..
فلتقوموا الآن.. إلى أقرب حضن..