صالح البيضاني
يبدو المجتمع الدولي كمن فقد الخيط الرفيع الوحيد الذي كان يمسك به في اليمن، بعد أن تبدد سراب الجهود الأممية التي فشلت في تمديد هدنة هشة كان يعوّل عليها في أن تتحول إلى حجر الزاوية في تشييد جدار عملاق من آمال السلام التي يمكن أن تنهار في أي لحظة لتفتك بالحالمين الذين يستظلون بها.
باءت كل الرهانات الدولية لحلحلة الملف اليمني بفشل ذريع، ولم تستطع أن تنفذ إلى جوهر الأزمة الحقيقي، الذي صنعه انقلاب عسكري شرس يحمل في طياته أبعادا أيديولوجية مدمرة تتضافر مع مشروع طائفي وعرقي وعقائدي لا يؤمن بجدوى الحلول السياسية.
ومن يتأمل في تاريخ الجهود الأممية في اليمن يخلص إلى أن الملف اليمني أصبح أكثر تعقيدا مع مرور الوقت، وترك جذور المشكلة تنمو وتذهب عميقا، بينما الحسابات الدولية وسوء قراءة المشهد لا تزيد المشهد إلا قتامة، والبداية بالطبع كانت على يدي المبعوث المثير للجدل جمال بنعمر، الذي شرعن للحوثيين كطرف سياسي من خلال إدخالهم في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ونقل وجودهم السياسي من جبال صعدة إلى فندق موفنبيك بصنعاء، ثم عمل لاحقا على شرعنة انقلابهم، عبر الضغط على الأطراف السياسية اليمنية للتوقيع على ما سمي باتفاق السلم والشراكة، عشية الانقلاب الحوثي في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014.
وقد كشفت تصريحات المبعوث بعد ذلك بسنوات وارتباطاته الإقليمية بإحدى الدول الداعمة للحوثيين عن خفايا وخلفيات كثير من العبث الأممي في اليمن والتي تفاقمت في مراحل لاحقة، على أيدي مبعوثين جمعوا بين سوء النوايا وسوء التدبير والإخفاق في قراءة المشهد، إذا ما استثنيا المبعوث الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي كان الأكثر واقعية وحيادا والأقرب إلى تحقيق اختراق حقيقي في مسار الحرب، من خلال مشاورات الكويت التي مازلت أعتبرها أهم وآخر فرصة كانت سانحة لتحقيق السلام في اليمن.
◙ من يتأمل في تاريخ الجهود الأممية في اليمن يخلص إلى أن الملف اليمني أصبح أكثر تعقيدا مع مرور الوقت، وترك جذور المشكلة تنمو وتذهب عميقا
وباعتقادي أن ما تجنيه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي اليوم من فشل ذريع في الملف اليمني، وانهيار لكل الرهانات على تحقيق السلام المنشود، هو نتيجة حتمية للمسار الملتبس الذي أسس له المبعوث الأممي السابق مارتن غريفيث في اليمن، وكان يجمع فيها ما بين إلقاء تبعات الحسابات الدولية على المشهد اليمني، وكذلك التعاطي السلبي مع الحقائق البارزة على الأرض، من خلال محاولته فرض رؤية دولية غير واقعية ولا عادلة على ملف شديد التعقيدات، عبر إستراتيجية مخاتلة لتجزئة الملفات وترحيل القضايا وتطبيع نتائج الانقلاب وتكريس سياسة الأمر الواقع، التي فرضتها الميليشيات الحوثية على الأرض، بكل ما فيها من ظلم وتعسف وانتهاك لأبسط مبادئ حقوق الإنسان.
ظن غريفيث، أو هكذا أوحت له بعض مراكز القرار الغربية، أن الحل في اليمن يكمن في تحويل الحوثي من “شبح” إلى “تمثال” ومن ميليشيا انقلابية مسلحة إلى شريك سياسي يمكن جذبه إلى طاولة السلام من خلال وضع الكثير من الجزر في طريقه، في الوقت ذاته الذي تم فيه تركيز كل أنواع الضغوط على خصومه المحليين والإقليميين ودفعهم نحو تقديم التنازلات تلو التنازلات، ووضع العقبات في طريق انتصاراتهم السياسية والعسكرية، كما حدث في معركتي صنعاء والحديدة على سبيل المثال.
ساهمت السياسة المدمرة التي انتهجتها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في زمن غريفيث في خلق واقع جديد، منح الحوثي هامشا كبيرا للمناورة السياسية والعسكرية، فيما تم تكبيل الأطراف الأخرى التي تخوض حربا في مواجهته ومنعها من تحقيق أي انتصار، وكانت النتيجة في نهاية المطاف والتي نراها اليوم ماثلة للعيان، أن الحوثي استخدم الكثير من الجزر الذي قدم له دون مقابل لشراء كثير من الطائرات المسيرة والصواريخ، ليس لتهديد خصومه المحليين والإقليميين فحسب، بل للتلويح باستهداف مصالح العالم الاقتصادية وطرق الملاحة الدولية، ورفض كل الحلول والمبادرات بما فيها تلك التي تلبي مطالبه التي كان يتذرع بها طوال السنوات الماضية.
نقلاً عن العرب اللندنية