كريتر نت – متابعات
يؤكد انخراط الجيش المصري في مهام أمنية جديدة في البحر الأحمر عبر قيادته “قوة المهام المشتركة 153 الدولية” أن القاهرة تمضي في مسار تعزيز علاقاتها الأمنية مع دول الخليج، ومستعدة للتعامل مع التهديدات من خلال تنسيق إقليمي ودولي.
يأتي هذا في وقت تكثّف فيه الولايات المتحدة عملياتها لوقف تدفق الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن على وقع التعنّت السياسي والتصعيد العسكري اللذيْن أبدتهما الجماعة المدعومة من إيران.
وستتولى القوات البحرية المصرية عملية التنسيق مع نظيرتها المشاركة في القوة الدولية التي تضم 34 دولة لمكافحة تهريب الأسلحة والأنشطة الإرهابية والأعمال غير المشروعة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وهي تهديدات تأتي من جانب الميليشيات الحوثية.
وأوضح رئيس جهاز الاستطلاعات الأسبق في الجيش المصري اللواء نصر سالم لـ”العرب” أن “الكلفة العسكرية والاقتصادية لتولي مهام قيادة القوة المشتركة مرتفعة، ما يجعل مسألة تغيير القيادة تتم بشكل دوري بين الدول. ومهمة البحرية المصرية تتمثل في التنسيق بين القوى الموجودة في مساحات جغرافية متباعدة”.
وتقود مشاركة القاهرة إلى انخراطها مباشرة في مجابهة جماعية للتهديدات المتصاعدة في البحر الأحمر، وترفع الحرج عنها بعد أن ظلت محل شكوك من جانب دول خليجية بسبب عدم مشاركتها بالدرجة الكافية في محاربة الميليشيات الحوثية وصدّ خطر إيران.
وتعيد تلك الخطوة صياغة المنظومة الأمنية بين مصر ودول الخليج، بعد أن اهتزت هذه المنظومة نسبيا نتيجة طموحات خليجية عوّلت على مشاركة واسعة للجيش المصري الذي بدا حذرا.
وقال المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية التابعة للجيش المصري اللواء عادل العمدة إن “مشاركة القاهرة على رأس قوة المهام الدولية لها ركائز اقتصادية عربية لكل من مصر والسعودية والإمارات في تلك المنطقة، وتهدف إلى مواجهة التهديدات التي تحول دون تحقيق الأمن والاستقرار”، لافتا إلى أن الوجود المصري يخدم تأمين حركة الملاحة في قناة السويس.
وأضاف لـ”العرب” أن “منطقة البحر الأحمر تتعرض لتحديات من اتجاهات مختلفة، من بينها الأنشطة الحوثية التي تشكل تهديدا غير مباشر للأمن القومي المصري، حيث تخلق حالة عدم استقرار مستمرة في المنطقة وتعمل على تحقيق أهداف سياسية لإيران والدول المتحالفة معها، وهو ما يقوّض تنامي حركة التجارة”.
واعتبر العمدة المهام الجديدة الموكلة للبحرية المصرية “بداية لأدوار عسكرية في المنطقة، ونجاحها في مهامها يجعلها رقمًا إقليميا يصعب تجاوزه، بما يبرهن على أن القاهرة قادرة على تأمين الأمن القومي العربي والخليجي بالتعاون مع الدول الصديقة”.
وقال المتحدث باسم الجيش المصري العقيد غريب عبدالحافظ الثلاثاء إن “القوات البحرية المصرية تولت قيادة إحدى أهم الآليات المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي ومجابهة التهديدات المختلفة في إطار التعاون مع الولايات المتحدة والدول الشقيقة والصديقة للتعامل مع التحديات التي تستهدف أمن المنطقة”.
وشكلت الولايات المتحدة “قوة المهام المشتركة 153” في أبريل الماضي، وهي رابعة القوى التي انضمت إلى تحالف القوات البحرية المشتركة (سي أم أف) لتلحق بقوة المهام المشتركة 150 ونظيرتيها 151 و152، وجميعها معنية بحماية الأمن البحري.
ومنذ تشكيل تلك القوات تولت الولايات المتحدة قيادتها، قبل تسليم المهمة إلى القاهرة دون التقيد بوقت يحدد استمرار القوات البحرية المصرية في مهامها، ما يعني إمكانية أن يظل الأسطول المصري قائمًا بمهمة التنسيق لتأمين حركة الملاحة في البحر الأحمر.
وتبلورت مجموعة من المواقف الإقليمية والدولية أدت إلى رؤية موحدة بشأن تشديد آلية الرقابة الصارمة لتأمين ممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، والتي يستخدمها الحوثيون وإيران في تهريب الأسلحة والمخدرات إلى اليمن، ما يجعل مهمة تأمينها ومراقبتها تصب في صالح التوجه الدولي للضغط على الحوثيين.
وتزامن توقيت الخطوة مع صدور تقارير تحدثت عن تسليم إيران كميات من اليورانيوم المخصب إلى الحوثيين، ما يسهم في تنامي الخطر الذي تمثله هذه الجماعة، ويعزز مستوى الجدية الدولية في التعامل معها.
وقال رئيس مركز فنار لبحوث السياسات عزت مصطفى إن “تولي البحرية المصرية قيادة قوات المهام المشتركة 153 يؤكد أن الدول المعنية بأمن الملاحة في هذه الممرات ترى أن التهديدات في مستوى يحتم عليها أن تكون المهام في صورة ترتيبات عسكرية دولية في المنطقة لضمان تحييد أو ردع أو منع أي عملية إرهابية”.
وذكر مصطفى لـ”العرب” أن “التهديدات المحتملة قد تنفذها جماعات مدججة بالسلاح المهرب إلى المنطقة، وتحديدا ميليشيا الحوثي في اليمن، وهي تفصح عن تصعيد باتجاه البحر الأحمر منذ سبتمبر الماضي خلال استعراضها ألغاما بحرية وزوارق تستخدمها في هجمات عن بعد ونفذت بعدها هجمات بطائرات مسيرة ضد موانئ يمنية في بحر العرب”.
وتابع “يبدو أن تصعيد واشنطن محاصرتها للسلاح الإيراني المهرب إلى المنطقة يرتبط برغبة طهران في استهداف الملاحة الدولية بعيدا عن مضيق هرمز، ما يعني أن خطورة الدوافع الإيرانية تتجه نحو البحر الأحمر باستخدام ميليشياتها الحوثية أو حركة الشباب الصومالية التي تزايد نشاطها الإرهابي في الآونة الأخيرة”.
كما يرتبط بنشاط تهريب السلاح الإيراني إلى ميليشيا الحوثي منذ سنوات باستخدام الأراضي الصومالية نقطة ترانزيت لإنزال هذا السلاح وإعادة نقله إلى اليمن عبر شحنات أصغر، وذلك هربا من المراقبة والضبط من قبل قطع البحرية النشطة في البحر الأحمر، ما يستوجب أن يرتفع نشاط رصد السلاح الإيراني المهرب إلى بحر العرب في المياه الدولية المؤدية إلى البحر الأحمر أو الساحل الصومالي على حد السواء.
ويأتي التحرك الأميركي لتضييق الخناق على شحنات الأسلحة القادمة من إيران على وقع التهديدات الحوثية المتزايدة التي عبرت عنها تصريحات أدلت بها قيادات سياسية وعسكرية في الجماعة هددت باستهداف ممرات الملاحة الدولية وإمدادات الطاقة العالمية.
وشدد الباحث العسكري اليمني العقيد وضاح العوبلي على أهمية تعاطي الجيش المصري مع ملف الأمن البحري في البحر الأحمر كأولوية في ظل الوضع الأمني المضطرب وغير المستقر على ضفتيه (اليمن والسودان).
وأشار لـ”العرب” إلى “وجود تفهم دولي للخطر الذي يُمثله الحوثيون، خاصة بعد انكشاف حجم تهريب الأسلحة والمخدرات الذي بلغ معدلات عالية، ومنع عشرات الشحنات المهربة من الوصول إلى مناطق الحوثيين، تزامنًا مع تهديدهم باستهداف شحنات النفط والموانئ النفطية في حضرموت وشبوة، وعدم استجابتهم لجهود السلام الأممية”.