ترجمة: محمد الدخاخني
الحشود في العاصمة الأرجنتينيّة، بوينس آيرس، تنزل بانتظام إلى الشّوارع احتجاجاً على المشكلات الاقتصاديّة، لكنّ حملة كرة القدم المُثيرة للبلاد شجّعت، بدلاً من ذلك، الآلاف على الخروج توقّعاً أن يقودهم بطلهم ليونيل ميسي للفوز بكأس العالم للمرّة الثّالثة.
انضمّ أوغستين بورتيو إلى المحتفلين الذين كانوا يرقصون تحت المطر، يوم الجمعة، عندما تفجّرت عاصفةٌ استوائيّةٌ فوق بوينس آيرس بعد فوز الأرجنتين على هولندا، وتأهّلها لمباراة نصف النّهائي ضدّ كرواتيا، يوم الثّلاثاء.
يقول بورتيو (22 عاماً) الذي لم يَشهد جيله تتويج الأرجنتين بطلاً للعالم: «كرة القدم خلاصنا. كلّ شيء من حولنا يزداد سوءاً، لكنّنا جميعاً سعداء هذا الأسبوع».
في جميع أنحاء العاصمة، تمتلئ النّوافذ باللونين الوطنيّين للأرجنتين، الأزرق السّماويّ والأبيض، بينما في قطر، دُعِمَ الفريق بواحدة من أكثر روابط المشجّعين ضجيجاً وشغفاً.
على خلفيّةٍ من اقتصادٍ منهكٍ وخللٍ سياسيّ، يقع ثقل أُمّة الـ 46 مليون على أكتاف ميسي الضّيّقة.
من المتوقّع أن يَصل مُعدّل التّضخّم في الأرجنتين مع حلول نهاية العام إلى مائة في المائة. لقد زادت معدّلات الفقر، ممّا أجبر البعض على الهجرة إلى الخارج.
والحكومة «البيرونيّة»، التي تنتمي إلى يسار الوسط، والمنعزلة عن الأسواق الدّوليّة، تُراكِم ديوناً غير مستدامة على برامج دعمٍ مُكلفة، بينما يُهدّد أنصار نائبة الرّئيس، كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، بمزيد من الاحتجاجات بعد إدانتها، الأسبوع الماضي، بتهم فساد.
إذا تُوّج الفريق بطلاً، يوم الأحد المقبل، في قطر، فإنّ ذلك، كما يقول المشجّعون، سوف يُثبت أنّ الأرجنتين «موجودة هناك تماماً» مع البلدان الأخرى، وسوف
الطريقة التي يرى الأرجنتينيّون بها أنفسهم
ينعكس جيّداً على الطريقة التي يرى الأرجنتينيّون بها أنفسهم كأمّة – «شجاعة، ومتحمّسة، ومليئة بالمعاناة»، كما قال أحد المشجّعين لصحيفة «الفاينانشيال تايمز» خارج نادٍ رياضيّ في حي باليرمو الذي يقع في قلب المدينة.
الكبرياء الوطنيّ، أيضاً، على المحكّ بالنّسبة إلى ميسي، البطل الدّوليّ الحقيقيّ الوحيد للبلاد. هذه فرصة ميسي (35 عاماً) الأخيرة التي يمكن أن يُثبت فيها أنّه يمكن مقارنته بالرّاحل دييغو مارادونا، الذي ألقت وفاته في عام 2020 بظلالها على ما قد يكون آخر كأس عالم بالنّسبة إلى ميسي على الإطلاق.
بُغية تجاوز مارادونا باعتباره أعظم لاعب أرجنتينيّ على الإطلاق، فإنّ ميسي، كما يقول المشجّعون، يجب أن يقود الفريق إلى انتصارين آخرين بالطّريقة نفسها التي قاد بها مارادونا منتخب «الألبيسيليستي» إلى المجد في كأس العالم في 1986.
قال ميسي بعد مباراة يوم الجمعة: «دييغو يراقبنا من السّماء. يدفعنا إلى الأمام. أتمنّى أن يظلّ الوضع على هذا النّحو حتّى النّهاية».
يقول خوليو روجر (51 عاماً)، النّادل الرّئيس في «كافيه تاباك»، في بوينس آيرس، حيث كان مارادونا زبوناً منتظماً، إنّ البطولة مختلفة هذا العام بسبب وفاته والتّحدّيّات الاقتصاديّة المتزايدة، مضيفاً أنّ النّاس يضعون «أهميّة كبيرة» على الحدث.
يقول روجر: «لقد عاد وهم العظمة بكلّ قوّة»، حتّى بالنّسبة إلى أولئك الذين لا يهتمّون بكرة القدم. ويضيف: «نحن في حالة [اقتصاديّة] سيئة للغاية… البطولة تجلب الأمل والرّاحة».
قد تعود مشكلات الأرجنتين في شكل انتقاميّ بعد انتهاء البطولة. وقد أثار تعامل الرّئيس ألبرتو فرنانديز السّيئ مع الاقتصاد، خاصّة أثناء جائحة فيروس كورونا، غضباً شعبيّاً.
التّحدّيّات الاقتصاديّة وكأس العالم
تواجه حكومته الكثير من التّحدّيّات الاقتصاديّة. دفعت ضوابط الصّرف الدّولار المستخدم على نطاق واسع في السّوق السّوداء إلى ما يقرب من ضعف المستوى الرّسميّ مع تبخر الثّقة في العملة المحلّيّة، البيزو، وانخفاض احتياطيّات البنك المركزيّ.
إنّ إصلاح المشكلة بدا أقلّ أولويّة خلال شهر كأس العالم.
وقد قالت وزيرة العمل، كيلي أولموس، الشّهر الماضي، إنّ معالجة التضخم يمكن أن تنتظر، وإنّ الأولويّة الأولى هي «الفوز» بالبطولة. اعتذرت أولموس عن تعليقاتها بعد انتقادات عامّة.
في غضون ذلك، أدّت إدانة الرّئيسة السّابقة، فرنانديز دي كيرشنر، إلى انقسام الرّأي العامّ. حُكم عليها الادّعاء بالسّجن ستة أعوام والمنع مدى الحياة من تولّي أيّ منصب عامّ، بعد اتّهامها بالاحتيال. زعمت أنّها ضحّيّة اضطهاد سياسيّ من قِبل «فرقة إعدام» قضائيّة ودعت أنصارها للدّفاع عنها.
بصفتها نائبة الرّئيس ورئيسة مجلس الشّيوخ، تتمتّع كيرشنر بحماية قانونيّة ومن غير المرجّح أن تواجه عقوبة السّجن.
ويظلّ حقها في الخدمة والتّرشّح للمناصب العامّة مصوناً حتّى استنفاد جميع سُبُل الاستئناف.
تتردّد أصداء حكم المحكمة الفيدراليّة بالفعل في الأجواء السّياسيّة المشحونة في الأرجنتين، حيث تستعدّ الحكومة اليساريّة لدرء تحدّي المعارضة المُحافِظة في الانتخابات الرّئاسيّة في تشرين الأوّل (أكتوبر) المقبل.
في «كافيه تاباك»، قال روجر، الذي توقّع فوز الأرجنتين 1-0 على فرنسا في النهائيّ، إنّ انتصار كرة القدم سيكون للشّعب وليس للمؤسّسة السّياسيّة.
قال: «لن يأخذ أحد الكأس إلى القصر الرئاسيّ عندما نفوز».
مصدر الترجمة عن الإنجليزية:
لوسيندا إليوت، الفاينانشيال تايمز،