محمد ماموني العلوي
قررت أحزاب يسارية بالمغرب، مكونة من حزب المؤتمر الوطني الاتحادي، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، واليسار الوحدوي، الاندماج رسميا في حزب واحد، باسم “فيدرالية اليسار الديمقراطي”، في تجربة تحيط بها شكوك كبيرة في قدرتها على الصمود.
وجاء الإعلان عن هذا الاندماج خلال مؤتمر عقد بمدينة بوزنيقة القربية من الدار البيضاء، تحت شعار “مسارات تتوحد، يسار يتجدد”.
وانتخب المؤتمر مساء السبت المجلس الوطني للحزب اليساري الكبير، الذي يتكون من 436 عضوا، منهم 31 عضوا عما يسمى بالمكون الرابع، وهو مجموعة البديل التقدمي التي تتكون من فعاليات يسارية التحقت بالفيدرالية منذ الإعلان عن الاندماج وشاركت في التحضير لهذا الاندماج.
وأعلن المجلس الوطني أن هذا المشروع السياسي الجديد يهدف إلى بناء مجتمع ديمقراطي واشتراكي كفيل بتحقيق تطلعات الشعب المغربي إلى الحرية والكرامة والمساوة والعدالة الاجتماعية.
وأكد عبدالسلام العزيز، الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، أن البلاد في أمس الحاجة إلى حزب يعيد تجميع الفعاليات اليسارية التي تتقاسم مشروع الدولة الاجتماعية والإيمان بالحرية الاجتماعية، وبمرجعية تستحضر كافة المرجعيات الاشتراكية والنقاش المجتمعي، في سباق إقليمي وتقاطب المصالح.
واعتبر القيادي في فيدرالية اليسار أن هذه المحطة على أهميتها الداخلية بالنسبة لأعضاء الفيدرالية، تعتبر حلقة في مسلسل سيستمر في تجميع كل قوى اليسار، وكل الذين يؤمنون بضرورة التقدم الديمقراطي الحقيقي، ومن ثم سيدخل على إثرها الحزب في مرحلة انتقالية مفتوحة لمدة سنتين من أجل تجميع كل الطاقات اليسارية.
وينتظر أن ينتخب المجلس الوطني في أول اجتماع له مكتبا سياسيا سيكون موسعا وتمثل فيه جميع مكونات الفيدرالية، كما سيتم تشكيل سكرتارية للمكتب السياسي.
وسيتولى الأمين العام الجديد قيادة المرحلة المقبلة لمدة تتراوح ما بين سنة وسنتين، في أفق اختيار عقد مؤتمره الوطني لانتخاب أمينه العام بالانتخاب بدل آلية التوافق التي تم اللجوء إليها خلال المؤتمر الاندماجي.
وعلّق رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، قائلا إن هذا الاندماج لن يخرج عن التجربة المتعثرة لليسار المغربي بشكل عام المطبوع بالتشتت، وإنه سيكون امتدادا لتجربة “فيدرالية اليسار” المتواضعة التي فشلت في تجميع اليسار المعارض.
وشدد رشيد لزرق في تصريحات لـ”العرب” على أن مستقبل هذه التجربة اليسارية يظل مرتبطا ببروز قيادات شابة متشبعة بالواقعية وبعيدة عن العدمية، ومرتبطة بقضايا الجماهير، قد تعيد لليسار الإشعاع عبر إسقاط القيادات الشعبوية، وتطهير الفضاء الداخلي من الانتهازية، لضمان الانتقال الديمقراطي الداخلي لهذه الأحزاب اليسارية.
واعتبرت قيادات الفيدرالية أن فكرة الوحدة والاندماج انطلقت من كون أن أيا من أحزاب فيدرالية اليسار غير قادر لوحده أن يبني صرح فعل يساري في المغرب، وأن من أسس أيديولوجية الحزب الجديد هو جعل ثروات المغرب في يد الشعب وممثليه الحقيقيين، وتنفيذها عبر حكومة ديمقراطية يرضاها الشعب، وعبر حزب اشتراكي كبير يضم جميع اليساريين الذين لهم هم واحد هو بناء الدولة الديمقراطية وضمان الحقوق الشاملة.
ولم تمر ساعات على الاندماج حتى أعلن الفرع الإقليمي لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي بفاس رفضه طريقة الاندماج بين مكونات فيدرالية اليسار، لأن التحضير له “تم بشكل فوقي في تغييب تام للقواعد الحزبية وعبر تنظيماتها القاعدية”.
ووصف فرع حزب الطليعة في بيان وصلت “العرب” نسخة منه، هذا الاندماج بأنه “مغامرة مستقبلية برصيد الحزب النضالي والسياسي، وسيكون رهانا فارغا ومن دون أبعاد حقيقية، ولن يؤدي في النهاية إلا إلى المزيد من التشتيت والتشرذم وسيعرقل عجلة التطور الطبيعي لمجريات الصراع الطبقي”.
وقال منسق تيار “اليسار الوحدوي” والقيادي في فيدرالية اليسار محمد الساسي إن “البعض منا يتصور أنه قادر لوحده أن يشكل بديلا على الاندماج والوحدة، ويستطيع وهو في شكل بنية حزبية واحدة أن يقدم على الأرض إنجازات تفوق تلك التي تستطيع تقديمها بنية أحزاب مجتمعة ومتحالفة”.
ويتحدث هنا محمد الساسي بشكل مباشر عن نبيلة منيب زعيمة الحزب الاشتراكي الموحد التي انشقت ورفاقها عنه، على خلفية قرار أمينته العامة للحزب عدم تقديم مرشحين مع الفيدرالية قبيل انتخابات الثامن من سبتمبر 2021.
واتهم بلاغ فرع حزب الطليعة بفاس مكون اليسار الوحدوي الذي يتزعمه محمد الساسي، المنشق عن الحزب الاشتراكي الموحد، بالوقوف وراء عملية تسريع الاندماج، الذي كان مقررا أن يتم مع الحزب الأخير الذي تتزعمه نبيلة منيب.
وكرد فعل على هذه الانتقادات، أكد الساسي أن الحزب الجديد سيصنع الحدث ولا يكتفي بالتعليق عليه، يحرك القواعد الشعبية ولا يقتصر على التعاطف معها، ويطلق المبادرات، ولا ينحصر دوره في تثمين مبادرات لا يعرف حتى من أطلقها، ولا يفهم منطقها وسياقها.
وتساءل الساسي عن الفائدة من وجود حزب مبدئي غير فاعل ولا قدرة له على التأثير؟ يعيش تخمة في الشعارات، وخصاصا مروعا في الحركية والبنيات، ينتقد ولا يقدم بدائل ملموسة، يتقدم في العمر ولا يتقدم في الامتداد والهيكلة.
وصادق المؤتمر الاندماجي على وثائق الحزب ولجنة التحكيم ولجنة المراقبة المالية، والخط السياسي والمشروع المجتمعي والعمل الجماهيري والتنظيم والقوانين، باعتبارها خطوة عملية في طريق اندماج مكونات الفيدرالية.
لكن بعض القيادات صنفت مشاريع الأوراق بأنها مجرد كشكول فكري وخليط من الأفكار المبعثرة وغير الواضحة على جميع المستويات التنظيمية والفكرية، والتي ظلت أفكارا ترنو إلى الاشتراكية غير الواضحة والشعارات الليبرالية، ناهيك عن عدم التمييز بين التكتيكي والإستراتيجي.
المصدر العرب اللندنية