حامد فتحي
صحفي مصري
بات اسم المنطقة العسكرية الأولى رديفاً للأهداف الإخوانية، المتمثلة في حزب التجمع الوطني للإصلاح في محافظة حضرموت في الجنوب اليمني. بالإمكان وصفها على أنّها عنوان للصراع بين الإخوان والجنوبيين حول شكل الدولة في البلاد، التي يسيطر الحوثيون على معظم مساحتها في اليمن الشمالي، بينما تحرر الجنوب بشكل شبه كامل من السيطرة الحوثية.
بات الصراع حول المناطق التي لا تخضع للحوثيين بين عنوانين رئيسين تحتهما فروع عدّة؛ الأول الوحدة اليمنية التي هي مفهوم شمالي في أساسه، لكن دونه الحوثيين، والثاني هو دولة الجنوب العربي في المحافظات الجنوبية وفي قلبها محافظة حضرموت.
وبينما يطالب الجنوبيون، وعلى رأسهم المجلس الانتقالي الجنوبي الأكبر وجوداً شعبياً وعسكرياً باستعادة دولة الجنوب التي ظلت موجودة حتى عام 1994، يستند الإخوان إلى الإرث الشمالي الجمهوري والوحدوي كمحرك للهيمنة على الجنوب، باعتباره جزءاً من دولة اليمن اليوم، فضلاً عن عوامل أخرى تتعلق بالحواضن الشعبية من الإصلاحيين الجنوبيين.
المنطقة العسكرية الأولى
شهدت مدينة سيئون، كبرى مدن وادي وصحراء حضرموت فعاليات شعبية من مؤيدي المجلس الانتقالي الجنوبي في إطار حملتهم للضغط نحو تنفيذ اتفاق الرياض لعام 2019، بشأن إخراج المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، لحرمان خصومهم من حزب الإصلاح من أقوى أداة نفوذ في منطقة جغرافية هامة، تتشارك الحدود الدولية مع السعودية.
وشهدت مدن سيئون والقطن قيام قوات المنطقة العسكرية الأولى باقتحام المدن لفضّ العصيان المدني الذي دعت إليه الإدارة المحلية للانتقالي لشؤون الوادي والصحراء.
لم يكن الحادث الأول من نوعه، حيث شهدت مدن الوادي اعتداءات متكررة من قوات المنطقة. يطالب المحتجون بإحلال قوات النخبة الحضرمية وقوة دفاع حضرموت كبديل للمنطقة الأولى، التي يجب إلحاقها بالحرب ضد الحوثيين، بدلاً من ممارسة الهيمنة لصالح جماعات النفوذ التي ترتبط بالنظام السابق، وفي قلبها الإصلاحيون الإخوان.
وعقب ذلك بيومين تعرض طقم عسكري تابع لكتيبة الحضارمة لاعتداء خلال مرافقته وفد أممي إلى محافظة مأرب. وحمّل الانتقالي الجنوبي المنطقة العسكرية الأولى المسؤولية عن الجريمة.
نائب رئيس لجنة الدراسات والبحوث والتدريب بالجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، عمر باجردانة، قال لـ”حفريات” إنّ تاريخ المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت يعود إلى الوحدة الإجبارية عام 1994، وتقوم بمهمتين أساسيتين، تغيرتا قليلاً في عام 2014.
الأولى تأمين ثروات المحافظة الجنوبية من النفط لصالح النافذين من الشماليين، والثانية هي منطقة نفوذ لصالح شريك الحرب ضد الجنوبيين حزب الإصلاح الإخواني.
وأفاد باجردانة بأنّ المنطقة العسكرية الأولى قوات ذات بُعد عقائدي كبير، وتخضع تنظيمياً بدرجة كبيرة للإخوان، منذ احتلال الجنوب عام 1994، خاصة لأهمية وادي وصحراء حضرموت كمنطقة إستراتيجية لهم.
وتابع بأنّ هذا الوجود يأخذ بعداً سياسياً وأيديولوجياً واجتماعياً، في منطقة تتشارك القبائل والحدود مع المملكة العربية السعودية.
تعقيدات حضرمية
علاوةً على الإرث الشمالي الجاثم على قلوب الحضارمة، هناك إثمّ دولة الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) التي اصطدمت بالمكونات الاجتماعية التقليدية في محافظات جنوبية مثل حضرموت وشبوة والمهرة.
عندما يدخل عامل الوقت تتبدل هذه المعادلة، فمنذ العام 2011 لم يعد الشماليون كما كانوا، بخلاف الصحوة الجنوبية، التي حققت مكاسب جنوبية بينما تراجع الشماليون في عقر دارهم. كما تمنح النتيجة السابقة فرصةً قويةً للحضارمة الجنوبيين وداعمهم الانتقالي الجنوبي في مواجهة الشماليين، لها تبعاتها من نزوح شمالي إلى مناطق جنوبية وحضرمية خصوصاً أدى إلى خلق واقع سكاني جديد، سيجعل الحضارمة أقلية أصيلة في مواجهة أغلبية نازحة مدعومة من خصومهم الإخوان. بتفسير آخر هم مواطنون في دولة اليمن التي ما زالت الغطاء الشرعي للبلاد.
يرى الصحفي الحضرمي، رشيد بن شبرق، أنّ الجنوب اليوم غير جنوب الأمس، والقيادات الحضرمية غير الأمس. وأضاف لـ”حفريات” بأنّ هدف المكونات الحضرمية استعادة حضرموت كدولة مستقلة، أو ضمن اتحاد فيدرالي في دولة الجنوب.
ونوه بأنّ ما تشهده حضرموت من حراك واسع يشمل شعارات متعددة مثل السلطنات السابقة بمثابة مكسب بشأن تعزيز الاستقلالية لكل الفئات الجنوبية، وتلك هي رؤية الانتقالي الجنوبي الذي يطرح فيدرالية جنوبية.
ويعتبر تجمع “مؤتمر حضرموت الجامع” من أهمّ المكونات الحضرمية التي تختلف عن الانتقالي الجنوبي؛ حيث يتبنى حلاً تحت غطاء الشرعية، ويضمّ جميع ألوان الطيف السياسي بمن فيهم حزب الإصلاح.
ورغم اختلاف الواقع الذي أسس ماهية وأدوار المنطقة العسكرية الأولى إلا أنّ هناك ورثة لذلك، وهم حزب الإصلاح الذي يحظى بوجود كبير في مأرب وتعز ومناطق المهرة وحضرموت. ويحمل الإخوان مشروع الوحدة كمظلة يعملون من خلالها مع بقية القوى المتنوعة التي تشاركهم المناطق التي لا يسيطر عليها الحوثي.
وتتعدد توجهات بقية القوى من الجنوبيين والمؤتمر الشعبي فضلاً عن القبائل. لهذا لم يكن الإخوان بعيداً عن نسج علاقات اجتماعية قوية مع قطاع غير قليل من الحضارمة، في ظل عقود من عهد الدولة التي كانت لهم يدٌ طولى فيها، بينما لم يكن للقضية الجنوبية التأثير الموجود اليوم.
بسبب هذه التعقيدات اتخذ وجود التحالف العربي في اليمن شكلاً عملياً في توزيع الأدوار لتحقيق الفعالية وتجنب الصدام مع البيئة اليمنية المتنوعة، ولهذا كان للسعودية الوجود الأكبر في حضرموت حيث تشترك المحافظتين في حدود دولية معها، وكذلك المهرة القريبة جداً من حدودها. ومن جانب آخر هناك دور من سلطنة عمان بعيداً عن إستراتيجية التحالف العربي، ويتعلق بحماية الأمن الإقليمي للسلطنة، التي تشترك بتاريخ كبير مع المهرة والحضارمة، ودولة الجنوب العربي.
تجربة شبوة
يتشابه ما يشهده وادي حضرموت من أحداث مع ما شهدته مدينة عتق وغيرها في محافظة شبوة، بخلاف أنّ الوجود العسكري الإخواني لم يكن بمثل قوة المنطقة العسكرية الأولى، فضلاً عن وجود قوات العمالقة الجنوبية في شبوة منذ دخولها لتحرير مديريات بيحان من الحوثيين، وهو ما نجحت فيه.
ويأخذ تنامي العنف بين أطراف الأزمة في وادي حضرموت المنطقة إلى تكرار نموذج شبوة؛ حيث دخلت قوات جنوبية وطردت الوجود العسكري للإصلاح، الذي تمرد على سلطة المحافظ المقرب من الانتقالي.
ويقول الصحفي رشيد بن شبرق: ليس أمام الإصلاح سوى خيار واحد، وهو ترك الوادي لأهل حضرموت بما في ذلك القيادة العسكرية، والتركيز على استعادة مناطقهم الشمالية من يد الحوثيين. وحذر بن شبرق من مخاطر تغيير التركيبة الديموغرافية لسكان وادي حضرموت؛ من خلال النازحين من الشمال.
وذكر أنّ هناك عمليات تجنيد للحضارمة والجنوبيين بشكل عام، وإنشاء معسكرات في منطقة العبر استعداداً لما سيأتي إنّ لم تستجب الدولة لمطلبها الشرعي في إخراج المنطقة العسكرية الأولى، وتسليم السلطة الأمنية للحضارمة.
وعن دور المنطقة العسكرية الأولى في خدمة مصالح الإخوان المسلمين في اليمن، قال النائب بالجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، عمر باجردانة بأنّها تعتبر امتداداً لمشروع الحوثي في صنعاء، وهي شريان الحياة لمشروع الحوثي من خلال التخادم مع الإخوان، بسبب عمليات تهريب الدعم العسكري والمالي والنفطي وغير ذلك عبر حضرموت إلى مناطق الحوثيين.
وكان مجلس القيادة الرئاسي أصدر عدة قرارات تتعلق بإجراء تعديلات في قيادة أركان المنطقة العسكرية الأولى، إلا أنّها غير كافية في نظر المحتجين، الذين يخططون للتصعيد الاحتجاجي، مع اقتراب الذكرى التاسعة للهبة الحضرمية.
المصدر حفريات