كريتر نت – متابعات
يجمع محللون على أن جنون عمليات التشييد لمنشآت كأس العالم ومرافق البنية التحتية المرتبطة بها في قطر ستواجه بعد انتهاء البطولة لحظة الحساب الحاسمة، لمعرفة حقيقة دفاع الدوحة عن استثماراتها في جعل البلد الصغير أكثر جاذبية للأعمال والسياح.
تواجه قطر مع العودة إلى وتيرتها الأكثر هدوءا بعد فوز الأرجنتين في نهائي كأس العالم لكرة القدم، اختبارا لإقناع المراقبين بجدوى مشاريعها المليارية المخصصة للمونديال، والتي لا يزال بعضها لم يكتمل حتى الآن.
ويرى محللون أن التحدي التالي موجود بالفعل على البلد البالغ عدد سكانه 3 ملايين نسمة، والمتمثل في كيفية منع سنوات من التطور الغاضب من التحول إلى هدفها الوحيد، وهو أن تكون وجهة أكثر تنافسية في منطقة الخليج.
وقال برتولد ترينكل، الرئيس التنفيذي للعمليات في قطر للسياحة، خلال حدث الأسبوع الماضي، في إشارة إلى سنوات المناقشات مع اللجنة المنظمة، “ظللت أخبرهم دائما أنني قلق بشأن يوم التاسع عشر من ديسمبر عندما تنتهي البطولة، لأن البلد بعد ذلك سيعود إلى طبيعته”.
واختبرت قطر، الغنية باحتياطيات الغاز الطبيعي الهائلة، فكرة أن المال لا يمكنه شراء كل شيء، سواء كان ذلك في العقارات في لندن ونيويورك أو امتلاك فريق كرة قدم فرنسي أو استضافة كأس العالم.
ولكن في الداخل، أدت هذه الثروة المذهلة أيضا إلى وضع خطة بناء تتجاوز بكثير احتياجات الأعمال والسياحة الحالية للبلاد.
واعتبرت الاستثمارات التي تزيد عن 300 مليار دولار في البنية التحتية للتحضير للبطولة جزءا من محاولة لخفض اعتماد الاقتصاد على النفط والغاز، من خلال خلق مصادر أخرى للنمو.
ومع ذلك، يقول رجال الأعمال والمستثمرون إن الاقتصاد غير القائم على الطاقة قد يحتاج إلى حقنة من المساعدات الحكومية لحمايته من الألم الشديد.
وقال شيراج دوشي، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة قطر للتأمين في الدوحة، لوكالة بلوبمرغ إن “القطاعات المعرضة للخطر بشكل خاص هي العقارات والضيافة والأغذية والمشروبات”.
وأضاف “القدرة التي تم إنشاؤها لهذا الحدث الضخم ستستغرق وقتا طويلا ليتم استيعابها، ما يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي أو الانكماش”. وتابع دوشي أن “ذلك قد يضغط على مقرضيهم، لكن التأثير سيخفف من قوة المالية القطرية وزيادة الإنفاق لتعزيز إنتاج الغاز”.
وكانت الدوحة خالية بالفعل قبل أيام على نهائي المونديال، بعدما استضافت على مدار أيام البطولة قرابة 1.4 مليون زائر. وتتوقع وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية أن ينخفض عدد سكان البلاد بنسبة 8 في المئة في 2023، ليستقر عند 2.7 مليون، بعد عودة الأشخاص العاملين في مشاريع كأس العالم إلى أوطانهم.
واستنادا لتعداد عام 2020، كان ما يقرب من نصف سكان البلاد من العمال ذوي الرواتب المنخفضة، الذين يعيشون في معسكرات العمل الجماعية.
وقال علي السالم، الشريك المؤسس للاستثمار لشركة أركان بارتنرز ومقرها الكويت، “قد يكون من الأسهل على قطر الاحتفال بكأس العالم باعتباره فوزا للقلوب والعقول لنفسها وللمنطقة العربية، وترك الأمر عند هذا الحد”.
وقال مسؤول حكومي، لم تكشف بلومبرغ هويته، إن “قطر شهدت دعما اقتصاديا من البطولة مما أدى إلى تسريع مبادرات التنويع”. وأكد أن قطر تستهدف 6 ملايين زائر دولي سنويا بحلول 2030، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف الرقم في عام 2019.
وأدخلت قطر بالفعل إصلاحات في العقارات والإقامة لتعزيز الاقتصاد. وقال المسؤول “كانت كأس العالم نقطة انطلاق تسويقية فريدة لزيادة الوعي بالوجهة”.
ولبضعة أسابيع، امتلأت المباني الفارغة عادة التي تنتشر في الأحياء التجارية والسكنية في قطر بالزوار الأجانب، حيث كانت البلاد تكافح لاستيعاب مئات الآلاف من المشجعين في وقت واحد.
وأدت الاستعدادات لاستضافتهم إلى ارتفاع أسعار المساكن.
وأجبرت الاتفاقات المبرمة بين الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” واللجنة المنظمة في قطر العديد من الفنادق في البلاد على إخلاء المقيمين فيها منذ فترة طويلة.
وفي الوقت نفسه، كانت قطر تؤجر 60 ألف شقة سكنية للجماهير، مما أدى إلى ارتفاع الإيجارات بنسبة بين 20 و30 في المئة، وفقا لتقديرات كوشمان آند ويكفيلد في أكتوبر.
ورجح خبراء ويكفيلد أن يتبع هذا الارتفاع غير المسبوق في الطلب حتما انخفاض في الربع الأول من عام 2023.
والآن بعد أن غادر السياح، يتدافع الملاك لوقف خسائرهم، حيث تمتلئ مجموعات المغتربين على فيسبوك بحسابات المستأجرين الذين يقولون إن أصحاب العقارات يطالبون بعقود لمدة عامين بأسعار مرتفعة.
ويقول الكثير من المستأجرين إنهم سيأخذون فرصهم بمجرد خروج السياح. وفي الاندفاع الجنوني لإنهاء البناء الفندقي والسكني قبل كأس العالم، تم الانتهاء من العديد من المشاريع، لكن لم يتم الانتهاء من الكثير.
وكان من المقرر الانتهاء من فندق أنداز الدوحة الفاخر أواخر هذا العام، لكن التأخير كان في سلسلة التوريد، ما يعني أنه لن يفتح أبوابه حتى العام المقبل.
ويواصل عمال البناء الانطلاق حول جزيرة جيوان الاصطناعية التي تتضمن ملعب غولف ومناطق تجارية ومساحة تتسع لنحو 3500 ساكن، بينما تظل معالمها مغلقة.
وقد تشكل ندرة عائدات كأس العالم مشكلة لبعض هذه العقارات الجديدة.
فقد كان من المتوقع أن تسترد الفنادق الجديدة 15 في المئة أو أكثر من تكاليف بنائها إذا كانت ممتلئة خلال البطولة، حسب تقدير أحد موظفي الفنادق. وكان من الممكن أن يتوقع الملاك في الأحياء السكنية المرغوبة استئجار شقق بحوالي ألف دولار في الليلة.
ومع ذلك، حتى العقارات التي تم افتتاحها خلال البطولة يتعين عليها الآن التعامل مع السوق المكتظة. وتم افتتاح نحو 15 ألف غرفة فندقية جديدة في الأشهر القليلة الماضية وحدها، وفقا للسياحة القطرية.
وكانت معدلات الإشغال قبل كأس العالم أقل من 60 في المئة.
وتم تشييد مكاتب ومبان سكنية جديدة في مدينة لوسيل نصف المبنية والمخطط لها. وكان من المفترض أن تستوعب حوالي 200 ألف شخص عند اكتمالها، ما يعني أن المزيد من الإمدادات في طريقها.
لكن الأمر ليس كما لو أن قطر لا تملك المال. تثق معظم شركات التصنيف الائتماني والمستثمرون في أن الحكومة ستتدخل في النهاية لتخفيف بعض الألم. وأصبح الوضع المالي للبلاد أقوى فقط، حيث تتطلع أوروبا إلى ما هو أبعد من روسيا لتلبية احتياجاتها من الطاقة.
وتعمل الدوحة على توسيع قدرتها على إمداد الغاز المسال بأكثر من 60 في المئة، وهي تعقد بالفعل صفقات لإرسال شحنات إلى الصين وألمانيا لمدة 15 عاما أو أكثر.
وقال أكبر خان، مدير أول لإدارة الأصول في شركة الريان للاستثمار، “تم تعزيز جهود صانعي السياسات لمواصلة تنويع وتنمية الاقتصاد غير الهيدروكربوني بشكل كبير، من خلال استضافة أكبر حدث في العالم”.
وأضاف “ستحدد سرعة ونجاح الإجراءات المستقبلية مدى قوة استمرار ذلك”.
ويقول البعض، مثل ترينكل للسياحة في قطر، إن كأس العالم ستبث حياة جديدة في قطاع السياحة، الذي غالبا ما يحتل مكانا في المقعد الخلفي لدبي الأكثر إشراقا.
وشكل الزوار من السعودية، الذين اختفوا بعد خلاف دبلوماسي في عام 2017 وظلوا بعيدا أثناء الوباء، مرة أخرى 24 في المئة من السياح في البلاد، وهي الحصة الأكبر من أي بلد.
ويأمل وكلاء العقارات في أن تستمر الحكومة في تخفيف سياسات التأشيرات والإقامة لتشجيع المزيد من الاستثمار من قبل الأجانب.
وقال عباس عوني، رئيس المبيعات في لاند رويال بروبريتس، “أدت استضافة البطولة إلى تسريع فهم أن بعض القوانين يجب تغييرها لتطوير الاقتصاد”. وأضاف “كأس العالم فرصة وهدية ذهبية، وعليهم أن يستعدوا لتسهيل الأمور على الذين يريدون أن يعيشوا في قطر للاستثمار”.
وذكر بنك ستاندرد تشارترد في تقرير “الآفاق الاقتصادية لعام 2023″، نشره في وقت سابق هذا الشهر، “يجب أن يستمر دعم النشاط الاقتصادي من خلال الاستثمار المتعلق بتوسع حقل الشمال للغاز والنمو القوي في الخدمات اللوجستية والتصنيع والتجارة”. وتوقع خبراء البنك نمو الناتج المحلي الإجمالي أربعة في المئة في عام 2023، انخفاضا من 4.7 في المئة هذا العام.