كريتر نت – متابعات
يشهد تنظيم داعش الإرهابي انقسامات حادة في صفوفه، كما أن فلول النظام المنتشرة في العراق وسوريا لم تبايع بعد زعيمها الجديد، وغيرت من عملياتها، فبعد أن كانت تشن عمليات انتحارية تستهدف المدنيين صارت الآن تركز على عمليات تستهدف الأمنيين، وهي عمليات رغم قلتها تؤكد أن داعش لا يزال قائما وأن التركيز عليه يخفي تحركات جماعات مسلحة مستقلة لا علاقة لها بالتنظيم الجهادي.
وقدمت أحدث نشرة لتنظيم داعش إشارة الى أن فلول التنظيم لم تُجمع بعد على مبايعة زعيمه الجديد أبوالحسين الحسني القرشي. وأن هناك تراجعا في عملياته القتالية.
واعترفت صحيفة النبأ الأسبوعية التابعة لديوان الإعلام المركزي للتنظيم في عددها 368 الصادر في 8 ديسمبر الجاري، بحدوث انشقاقات في صفوف التنظيم بعد مقتل زعيمه السابق أبوالحسن الهاشمي، الذي قُتل في اشتباك مع مقاتلين سوريين محليين في مدينة جاسم بمحافظة درعا السورية، منتصف أكتوبر الماضي، وحذرت من تداعياتها.
وهذا الاعتراف تزامن مع إحصاءات للنبأ تقول إنه بينما وقع 17 هجوما في مناطق مختلفة من سوريا والعراق الأسبوع الماضي، فإن حصة التنظيم منها اقتصرت على 5 هجمات (3 في العراق، و2 في سوريا).
وما يعدّه التنظيم “تراجعا”، يدل هو نفسه على أن فلول التنظيم، المختلفة، ما تزال نشطة، وقادرة على تنفيذ المزيد من الضربات. وذلك على الرغم من كل ما تعلنه السلطات الأمنية العراقية من تقدم في ملاحقتها وتصفية عناصرها.
“النجاحات” الأمنية التي تعلنها السلطات العراقية، تؤكد على أن الحرب ضد تنظيم داعش ما تزال ساخنة
كما أنه يخفي شيئا ربما كان أكثر أهمية، يكمن في الفارق العددي بين هجمات التنظيم وهجمات أطراف أخرى ما تزال مجهولة. فوقوع 12 هجمة مقابل 5 للتنظيم في أسبوع واحد، فارق كبير.
ويتعلق أحد أهم أسباب الانقسامات الداخلية بالإستراتيجيات القتالية لفلول داعش. فالعديد من العمليات التي جرت في غضون الأسابيع القليلة الماضية تشير إلى أن مجموعات داعش في العراق تركز هجماتها على القوات الأمنية، وليس على التفجيرات أو العمليات الانتحارية التي تتوجه ضد الأهداف المدنية.
وأشارت العملية الأخيرة في كركوك ضد دورية للشرطة الاتحادية والتي أدت إلى مقتل 12 عنصرا، والعملية التي نفذت في بلدة الطارمية شمال بغداد ضد آلية عسكرية وأدت إلى مقتل ضابط وجنديين، بوضوح إلى أن هناك قائمة استهداف جديدة، تشكل أساسا لاختلاف المقاربات بين قيادات التنظيم.
ويشير تنفيذ هجمات باستخدام عبوات ناسفة أيضا إلى أن عناصر التنظيم يتجنبون الأعمال “الانتحارية”، أو حتى الاشتباك المباشر، ويميلون إلى نصب الكمائن بدلا منها. وذلك بالنظر إلى تراجع قواهم البشرية، مما يفرض عليهم “الاقتصاد” في تقديم الخسائر.
وماتزال السلطات العراقية التي احتفلت في 10 من الشهر الجاري بمرور خمس سنوات على انهيار دولة داعش في العام 2017، تقدم صورة متفائلة عن عمليات تصفية عناصر التنظيم، بحيث لا يمر أسبوع إلا ويتم الإعلان عن مقتل أو اعتقال عدد من عناصر التنظيم. وإحصاء النتائج لمدة شهر يشير إلى سقوط ما يقرب من 50 عنصرا بين قتيل أو معتقل. إلا أن التنظيم لا يبدو متأثرا بشدة من جراء العمليات التي تنفذها القوات الأمنية العراقية ضده. كما أن عدد الهجمات ضدها لم ينخفض.
وأعاد الاحتفال بسقوط دولة داعش التي أعلن عن تأسيسها في 29 يونيو 2014، التذكير بالانتهاكات التي ترافقت مع الحملة الأمنية التي نفذتها ميليشيات الحشد الشعبي ضد المدن والبلدات التي كان ينشط فيها عناصر التنظيم. فالحملة لم تلاحق تلك العناصر بمقدار ما كانت حملة انتقام منظمة ضد أهالي تلك المدن والبلدات أنفسهم.
واختار رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي الأسبوع الماضي أن يكون صريحا للمرة الأولى بتحميل الميليشيات التابعة للفصائل الشيعية المختلفة المسؤولية عن “اختفاء” الآلاف من الضحايا في تلك البلدات والمدن التي سميت “مناطق محررة” في محافظات صلاح الدين والأنبار ونينوى.
وقال الحلبوسي، في مقابلة تلفزيونية «يجب أن نُصارح الناس بحقيقتهم (المغيبين)، ونغير اسمهم أولاً إلى المغدورين وليس المغيبين: مغدورين فارقوا الحياة». وطالب بأن تنصف الدولة ذويهم عبر شمولهم بقانون ضحايا الإرهاب، وبالتعويض. وقال في إشارة إلى سيطرة الفصائل المسلحة على منطقة جرف الصخر شمال محافظة بابل التي هجرها أهلها من السنّة منذ سنوات، إن “تحالف قوى الدولة” الذي شكل الحكومة الأخيرة “لا يستطيع بسنّته وشيعته دخول المنطقة التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة، وتالياً لا معنى للحديث عن عودة سكانها النازحين”.
وذكر المرصد العراقي لحقوق الإنسان، في تقرير جديد أن «11 ألف عائلة عراقية أبلغت عن فقدان ذويها بداية من عام 2014 حتى عام 2022».
وقال التقرير “إن اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري في الأمم المتحدة أن هناك 420 مكاناً للاحتجاز السري في العراق. وهذه المعلومات تتطابق نوعاً ما مع مصادر حكومية قابلها المرصد العراقي لحقوق الإنسان وتشير إلى أن السلطات العراقية تعترف في اجتماعاتها الخاصة بوجود أماكن احتجاز سرية».
وهناك ما يبرر الاعتقاد بأن أعمال الانتقام والترويع التي مارستها الميليشيات الشيعية منذ توليها السلطة ضد السنّة في بغداد والمحافظات الأخرى منذ العام 2003، وعلى امتداد عقد كامل من الزمن، كانت هي التي وفرت المزيج المتفجر الذي أدى الى ظهور تنظيم داعش.
ما يعده التنظيم “تراجعا”، يدل هو نفسه على أن فلول التنظيم المختلفة ما تزال نشطة، وقادرة على تنفيذ المزيد من الضربات
وحيث أن تلك الأعمال ما تزال قائمة، وآثارها ما تزال تتجسد في بقاء ملف المهجرين والمغيبين مفتوحا، فإن تنظيم داعش ما يزال يجد وقودا إضافيا لعملياته.
وقال تقرير صدر عن مجلس الأمن الدولي في يناير الماضي إن التنظيم “حافظ على قدرته على شنّ الهجمات بمعدل ثابت في العراق، بما في ذلك تنفيذ عمليات كرّ وفر ونصب الكمائن وزرع القنابل على جنبات الطرق”.
وتشير تقديرات التقرير إلى أن التنظيم ما يزال لديه “ما بين 6 آلاف إلى 10 آلاف مقاتل منتشرين في العراق وسوريا، يتمركز معظمهم في المناطق الريفية”.
ويمتلك التنظيم وفقا لتلك التقديرات ما يتراوح بين 25 و50 مليون دولار من الاحتياطات المالية، وأن مصادر إيراداته تشمل “أعمال الابتزاز، والاختطاف طلباً للفدية، والزكاة، والتبرعات المباشرة، والدخل المتحصل من التجارة، والاستثمارات”. وأن “مصادر الدخل المتنوعة هذه” ساعدت “في إقامة نظام مالي يتيح للجماعة التكيف وتلبية احتياجاتها في ظروف متغيرة”.
ولا يزال هنالك نحو 30 ألف عراقي في مخيم الهول للنازحين في سوريا، بينهم 20 ألف طفل، أعادت منهم السلطات العراقية نحو 450 عائلة فقط.
ويقول تقرير صدر عن البنك الدولي في يناير الماضي إنه “من الشائع أن يشعر السكان في مناطق العودة بالخوف من أن رجوع العائلات التي يعتقدون أنها ساندت تنظيم الدولة الاسلامية أو لا تزال، سيزعزع استقرار مجتمعهم ويخلق مخاطر جديدة على الأمن والعلاقات الاجتماعية”.
التنظيم ما يزال لديه ما بين 6 آلاف إلى 10 آلاف مقاتل منتشرين في العراق وسوريا، يتمركز معظمهم في المناطق الريفية
وتؤكد “النجاحات” الأمنية شبه اليومية التي تعلنها السلطات العراقية، هي بحد ذاتها، على أن الحرب ضد تنظيم داعش ما تزال ساخنة ومتقلبة وتخلف خسائر بين صفوفها. ولكنها تغذي في الوقت نفسه، أسباب بقاء الأزمة الاجتماعية على حالها أيضا.
وتنظيم داعش، بحسب الكثير من المراقبين، إنما ولد من رحم الانتهاكات وأعمال العنف التي مارستها الميليشيات الطائفية على امتداد 11 عاما قبل أن يُصبح ظهور تنظيم داعش ردَ فعلٍ عنيفا عليها. كما أن وحشيته التي استجمعها كانت بدورها خلاصة مكثفة للوحشية التي عوملت بها المحافظات “السنية” طوال ذلك الوقت.
وتظهر الصورة الراهنة، بالرغم من ذلك، أن فلول تنظيم داعش، تعيد النظر في إستراتيجياتها القتالية، لكي تركز هجماتها على القوات الأمنية نفسها. من ناحية، لأنها قوات طائفية، بالدرجة الأولى، ومن ناحية أخرى، لأن هذه الهجمات توفر على التنظيم وصمة العار التي ظلت تلاحقه بسبب هجماته العشوائية ضد المدنيين.
ويذهب الاعتقاد لدى بعض المراقبين أن انقسامات تنظيم داعش، سوف تتواصل، وقد تؤدي إلى انحسار نفوذه في النهاية، ولكن من دون أن تنقص الهجمات ضد القوات الأمنية. وذلك لأن التركيز على بقايا داعش يُخفي متغيرا آخر هو ظهور مجموعات مسلحة مستقلة لا علاقة لها بالتنظيم، وهي التي تنفذ أكثر العمليات، بحسب اعتراف صحيفة “النبأ”.
وتستفيد هذه المجموعات من إحالة هجماتها الى تنظيم داعش، لأجل المزيد من التخفي. كما أن السلطات الأمنية العراقية تستفيد من تلك الإحالة لكي تخفي ما تخشاه، وهو ظهور مقاومة جديدة للنظام الطائفي القائم.