فؤاد مسعد
انتهت فعاليات مونديال قطر 2022 بفوز الأرجنتين على فرنسا، وسيطوي النسيان كثيراً من هذه الأحداث والوقائع، بيد أن ثمة حقائق ستبقى عصية على النسيان، شأنها في ذلك شأن الوقائع والحقائق الكبرى التي تحفر نفسها في أعماق الذاكرة، وفي مقدمة هذه الحقائق الإنجاز التاريخي الذي صنعه أسود الأطلس (منتخب المغرب) بالوصول إلى المركز الرابع، وهو المستوى الذي لم يصل إليه أي منتخب عربي أو أفريقي منذ انطلاق بطولة كأس العالم قبل 92 عام.
وقد تجلت فرحة المغرب والأمة العربية بذلك الإنجاز الذي تخطى حاجز احتكار بطولة كأس العالم، مثلما تجلى الابتهاج بالنجاح الذي حققته دولة قطر وهي تكسر احتكار استضافة البطولة، حيث لم تخرج استضافة كأس العالم عن نطاق القارة العجوز والأمريكتين إلا مرتين، مرة في كوريا الجنوبية واليابان عام 2002، ومرة أخرى في جنوب أفريقيا عام 2010، وقدمت الدوحة نموذجا متميزاً أضفى على البطولة الكثير من معالم الفن والجمال بالجمع بين الأصالة والمعاصرة وروعة الإعداد والتنظيم وحسن الإدارة والاستقبال واستيعاب القادمين من مختلف الأمم والشعوب والحضارات.
وظل المنتخب المغربي يقدم أداء رائعاً خلال مباريات الدور الأول في البطولة، تكلل بانتصارات متتالية جعلته يتصدر مجموعته التي تضم منتخبات: كرواتيا وبلجيكا وكندا، تعادل مع الأول وفاز على الثاني بهدفين نظيفين وعلى الثالث بهدفين مقابل هدف، مما جعله يتأهل للدور الثاني (ثمن النهائي)، وفيه حقق الأسود انتصارا باهرا على ثيران أسبانيا، الفائزين بكأس العالم في العام 2010، ثم في الدور ربع النهائي أجبروا المنتخب البرتغالي على المغادرة بعد فوزهم عليه بهدف نظيف، ليصبح أول منتخب عربي وأفريقي يصل على هذا الدور، كما أنه ثالث منتخب يصل إلى هذا الدور من خارج قارتي أوروبا وأمريكا الجنوبية بعد الولايات المتحدة في عام 1930، وكوريا الجنوبية في البطولة التي استضافتها مع اليابان عام 2002.
وصلوا إلى نصف النهائي مع ثلاثة من المنتخبات العريقة، اثنان منهما فازا بكأس العالم مرتين وهما منتخب الأرجنتين الفائز بكأس العالم 1978، 1986، ومنتخب الفرنسي الذي فاز بكأس العام 1998، و2018، والثالث منتخب كرواتيا الوصيف في العام 2018.
كان المغرب قد وصل في بطولة كأس العالم 1986 إلى الدور الثاني بعدما تصدر في الدور الأول مجموعته التي ضمت: البرتغال وإنجلترا وبولندا، لذلك يعتبر ثاني منتخب يصل إلى دور الـ16 من خارج قارتي أوروبا وأمريكا الجنوبية، بعد منتخب كوريا الجنوبية في كأس العالم 1966، وفي بطولة 1986 كاد المغرب على وشك الوصول إلى دور الثمانية لكنه خسر أمام منتخب ألمانيا الغربية الذي أصبح وصيف تلك البطولة بعدما تغلب عليه الأرجنتين بقيادة أسطورة كرة القدم الأبرز دييجو مارادونا.
في مونديال قطر 2022 تجاوز أسود الأطلس ذلك الحاجز ثم الحاجز الذي يليه حتى كانوا على وشك الحصول على الكأس، وقد صاروا ضمن الكبار الأربعة، محققين إنجازاً تاريخياً جديراً بالفخر والاعتزاز.
والأهم من هذا الإنجاز لن يكون آخر المشوار، فالأسود لا يزالون في بداية الطريق، وبمقدورهم تحقيق المزيد والمزيد في مضمار كرة القدم قارياً وعالمياً، خاصة بعدما حجزوا لهم مكانا يليق بهم، وتمكنوا من كتابة التاريخ بما أنجزوه في هذا المونديال الذي صاروا هم أبرز أحداثه وأجمل حقائقه.
لن تنسى الجماهير العربية ابتهاجها وفرحتها وهي تتابع ما يرسمه لاعبو المنتخب المغربي وحارسهم المتألق من لوحات، وما يبدعونه من إيقاعات جميلة، ولن ينسى المشجعون لحظات الفرح التي صنعها الأسود في ملحمة المونديال الأخير، ذلك أن الجماهير العربية وقفت لأول مرة لتشجيع منتخب عربي، استطاع أن يكتب اسمه ضمن أقوى المنتخبات وفي أعلى القائمة، متجاوزاً حدود الحلم المتواضع وأسوار الأمنيات المحددة بدور واحد ثم العودة، ولذلك كانت الفرحة بهم كبيرة، كما كان أداؤهم الكروي كبيراً وكثيراً وجميلاً.