كريتر نت – متابعات
تشهد الساحة السياسية السنية في العراق ديناميكية لافتة هذه الفترة في علاقة ببروز جبهة تطرح نفسها كجامع للمكون السني، في مواجهة تحالف تقدم الذي يقوده رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، مستغلة في ذلك التحفظات الكثيرة لسنة العراق على المسار الحالي للأخير.
ويشكل تحالف الأنبار الموحد نواة لجبهة سياسية عريضة تستهدف محاصرة نفوذ تحالف السيادة السني، ولاسيما زعيم حزب تقدم ورئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي الذي نما نفوذه بشكل لافت في السنوات الأخيرة ونجح في تكريس نفسه رقما صعبا في المعادلة العراقية، تعزز بنجاحه في الانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر من العام 2021.
وكان الحلبوسي البالغ من العمر إحدى وأربعون سنة، استغل الفراغ السياسي في الساحة السنية العراقية، وخوائها من الزعامات بعد أن اضطر العديد منها إلى المغادرة بسبب ملاحقات قضائية لا تخلو وفق تصريحات البعض منهم من “صبغة كيدية”، فيما فضل البعض الآخر الانسحاب والتواري عن المشهد.
ويقول مراقبون إن الحلبوسي الذي ينتمي إلى عشيرة الدليم المعروفة في محافظة الأنبار، تمكن من عقد شبكة علاقات واسعة لاسيما مع قوى إقليمية وازنة مثل تركيا، كما أنه أبدى براغماتية شديدة في التعامل مع القوى الشيعية والكردية المؤثثة للمشهد العراقي.
وقد نجح الحلبوسي في التعامل مع ضغوط شديدة خلال الأشهر الماضية في علاقة بالأزمة السياسية التي عرفها العراق واضطراره إلى الاختيار بين حليفه الشيعي السابق التيار الصدري والحليف الحالي الإطار التنسيقي، لكنه يواجه اليوم معارضة سنية متنامية من معقله الرئيسي.
وتستغل هذه المعارضة الممثلة في تحالف الأنبار الموحد الذي تشكل حديثا، عجز الحلبوسي أو عدم قدرته على تنفيذ الوعود التي قطعها لناخبيه السنة من قبيل حل قضية المغيبين، وإعادة النازحين، وتحقيق التنمية في المناطق السنية، إضافة إلى الاتهامات التي تلاحقه باستغلال موقعه السياسي لملاحقة الناشطين المعارضين له.
ويسوق تحالف الأنباء الموحد الذي يقوده السياسي ورجل الأعمال السني جمال الكربولي إلى أنه تحالف وطني مستقل لا يخضع لأي أجندات سياسية إقليمية، لاسيما التركية والخليجية منها، وهو يغمز في ذلك لحزب تقدم الذي يقوده الحلبوسي.
ويرى متابعون أن إشارات التحالف السني الجديد لتركيا ودول الخليج هي محاولة من قبله لكسب دعم الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الموالية لإيران، ويشكل المكون الرئيسي حاليا لمنظومة الحكم في العراق.
ويضيف المتابعون أن قيادات التحالف الجديد تدرك جيدا أن خطواتها في محاصرة زعيم حزب تقدم وتحالف السيادة وتحجيم نفوذه لن يكتب لها النجاح دون دعم القوى الشيعية المؤثرة.
وليس من الواضح بعد مدى علاقة هذا التحالف بالإطار التنسيقي، لكن مؤخرا، أجرت قيادات له جولة على بعض قيادات الإطار بينهم زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، إلى جانب لقائها برئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وأكد تحالف الأنبار الموحد الاثنين أنه ذو نزعة وطنية ولن يكون يوما تحت التأثير التركي أو الخليجي، مشيرا إلى أن التحالف له امتدادات سياسية مع المناطق المحررة وتوجهه واحد.
متابعون يرون أن إشارات التحالف السني الجديد لتركيا ودول الخليج هي محاولة من قبله لكسب دعم الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الموالية لإيران
وقال القيادي في التحالف محمد دحام الفهداوي في تصريحات صحفية، إن “تحالف الأنبار الموحد والمناطق المحررة هو تحالف محلي ملتزم بالكامل مع الحكومة المركزية في بغداد”.
وشدد الفهداوي على أن “التحالف لم ولن يكون يوما تحت العباءة التركية أو الخليجية كما تلتحف بها بعض الأحزاب المعروفة”، مشيرا إلى أن “ثوابت التحالف وطنية وهو ملتزم بالآليات الدستورية وله امتدادات سياسية واسعة في بقية المحافظات المحررة”.
وكان القيادي في تحالف الأنبار الموحد الشيخ عبدالله الجغيفي قال في تصريحات سابقة إن الكتل والأحزاب السياسية والجماهير السنية لا تعترف بوجود زعيم للمكون السني، مشيرا إلى أن من يدعي غير ذلك فهو فاقد للشرعية.
ويرى نشطاء عراقيون أن فرص نجاح هذا التحالف من عدمها في إنهاء نفوذ الحلبوسي تبقى رهين قدرة هذا التحالف على استقطاب القوى السياسية والمجتمعية في الساحة السنية المستاءة من طريقة تعاطي الحلبوسي.
وقد بدأ التحالف بالفعل خطوات في هذا الصدد ونجح في استمالة عدد من الشخصيات والقوى آخرها حزب تجمع الوحدة العراقية، الذي يتزعمه شيخ الطريقة القادرية ألكسنزانية شمس الدين نهرو محمد الكسنزاني، الذي انشق عن حزب الحلبوسي.
وتوقع القيادي في تحالف “الأنبار الموحد” حكمت سليمان “حدوث انسحابات جماعية من تحالف تقدم كما حدث مع رئيس تجمع الوحدة الوطنية نهرو الكسنزاني”.
وسبق وأن انسحب حيدر الملا، وأحمد الجبوري المعروف بأبومازن (4 مقاعد في البرلمان)، والنائب ليث الدليمي من تحالف تقدم.
ويشير النشطاء إلى أن الحلبوسي يجني على ما يبدو اليوم نتائج سياسة الاستفراد بالقرار السني، وهذا ما جعل العديد من الشخصيات والمكونات السنية تنفض من حوله، وهذا ما يستدعيه إلى وقفة تأمل وإعادة النظر في مساره الحالي، مع وجود الكثيرين الراغبين في الانقضاض عليها سياسيا.
وقال القيادي السني ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، إن “الحلبوسي لا يتمتع بالمؤهلات اللازمة للبقاء في منصب رئيس البرلمان العراقي لولا الدعم الشيعي له”.
وأوضح النجيفي، وهو شقيق رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي في تصريحات لموقع “مدى” العراقي أن “الحلبوسي يعامل خصومه بالافتراء والاستعانة عليهم بنفوذه في بعض مؤسسات الدولة كتلفيق التهم والتضييق عليهم حتى احتاجوا إلى سنين من المتابعة القضائية لإثبات براءتهم”.
وتابع “ويعامل أتباعه بفوقية وإهانة مستمرة ولهذا ينفض عنه كثير من حلفائه بين آونة وأخرى.. والآن اكتشف الشيعة أن دعمهم له لم يكن في موضعه بل انعكس عليهم”. وأشار القيادي السني “الآن انفض عن الحلبوسي كثير من حلفائه من السنة ولم تبق له سوى قدرته على إقناع الأطراف الشيعية بالاستمرار في دعمه”.
واعتبر النجيفي أن أمام القوى الشيعية خيارين “الأول استغلال الفرصة للحصول على المزيد من التنازلات وتوقع استغلال أطراف أخرى للتذمر في المناطق السنية وتغذية اضطرابات محتملة، والثاني تغيير الحلبوسي، وفتح الباب لظهور شخصيات سنية تحظى بالاحترام في مناطقها أكثر من الحالية”.