كريتر نت – متابعات
تتحرك إيران لتسجل حضورها في البلقان من خلال علاقة متميزة مع صربيا. انتهى زمن الموقف الإيراني المؤيد للبوسنة والهرسك في مواجهة الصرب. صربيا أولى أولويات إيران.
بينما يواصل الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على إيران، سواء كان ذلك بسبب التعاون العسكري مع روسيا أو انتهاكات حقوق الإنسان في حملتها على المتظاهرين، تواصل منطقة البلقان تبني موقف مغاير. فعلى الرغم من كونها مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 2012، لكن صربيا تسعى لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع طهران. وعلى عكس معظم دول أوروبا التي تعتبر إيران دولة منبوذة تسعى لامتلاك أسلحة نووية، ترى صربيا الجمهورية الإسلامية دولة صديقة. وبالنسبة إلى طهران، تعد صربيا فرصة مثالية لزيادة نفوذها في البلقان.
وخلال زيارة إلى صربيا في الرابع من ديسمبر، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إن العلاقات بين البلدين “تتحسن وتتوسع باستمرار في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك”. وبالنظر إلى عدم توقيع أي اتفاق، ربما كان من الغريب دعوة الحكومة الصربية مسؤولا إيرانيا كبيرا في الوقت الذي تتعرض فيه بلاده لضغوط دولية متزايدة بسبب ردها الوحشي على الاحتجاجات التي تقودها النساء في الداخل.
واستغل عبداللهيان زيارته إلى صربيا لعقد اجتماع مع جميع السفراء الإيرانيين في أوروبا، حيث كانت بلغراد بمثابة قاعدة يمكن فيها للدبلوماسيين عقد قمة داخلية مع رئيسهم. وبعد صربيا، زار وزير الخارجية الإيراني البوسنة والهرسك المجاورة، حيث قال إن طهران “كانت دائما إلى جانب البوسنة في الأيام الصعبة”.
علاقات صربيا المزدهرة مع إيران يمكن أن تصبح نقطة شائكة تؤثر على علاقتها مع دول الاتحاد الأوروبي
وخلال حرب البوسنة في حقبة التسعينات، قامت إيران بتسليح وتدريب القوات البوسنية المسلمة، ولكن في أيامنا هذه، تعتبر إيران صربيا أولى أولويتها في المنطقة وليس البوسنة والهرسك.
ومن جانب آخر، ترى بلغراد إيران كمحطة بديلة لاستيراد منتجات مثل الأسمدة، التي تعطلت إمداداتها بسبب الحرب في أوكرانيا. وفي المقابل، من المتوقع أن تصدر صربيا قمحها إلى إيران، وربما تبدأ في استيراد النفط الخام الإيراني، بسبب عدم قدرتها على الاعتماد على الإمدادات من روسيا. وبعبارة أخرى، تهدف الدولتان إلى توسيع تعاونهما الاقتصادي، الذي كان حتى الآن متواضعا إلى حد ما، حيث بلغ حجم التجارة الخارجية بين صربيا وإيران 50.8 مليون دولار فقط في عام 2021.
واجتمع أكثر من 80 من رجال الأعمال الصرب والإيرانيين وممثلي جمعيات الأعمال إلى جانب مسؤولين حكوميين في شهر يوليو، في بلغراد لحضور منتدى للأعمال. ومهد الحدث الطريق أمام صربيا وإيران لبدء تعميق العلاقات الاقتصادية. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تنشئ بلغراد وطهران غرفة تجارة مشتركة لتسهيل التبادلات التجارية بين القطاعين الخاصين في البلدين كما صدقت إيران في شهر أكتوبر على اتفاقية جديدة للخدمات الجوية مع صربيا، وهي وثيقة سهلت عملية إدخال الرحلات التجارية المجدولة بين البلدين. ولكن هل يجرؤ مرشح الاتحاد الأوروبي على إقامة رحلات جوية مباشرة مع إيران؟
وعلى الرغم من كون صربيا مرشحة لأن تكون جزءا من الاتحاد الأوروبي، لكنها لم تنضم إلى عقوبات الاتحاد ضد إيران، حتى أن البلدين كان لديهما نظام الزيارات بدون تأشيرة من أكتوبر 2017 حتى أكتوبر 2018 عندما اضطرت صربيا، بفضل ضغوطات من الاتحاد الأوروبي، إلى إعادة فرض التأشيرات على المواطنين الإيرانيين. ثم اتخذت طهران تدبيرا مماثلا، مما يعني أنه لم يعد بإمكان حاملي جوازات السفر الصربية السفر إلى إيران دون الحصول على تأشيرات في جوازات سفرهم. ولكن لم يكن لهذه التحركات تأثير خطير على العلاقات بين بلغراد وطهران.
وتحدث الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش عبر الهاتف مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في شهر فبراير، والتقى الزعيمان في نيويورك في سبتمبر خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن المتوقع أن يزور الرئيس الصربي إيران في المستقبل القريب، وتخطط صربيا للتعاون مع إيران في مجالات الزراعة والأغذية والصناعات الكيميائية والنفطية والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. ولكن إلى جانب الاقتصاد، أين يكمن التعاون على الصعيد السياسي؟
حقيقة أن عبداللهيان لم يجتمع فقط مع وزير الخارجية الصربي إيفيكا داتشيتش ولكن أيضا مع رئيسة وزراء البلاد آنا برنابيتش والرئيس فوتشيتش، تشير تلك الحقيقة إلى أن بلغراد ترى إيران كشريك مهم في الشرق الأوسط.
ولم تعترف إيران باستقلال كوسوفو التي انفصلت من جانب واحد عن صربيا في عام 2008. وتعترف معظم الدول الغربية باستقلال كوسوفو، على الرغم من أن خمسة من أعضاء الاتحاد الأوروبي لم تعترف بذلك، بجانب عن روسيا والصين.
وخلال الزيارة الأخيرة، شكر الرئيس فوتشيتش إيران على دعمها سلامة الأراضي الصربية. من جانبها، رفضت صربيا، وكذلك البوسنة والهرسك، الانضمام إلى قرارات الأمم المتحدة التي تدين انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.
ومع ذلك، فإن الدولتين البلقانيتين، اللتين تتوسطان حلف شمال الأطلسي ودول الاتحاد الأوروبي، ليستا في وضع يسمح لهما بتعميق التعاون السياسي والعسكري مع إيران بشكل كبير. واقترح المسؤولون الإيرانيون مؤخرا أن صربيا قد تقدم عرضا رسميا لشراء طائرات إيرانية بدون طيار، وهو أمر سيكون بلا شك مفيدا جدا للقطاع الصناعي العسكري في طهران. لكن وزارة الدفاع في بلغراد نفت مثل تلك الادعاءات، وفي ظل الظروف الجيوسياسية الحالية، فمن غير المتوقع أن يغض الغرب الطرف عن صفقات أسلحة محتملة مع إيران.
كما أن صربيا واقعة تحت الأنظار بسبب علاقاتها مع روسيا، حيث تريد أوروبا أن تتماشى معها بلغراد عندما يتعلق الأمر بفرض عقوبات على موسكو بسبب حرب أوكرانيا. وأشار مسؤولو الاتحاد الأوروبي إلى أن هذا قد يعرقل التقدم في انضمام صربيا إلى الاتحاد، كما يمكن أن تصبح العلاقات المزدهرة مع إيران نقطة شائكة، في حين تظل كوسوفو العقبة الرئيسية.
ولكن لم ينتقد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، باعتبارهما جهتين أجنبيتين رئيسيتين تعملان في البلقان، بلغراد لاستضافتها عبداللهيان، وهذا يعني أنه من الممكن تماما أن تكون صربيا قد حصلت على ضوء أخضر لمواصلة “سياستها الخارجية متعددة الاتجاهات” طالما أنها لا تشكل تهديدا للمصالح الأوروبية والأميركية في المنطقة.