كريتر نت – متابعات
تصاعدت أصوات تحذر من الإفراط في التفاؤل والمبالغة في جدوى قرار الاتحاد الأوروبي تسقيف أسعار الغاز لما له من انعكاسات سلبية إذا لم تنجح الخطة كونها قد تصعب إمكانية الحصول على الإمدادات من الأسواق العالمية وأيضا قد تهدد الاستقرار المالي.
واتفقت دول الاتحاد الأوروبي الاثنين الماضي على وضع حد أقصى لأسعار الغاز بعد أن ناقشت لأشهر مدى جدوى الإجراء في دعم جهود أوروبا للتعامل مع أزمة الطاقة أو تثبيطها.
والهدف من ذلك هو حماية الأسر والشركات من ارتفاع أسعار الغاز، الذي عانت منه أوروبا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وأذكى التضخم حتى بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق.
لكن الفكرة أثارت الشقاق في التكتل المؤلف من 27 عضوا في ظل خشية بعض الدول، من بينها ألمانيا، أكبر اقتصاد وأكبر مستهلك للغاز في أوروبا، من أن يجعل سقف السعر الحصول على الإمدادات أكثر صعوبة في الأسواق العالمية التنافسية.
واتفق وزراء طاقة التكتل على مقترح توفيقي يُطبّق بموجبه الحد الأقصى للسعر إذا تجاوزت أسعار عقود أقرب شهور الاستحقاق في منصة تداول عقود الغاز الهولندية (تي.تي.أف) 180 يورو للميغاواط/ساعة لمدة ثلاثة أيام.
ويرى محللون أن أوروبا ستكون الخاسر الأكبر من اعتماد هذا النظام المثير للجدل وذلك استنادا إلى الحالة القائمة بعدما تضاعفت الأسعار هذا العام قياسا بالعام الماضي، فضلا عن وجود مخاوف من إجراءات الترشيد وانقطاع الكهرباء خلال الشتاء.
وحذرت الجهات الفاعلة بالسوق ومن بينها بورصة إنتركونتيننتال، التي تستضيف تعاملات منصة تي.تي.أف في أمستردام، المفوضية من المضي قدما في تنفيذ مقترحها.
وفي مذكرة أرسلت إلى المفوضية الأوروبية، قالت بورصة إنتركونتيننتال إن “المقترح قد يتسبب في توقف مزودي السيولة عن بيع العقود الآجلة للغاز في منصة تي.تي.أف، مما قد يدفع الأسعار إلى الارتفاع”.
كما اعتبر اتحاد بورصات الطاقة الأوروبية أن خطة التكتل قد تشكل خطرا كبيرا على الاستقرار المالي في أسواق الطاقة الأوروبية وقد يدفع المرافق إلى الصفقات الخاصة الأكثر خطورة لتجنب الحد الأقصى، كما أنه لن يحقق هدف خفض التكاليف.
وقلصت روسيا شحنات الغاز إلى أوروبا بعد غزوها لأوكرانيا في فبراير الماضي. وفي محاولة للحد من تأثير ارتفاع الأسعار، دعا نحو 15 من أعضاء الاتحاد، منهم بلجيكا وإيطاليا واليونان وبولندا، إلى وضع حد أقصى لسعر الغاز على مستوى أوروبا.
وتراجعت أسعار الغاز في الأشهر القليلة الماضية مع موافقة التكتل على بعض تدابير الطوارئ، بما في ذلك الالتزام بملء خزانات الغاز، لكن الأسعار مازالت مرتفعة.
وبلغت عقود الشهر الأقرب استحقاقا في منصة تي.تي.أف 107 يورو لكل ميغاواط/ساعة الاثنين الماضي، مقارنة مع 95 يورو لكل ميغاواط/ساعة قبل عام و14.2 يورو لكل ميغاواط/ساعة قبل عامين.
وبموجب الخطة المتفق عليها يبدأ تنفيذ سقف الأسعار من منتصف فبراير المقبل إذا تجاوزت الأسعار 180 يورو لكل ميغاواط/ساعة لمدة ثلاثة أيام.
ولبدء تنفيذ الحد الأقصى، يتعين أن تكون تعاقدات منصة تي.تي.أف لأقرب شهور الاستحقاق أعلى 35 يورو لكل ميغاواط/ساعة فوق المستوى المرجعي المستقى من تقييمات أسعار الغاز المسال القائمة لثلاثة أيام.
وبمجرد بدء التنفيذ، يمنع سقف الأسعار من إبرام صفقات في المنصة للشهر وللأشهر الثلاثة وللسنة الأقرب استحقاقا بسعر يزيد عن 35 يورو لكل ميغاواط/ساعة عن السعر المرجعي للغاز. وهذا يضع سقفا فعليا على السعر الذي يمكن تداول الغاز به.
ولن ينخفض السقف إلى أقل من 180 يورو لكل ميغاواط/ساعة، حتى لو انخفض السعر إلى مستويات أقل بكثير.
ولكن إذا ارتفع السعر المرجعي إلى مستويات أعلى سيتحرك معه سقف الاتحاد مع الإبقاء عليه في نطاق زيادة بنحو 35 يورو لكل ميغاواط/ساعة. وهذا نظام أريد به ضمان قدرة التكتل على تقديم عروض أعلى من أسعار السوق لجذب الوقود الشحيح.
ومع بداية التنفيذ، سيتم تطبيق الحد الأقصى للسعر على مدار عشرين يوم عمل على الأقل وبعد ذلك يمكن إلغاء تفعيله إذا انخفضت الأسعار إلى أقل من 180 يورو لكل ميغاواط/ساعة لمدة ثلاثة أيام.
ويطبق الحد الأقصى على جميع منصات تداول الغاز الافتراضية بالاتحاد. وفي البداية، لن يؤثر ذلك على تجارة الغاز الخاصة خارج بورصات الطاقة، وهو ما قالت المفوضية الأوروبية إنه “يشكل صمام أمان لعمليات التسليم الحيوية التي لن تمثل على الأرجح حصة كبيرة من التجارة”.
وظلت دول الاتحاد منقسمة لفترة طويلة إزاء وضع سقف للأسعار. وتعرض مقترح المفوضية الأصلي الشهر الماضي، الذي استهدف فرض سقف إذا بلغ السعر 275 يورو لكل ميغاواط/ساعة، لانتقادات واسعة النطاق وسط الدول.
وتضمن المقترح شروطا بلغت من صرامتها أنه حتى الارتفاع القياسي بأسعار الغاز الأوروبية فوق 340 يورو لكل ميغاواط/ساعة مثلما حدث في أغسطس الماضي ما كان ليؤدي إلى تفعيله.
وفي الوقت نفسه، قاومت ألمانيا، ومعها هولندا والنمسا، وضع أيّ سقف، خشية أن يؤدي هذا إلى تعطيل عمل سوق الطاقة في أوروبا وتحويل شحنات الغاز إلى مناطق تقبل بأسعار أعلى.
وقال مسؤول أوروبي لرويترز إن “ألمانيا وافقت في نهاية المطاف بعد أن ضمنت قواعد أكثر صرامة لتعليق السياسة إذا تمخضت عن عواقب غير مقصودة وأدخلت تعديلات على قانون آخر للاتحاد الأوروبي بشأن تصاريح الطاقة المتجددة”.
وامتنعت هولندا والنمسا عن التصويت. وقال مسؤولون في الاتحاد إن المجر كانت الدولة الوحيدة في الاتحاد التي عارضت المقترح.
وتشمل الإجراءات الوقائية التي حصلت عليها الدول المتشككة تعليق العمل بالحد الأقصى إذا واجه التكتل نقصا في الإمدادات أو تسبب الحد الأقصى في انخفاض التداول في تي.تي.أف أو حدثت قفزة في الاستهلاك أو زيادة كبيرة في طلبات تغطية المشاركين في السوق.
وقالت مفوضة الطاقة الأوروبية كادري سيمسون إن “المفوضية قد توقف العمل أيضا بالحد الأقصى إذا وجد تحليل للجهات التنظيمية في التكتل مقرر إجراؤه بحلول مارس 2023، أن مخاطر السياسة تفوق فوائده”.
وأراد التكتل بوضع سقف للأسعار أن يكون حلا مؤقتا ويطبق لعام واحد. وكحل طويل الأجل، تريد المفوضية وضع مؤشر معياري جديد لسعر الغاز نظرا لأن سعر منصة تي.تي.أف يسترشد إلى حد بعيد بإمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب.
وطلبت بروكسل من الجهات المنظمة للطاقة في التكتل تدشين مثل هذا المؤشر بحلول نهاية مارس المقبل.