فاضل المناصفة
تدخل احتجاجات إيران شهرها الرابع بحصيلة ثقيلة، حيث سجلت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية ارتفاع عدد قتلى الاحتجاجات إلى 469 بينهم 63 طفلا قتلوا بالرصاص الحي، منذ انطلاق المظاهرات منتصف سبتمبر الماضي.
يبدو واضحا أن مشكلة النظام الإيراني تتعمق يوما بعد يوم، حتى مع تشديد الخناق على المظاهرات والقبض على المتعاطفين معها من الشخصيات الفنية المعروفة، وإصدار أحكام بالإعدام ضد ستة أشخاص، في محاولة لإحداث الصدمة والترويع في نفوس كل من يحاولون حشد أنفسهم لاستكمال المسيرة وإسقاط النظام.
الواضح أن مسار الاحتجاجات لن يتوقف حتى ينجح بإحداث فارق في حياة الإيرانيين، الذين سئموا نظام الولي الفقيه وسياسته الخارجية التي تتحمل مسؤولية كبيرة في إدخال البلاد في عزلة كان من تبعاتها أزمات اقتصادية أثقلت كاهل الإيرانيين، وزادت من حقدهم على هذا النظام، حيث اتخذوا من مقتل مهسا أميني الشرارة التي أطلقت الاحتجاجات في شوارع إيران الرافضة لاستمرار وضع مقيت جثم على صدور الشعب لعقود طويلة. ولكن المسألة ليست بتلك السهولة.
◄ الأنظمة بشكل عام عندما تواجه غضب الشارع تخشى أن يتم تأطير الاحتجاجات وأن يقودها أشخاص سياسيون خبراء بدواليب السلطة ويعرفون كيف يتم تنظيم الصفوف
مخطئ من يظن أن الإيرانيين دعّموا الاحتجاجات لمجرد مقتل فتاة على يد شرطة الأخلاق، والدليل أن تحرك السلطة لمعاقبة المتسببين بموت مهسا لم يشف غليل الإيرانيين ولم يضع نهاية للاحتجاجات. مقتل مهسا أعاد الأوضاع إلى المربع الأول من احتجاجات نوفمبر 2019، التي كانت الجائحة طوق نجاة لنظام الملالي للخروج منها، بعد إعلان سلسلة من الإجراءات الاحترازية التي عطلت تحركات الإيرانيين وساهمت في عدم توسع رقعة الاحتجاجات.
بدأت الاحتجاجات رفضا لرفع سعر البنزين بنسبة 300 في المئة ولكنها أيضا تخفي وراءها رفضا لسياسات الحكومة التي لم تتوان عن إفراغ جيوب المواطنين لحل أزماتها الاقتصادية، في بلد نفطي خارت قواه بسبب ضغط العقوبات الأميركية – الأوروبية وسياسة حكامه الفاشلة.
مشكلة الشعب مع النظام في إيران سياسية واقتصادية في آن واحد، وذلك لأن استعمال الخطاب الديني في جميع مناحي الحياة أصبح لا يكفي لإقناع الإيرانيين بأن سياسة بلادهم المدافعة عن القدس والمتحالفة مع الجهاد الإسلامي والحوثيين والمعادية لدول الجوار قد عادت بالنفع على البلاد. النظام الذي يمارس دجلا سياسيا تحت غطاء الدين لم يعد يجد تعاطفا من الإيرانيين. كيف لا وهو أساس مشاكلهم الاقتصادية، وعدم استفادتهم من ثورة نفطية قادرة على رفع مستوى المعيشة وتغيير حال البلاد.
النظام الإيراني مهزوز وبشدة من الداخل، ودليل ذلك حجم العنف والترهيب الذي يمارسه من أجل إسكات صوت الاحتجاجات، بعد أن فشل الخطاب الديني، وفشلت رواية القائمين على إدارة السلطة في نسب الاحتجاجات إلى قوى الشر التي تدار من واشنطن، لأن الإيرانيين أيقنوا أن الشر لا يأتي من وراء البحار، بل من داخل طهران ومن نظام مستعد لفعل أيّ شيء لبقاء إيران ثكنة عسكرية يفرض فيها القانون باستعمال أدوات البروباغندا والدين، وأسطوانة المؤامرات، وحلم القضاء على إسرائيل وتحرير القدس وما شابه ذلك.
أسطوانة المؤامرة سقطت بعد أن رأى الشعب الإيراني تصرف واشنطن حيال ما يجري داخل إيران؛ الإدارة الأميركية ومن خلال أسلوب تعاملها أثبتت أنها لا تريد لنظام الولي الفقيه أن يسقط، ولا تريد لإيران أن تصبح دولة مدنية تتمتع بعلاقات طبيعية مع دول الجوار، ذلك لأن بقاء النظام الإيراني الذي يريد الاستيلاء على اليمن بعد أن ثبّت أقدامه في العراق، هو ضمانة لاستمرار الإنفاق العسكري في المنطقة.
◄ مخطئ من يظن أن الإيرانيين دعّموا الاحتجاجات لمجرد مقتل فتاة على يد شرطة الأخلاق، والدليل أن تحرك السلطة لمعاقبة المتسببين بموت مهسا لم يضع نهاية للاحتجاجات
لا يخلو الأمر من مكائد إسرائيل ومن دعمها لبعض أصوات المعارضة في الخارج، ولكن تأثير هذه الأصوات ضعيف داخل طهران وخارجها، ولا يمكن الاعتماد عليه في تسريع الأحداث والترتيب لإسقاط نظام يخلفه نظام مستعد للتعاون معها.
حتى الآن لم يتفق الشارع على زعيم يقود الثورة ليكون اللسان المعبر عن أصوات الإيرانيين، وهذه النقطة تحسب للنظام الإيراني. فالأنظمة بشكل عام عندما تواجه غضب الشارع تخشى أن يتم تأطير الاحتجاجات وأن يقودها أشخاص سياسيون خبراء بدواليب السلطة ويعرفون كيف يتم تنظيم الصفوف. ذلك أخطر بكثير من تحركات معزولة، وإن كانت كثيرة، يبقى علاجها الرصاص والاعتقال والتعذيب والترهيب.
مع بداية الاحتجاجات كتبت مقالا تحت عنوان “الملالية إلى زوال” توقعت فيه استمرار الاحتجاجات إلى غاية إسقاط النظام، وذلك لأنني أؤمن بأن كل مكونات الثورة ومسببات سقوط الأنظمة تجتمع في الحالة الإيرانية، ولكن ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن مسألة السقوط باتت صعبة قليلا مع مرور الزمن دون دعم دولي قويّ، ودون انشقاقات عسكرية من أعلى مراتب الجيش، ودون نشاط دبلوماسي في عدة سفارات. بقاء النظام الإيراني أو انهياره مسألة تتداخل فيها هذه العوامل الرئيسية، وهي غير موجودة في الوقت الحالي.
قد نشهد في الأسابيع القليلة المقبلة مفاجئات تأتي من قلب النظام، عندما يتأكد بعض الضباط النزهاء ورجال السياسة الوطنيون بأن القارب سيغرق بمن فيه، وأن إيران إذا لم يتم إنقاذها في هذه الفرصة، فإن الفرصة لن تأتي مجددا.
نقلاً عن العرب اللندنية